رأي/ كرونيك

الساعة الإضافية: من 12زوالا الى الثانية بعد الزوال لا للتوقيت المستقطع

أثارت قضية الابقاء على الساعة الصيفية ردود فعل كثيرة و ازدحمت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب, على اختلافها، بتعليقات و صور و فيديوهات… كما تضمنت جل الصحف، الحزبية و المستقلة، فقرات من موادها تتحدث عن الحدث المفاجئ.

لقد عرفت الساحة الإعلامية، منذ شهر تقريبا، نفس الردود و الانفعال و النحيب و العويل بسبب ما تضمنته مقررات دراسية بالسلك الابتدائي من مواد باللغة الدارجة. و قد سبق هاذين الحدثين، أيضا، أحداث أخرى كثيرة.

 رغم خصوصية كل حدث وفق منطق الزمان و المكان، فإنها جميعا تواجه بجملتين أو جملة واحدة تعبر عن يأس و نفاذ صبر أغلب المحتجين. إنه إحساس غريب يسود في أوساط بعض مناضلي الاحزاب السياسية بالمغرب و غيرهم من عامة الناس. لم نعد نرى، كما في السابق، بيانات و مواقف واضحة و صريحة ذات حمولة معرفية تطرح بديل عن الحدث المؤسف. الرد الغريب و المتطرف و المتحدي للمحتجين على قرار زيادة الساعة الإضافية، عبر عنه زعيم حزب سياسي تاريخي، و على المباشر، و الذي افتخر فيه بقدرة المغاربة الاشتغال منذ الخامسة صباحا، افتخر بوضع انتقده اميل زولا في روايته جيرمنال منذ القرن التاسع عشر.  

إن زيادة ساعة إضافية الى توقيت غرينيتش، ليس بفعل ضغط شركة رونو بالمغرب، لأن ذلك، بكل بساطة، فيه ضرب لسيادة الدولة و هذا ما لا يمكن تقبله منها، لأسباب  سياسية عميقة. يمكن لدولة ما الرضوخ لقرار مؤسسات دولية : صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي … لكن أن يتم تداول مثل تلك الاخبار، من طرف بعض السياسيين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يبين عن ضعف في تحليل الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي للبلاد و يعفيه من البحث عن الاسباب الحقيقية لمثل تلك القرارات الادارية، التي يراها من زاويته و تقديراته غير سليمة و مجحفة.  

خرج وزيرين اثنين من حكومة سعد الدين العثماني لمواجهة قرار الزيادة و توارى مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، من الاعلان عن القرار، خوفا من خرجات شبيبة العدالة و التنمية و نكات عبد الالاه بن كيران، هناك خوف ضمني من طريقة الاعلان و بالتالي عدم تحمل تبعات ذلك.

إن وزير الوظيفة العمومية… و وزير التربية الوطنية… معنيان بشكل كبير بملف مراجعة توقيت العمل بالمغرب من أسسه القديمة و العتيقة و التي لا تتماشى مع التطور الذي عرفته الرأسمالية، التوقيت الحالي المعتمد لا يصلح بعد الآن.

إن مطالب المحتجين، باعتماد توقيت ملائم للوضع الجديد، و تغييره لتفادي خروج و دخول التلاميذ في جنح الظلام، لن يحل المشكل جذريا، بل فقط سيعمق الوضع أكثر و سيساهم في خلق بلبلة إضافية في مسارهم التعليمي الهش تنظيميا أصلا.

سبق للحكومات السابقة أن اعتمدت التوقيت المستمر في الادارات العمومية منذ سنوات و حدد توقيت الدخول الى مقرات العمل ابتداء من الساعة الثامنة و النصف صباحا ، مع نصف ساعة مخصصة للأكل، الى الساعة الرابعة و النصف بعد الزوال. لقي التوقيت الجديد في بدايته ترحيبا، مع بعض الردود والتعليقات على معاناة الآباء و الأمهات الموظفين مع أوقات دراسة أبنائهم. لكن مع مرور السنوات تمكن المتضررين من التكييف مع الوضع، و أصبح أغلب الموظفين-ات  يقتطعون من أوقات عملهم، أكثر من نصف ساعة المخصصة للأكل. أصبح المرتفقين يحتجون على تدني الخدمات المقدمة من طرف الادارة، مكاتب فارغة بعد الزوال وهذا حال أغلب الادارات.

إن الأسر المغربية عانت و ما زالت تعاني، رفقة أبنائها، تبعات توقيت قديم لا يتماشى مع مصلحة التلاميذ وذويهم، توقيت تستدعي الضرورة القطع معه كليا و اعتماد توقيت منسجم بين توقيت الادارة و توقيت المدرسة.

إن اعتماد توقيت جديد، خارج حسابات الزيادة أو النقصان في الساعة، أصبح من الأمر الضروري و المستعجل لحل معضلة كبيرة، سببت في ارتفاع حالات الاكتئاب و الأمراض النفسية و غيرها من الضغوطات على الأسر المغربية، توقيت يحول عملية الذهاب و الاياب من أربع عمليات في اليوم الى عمليتين، واحدة على مستوى الصباح و الأخرى على مستوى المساء، في جل الادارات و المدارس، توقيت يتماشى مع تنمية مستدامة حقيقية تراعي الجانب البيئي في شكله الشمولي.

يمكن تحقيق توقيت مستمر يجمع بين الادارة و المؤسسة التعليمية، رهان ليس بالمستحيل. إن وجود إرادة حقيقية و جادة للقطع مع التوقيت الحالي و المقترح من طرف وزارة التربية الوطنية… هي الحل الأمثل للخروج من المأزق الذي تعيشه الإدارة  و المدرسة المغربية. ستكون هناك معيقات تحقيق الهدف المنشود، لكن طرح مقترحات و أفكار جادة ممكن ان تخرجنا من الوضع الحالي.  

سأدلي ببعض الملاحظات و إن لم تكن كافية، لكن ستكون أرضية للمزيد من الأفكار و المقترحات مع المتفقين مع فكرة توحيد توقيت الادارة و المدرسة. إن الرهان الأول الذي يطرح نفسه بقوة، يتعلق بمشكل تغذية الأطفال المتمدرسين، مشكل سبق لدول أن تعاملت معه بشكل جدي و حققت المراد. إن عودة المطاعم المدرسية أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، مطاعم اعتمدتها الدولة لفترة معينة من تاريخ المدرسة العمومية المغربية ونفس الشيء بالنسبة للمطاعم الجامعية، استفاد منها الآلاف من التلاميذ و الطلبة، مطاعم ذات جودة تحترم معايير السلامة و الصحة، عبر إبرام صفقات مع ممونين في ميدان التغذية. نفس الأمر بالنسبة للموظفين بالإدارات العمومية، الذين سيستفيدون من مطاعم داخل الإدارات بأثمنة رمزية.

أكيد أنه سيكون الوضع الجديد المقترح، لأزمة الساعة، وقع كبير على الحياة اليومية للأسر المغربية و سيساهم كثيرا في الحد من تلويث البيئة. و أوقات الذروة بين الثانية عشرة زوالا و الثانية ستزول للأبد، كما سيوفر مستعملي السيارات و الدرجات  نصف الاستهلاك اليومي من الوقود و ستعفى المرأة المغربية من ضغط يومي رهيب و سيتراجع احتجاج المواطنين على الإدارة المغربية و سيكون تعديل التوقيت بداية الاصلاح الحقيقي للإدارة المغربية.   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى