رأي/ كرونيك

أنا “ما مربيش”..لأنني بمجرد سماع 1700 مليار التي استفدت منها دون وجه حق أصاب بالدوار

محمد ياسين صحافي وإعلامي

أنا المواطن الضعيف إلى الله الداعي لكم بالخير، أشهدكم وأشهد على نفسي أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد أنني “قليل الترابي” و”ما مربيش” بلغة عوام أهل البلد، آخر المصطلحات في القاموس السياسي الجديد، وبفصيح اللسان والبيان “ناقص تربية”.

وأعلن اليوم أني مستعد للعودة إلى مقاعد الدرس، رغم أن رأسي اشتعل شيبا، وعلى مشارف العقد الخامس من عمري، لأتعلم أبجديات التربية التي لم يسعفني الحظ في تعلمها في صغري، لأكون شخصا صالحا في مجتمعه، وأبا يقتدي به أبناؤه، وزوجا تصفح عن حليلته، ومواطنا يحترم مؤسساته وقانون بلده.

فليس التعلم عيبا حتى في الكبر، ولا ضير “نعاودو الترابي” للشيب والشباب سواء. فعسى أن أجد معلما صادقا نصوحا يده وذمته بيضاء نظيفة، أو مربيا جليلا ضليع في علم التربية، لا يطلق الكلام عن عواهنه. على الأقل سأضمن لنفسي، أولا تربية حسنة أحظى بها بشرف “المواطنة” والعيش بأمان في بلدي قبل أن أضطر، راهبا لا راغبا إلى مغادرته خوفا من بطش “المْربْيّين”، حيث أصبح الانتماء إلى هذا الوطن، يا للأسف، رهين باكتساب التربية الحسنة دون أن ندري ما هو نوع هذه التربية؟ ومن يلقنها؟ ومن يمنح شهادتها؟ وأضمن ثانيا تفادي الإهانة والذم والقدح من سوء التربية أو “قلة الترابي”، التي يتحملها وزرها ضمنيا معي كل أولئك الذين سهروا على تربيتي منذ صرخة الولادة إلى اليوم. فليت الذي نعتنا بمعشر “قلالين الترابي” أتم الجملة كما يقولها العوام وأضاف: “الله ينعل لي رباكم” لتكون جملة مفيدة في قمة البهاء “كمالت الباهية”.
أٌقولها ملء فمي دون استحياء:

“أنا فعلا “مامربيش” لأني قدري أن أكون واحدا من العامة الراضين بالفتات فيما أمثالك يرفلون في رغد العيش من جيوبنا، اللهم لا حسد. أقولها ونقولها لك عن طيب خاطر وبكل أريحية”.

“أنا صحيح “ما مربيش” لأنني بمجرد سماع 1700 مليار التي استفدت منها دون وجه حق أصاب بالدوار والاختناق، هذا الرقم الفلكي كفيل ببناء مستشفيات ومدارس ومعاهد “يتربى” فيها أمثالي، ومع ذلك أقول لك اللهم زد وبارك”.
“أنا فعلا “ما مربيش” لأنك أمسكت بيديك وقعدت على خيرات الأرض والسماء والبحر، لا يزاحمك أحد ولا يحاسبك أحد، تصول وتجول كيفما تشاء”.

“أنا أكيد “ما مربيش” لأن تقارير المجلس الأعلى للحسابات أدانتك بسوء التدبير وتبذير أموال أنا واحد من دافعي ضرائب هذا الوطن ولم أصرخ ولم أناد بمحاسبتك”

“أنا “ما مربيش” لأن الذين ناضلوا وجاهدوا ودفعوا دماءهم فدى للوطن ومهدوا لك الطريق، تواروا إلى الوراء، ووجدتها سالكة أمامك، تسير فيها دون عناء لتنصب نفسك وصيا علينا، وسكتنا وخرست ألسننا”.
“أنا “ما مربيش” لأنك أضعت على الشعب والبلد ستة أشهر كاملة تحابي هذا وتدفع ذاك، تجازي صحبك وعشيرتك وتعاقب من يخالف توجهك، ولم نقل لك “احشم على عرضك”.

“أنا “ما مربيش” لأنك تكلفت بمخطط أريد له أن يكون “أخضرا” فأصبح “هشيما تذروه الرياح”، حتى تلك الشجيرات والنخلات الباسقات في بلدتي ذبلت، وترابها صار يبابا، ولم نقل اللهم إن هذا منكر”.

“أنا “ما مربيش” لأنك تبوأت منصبا ليس لك حق فيه في غياب للديمقراطية، وأنت تعلم ذلك جيدا، فأصبحت الآمر الناهي بين ليلة وضحاها بل ودفعك حماسك الزائد لمسك رقاب من أفنوا زهرة شبابهم في رص بنيان الحزب إلى أن صار على ما وجدته عليه، وللأسف لم يعد كما تسلمته، ولم نلعن السياسة والسياسيين الانتهازيين ولا زلنا نؤمن بها وبالديموقراطية”.
“أنا “ما مربيش” لأنني دافعت ولا زلت أدافع أن يكون القضاء سيد نفسه في البلد”.”أنا ما مربيش لأن مبدئي كمواطن احترام المؤسسات”.

“أنا “ما مربيش” لأني أرفض أي سلوك أو تصرف قد يفضي بالوطن إلى الفوضى”.

“أنا ما مربيش لأني رضيت أن أكون ابنا بارا لهذا الوطن وفيا له مهما كان”.

“أنا ما مربيش لأني أقبل التعايش من كل الفئات والشرائح حتى التي تخالفني الرأي والتوجه”.

يحق لك بعد كل هذا أن تنعتن أمثالي ب “قلالين التربية” و”ما مربيينش” لأن مثل هذه الخصال لن تجدها إلا فينا نحن “سيئي التربية” في نظرك نترحم بها على الذين سهروا على تربيتنا ونقول مع القائلين “الله يرحم من ربانا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى