رأي/ كرونيك

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان..أي إصلاح مؤسساتي دون حقوقيين مستقلين !

 

بقلم: مصطفى المنوزي

صحيح أن الدولة اعدت الأجوبةالمؤجلة ، ولربما حسمت دفتر التحملات في العلاقة مع الفاعلين الحزبيين ، عبر تسوية سياسية خفية الاشتراطات ، لكن رغم أن المدخل لهذه الترتيبات حقوقي ، فإنه لا يكفي النظر الى المؤسسات فقط كحاضن وداعم ” رسمي ” للتنشيط الحقوقي ، والاكتفاء بجبر الخواطر هنا وهناك ، بل لابد من تأهيل الدمقراطية التشاركية ، باعتبار أن المدافعين عن حقوق الإنسان المدنيين شركاء أساسيين في الدورة الإنتاجية للفعل الحقوقي من حماية ووقاية ، وبذلك فلا عشرة دجنبر دون تسعة دسمبر ، أو لا حقوق دون مدافعين عن الحقوق ، ولا حقوق دون إنسان ، فاعلا ومفعولا ، مشتغلا وموضوعا ، فاليوم العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ينبغي أن يستأثر باهتمام العاملين على إنفاذ القانون وصانعي القرار الأمني والسياسي ، وأغالبهم يتبجحون بديمقراطية دواليبهم وآلياتهم ومؤسساتهم دون أن يبرهنوا على أنهم ينشدون ويتمثلون الديمقراطية كوسيلة وغاية ، كذلك ،في صفوفنا.

نادرا ما نستحضر إمكانيات التقييم والتقويم في العلاقة مع دمقرطة سلوكاتنا كحقوقيين وحقوقيات ، ولا حتى كفاعلين سياسيين ،شاءت الأقدار أن نكلف بتدبير شؤون جبر ضرر ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، فلم نستطع أن نحدد ونخلق المسافات بين تعدد القبعات التي نحمل ذهنيا ، وبين رأس واحدة مدججة بالتمثلات الفكرية والسياسية ، تقدر الفعل الحقوقي ورقة سياسية ، فكيف يمكن لطبيب أن يعالج نفسه بنفسه ، وبنفس القدر ، هل يعقل أن يعالج الضحية ماضيه بمقاربة لا تتجاوز سقف التعويض ، والحال أن المهم هو إعمال ضمانات عدم التكرار ، فقلة قليلة من الضحايا من يفكر في الحقيقة والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب والحكامة الأمنية والإصلاح المؤسساتي والتشريعي ، بدليل تضخم المعارك « النقابية » ، وكلما توصلت ضحية ب « حقها » ماليا ، غادرت أو خفضت من وتيرة الحضور والتتبع ،على الأقل ،

وفي إطارات أخرى غالبا ما يتحول ، في زمن قياسي ، كل مشتكي حول وضعه الخاص ، إلى عضو في الهيأة التي اشتكى لديها ،دون مراقبة مدى تمثل هذا الوافد لمبادئ وقيم الجمعية التي ألحق بها اضظرارا، ثم إلى حامل لصفة مدافع عن حقوق الإنسان ، صحيح أن الهدف من جبر الضرر هو هو ألا يظل المعني ضحية وأن يدمج إجتماعيا ويؤهل نفسيا ، لكن هل استطاعت المقاربة التعويضية أن تحقق هذه الغاية ؟ هناك اشكاليات كثيرة يعاني منها الحقل الحقوقي ، أغلبها قابل للحل ، ماعدا تلك المتعلقة بالمقاربة الكمية ، والتي تنظر إلى الأمور من حيث حجمها وعددها وليس إلى النوع والنجاعة ،

فحسب هذه المقاربة ، وهي مرتبطة موضوعيا مع المقاربة التعويضية في عمق خلفيتها ، مات المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، منذ صدور توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، لكن التاريخ أتبث أن الهيأة ورجالاتها قضوا من المشهد الوطني ، وظل المنتدى حيا وحيويا ، ليس بعدد أعضائه ، ولكن بفضل تلك التوصيات التي هي أصلا من صناعته وإبداعه ، وحتى إثارة المسؤوليات الفردية التي أسقطها « توافق » السياسيين من جدول أعمال التسوية الحقوقية المفترضة في تجارب العدالة الإنتقالية ، فقد أرجعها المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف للسكة عبر مطلب الحقيقة القضائية ، رغم أن القضاء لم يتملك بعد سلطته ثم استقلاله ، والأحرى أن يتصالح مع المجتمع ويكفر عن خطاياه التاريخية منذ أن سخر نفسه لخدمة النظام السياسي بدل الدولة والوطن.

فالرهان على تفعيل الدستور وأيضا على تأهيل «تململ » الوعي لدى القضاة ، الذين لم يتخلصوا بعد من تمثلاتهم السلبية لرسالتهم ومهامهم الوطنية حيث لازال بعضهم مرتاحا لوضعه كموظف عمومي لدى السلطة التنفيذية ، وقد حان الوقت لتقويم خيارات وسلوكات بعض الجمعويين منهم الذين جعلوا من الجمعيات التي أسسوها أو ينتمون إليها منبرا للدفاع ، بعقلية فئوية / تعاضدية ضيقة ، عن الوضعية الشخصية ، والحال أن القضاة هم أول المدافعين عن حقوق الإنسان ، مما يستدعي التأهيل والتكوين ، شأنهم شأن الإعلاميين ، الذين حالت سلطة المال وانعدام الحماية ، دون أن يؤدوا رسالتهم كمنافحين عن الحريات والحقوق الأساسية ، في انتظار المحاسبة هنا وهناك

ولتكن ذكريي تاسع وعاشر دجنبر فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل تطاوس المقاربة الأمنية على أنقاض أخطائنا المبتذلة ، وللنركز نضالنا ، فعلا ، من أجل تحويل خطاب النوايا وإعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان ، إلى مقتضيات وممارسة اتفاقية ، وتعاقدات يومية تؤطر المسار والمسير ،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى