الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

السينما…”البابوان”: إشكالات التغيير الصعبة في أقدم مؤسسة كهنوتية محافظة في العالم+ فيديو

هذه المادة يتم إنجازها بشكل مشترك بين ّدابا بريس” ومجموعة عشاق الفن السابع التي يديرها الكاتب عبد العزيز كوكاس

“البوابوان”The Two Popes فيلم للكاتب أنطوني مكارتن والمخرج فرناندو ميريليس صاحب الفلم الرائع “مدينة الله”(City of God) الشهير، مستوحى من أحداث حقيقية عرفتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية حيث واجهت القيادة الكهنوتية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، أسئلة عميقة فرضت عليها ضرورة التكيف مع التوقعات الجديدة، “لا يمكن الاستخفاف بالتغيير أبدا، إنه مكلف كلما كان عميقا، لكنه ضروري لاستمرار الحياة”، هذه هي الخلاصة المركزية للفلم/التحفة الذي تدور قصته حول الكاردينال خورخي بيرغوليو (الذي أدى دوره ببراعة لا تضاهى الممثل جوناثان برايس)، والبابا بنديكتوس السادس عشر (الذي تماهى معه الممثل المقتدر أنطوني هوبكنز).

يتخلله حوار عميق حول الحياة والحب والفن والرياضة والحياة، وحول مطاردة الماضي للحاضر، نظرتان كانتا في بداية الفلم متباعدتان، بحكم اختلافات الكاردينال والبابا الأيديولوجية والمزاجية، قدوم أحدهما من الأرجنتين حيث كان لاهوت التحرير زمن الديكتاتوريات العسكرية، والبابا قادم ألمانيا ومن من قلب الكنيسة الأوربية بتقاليدها المحافظة وطقوسها الإمبراطورية الباذخة.
لقد شكلت النقاشات اللاهوتية التي تنبع من سيناريو محبوك ببراعة، حركة دفع لأحداث الفلم التي تدور في قلب الكنيسة ويقوم الفيدباك باطلاعنا على سيرة الكاردينال حيث يحتد الجدل بين القادة اللاهوتيين حول مستقبل الدين المسيحي في القرن الحادي والعشرين.

تلك النقاشات الواقعية للغاية لها عواقب تتجاوز بكثير منطقة الفاتيكان المنعزلة، حيث أن قرارات الكنيسة بشأن قضايا مثل العزوبة بين الكهنة ودور المرأة في الكنيسة لها تداعيات على حياة أكثر من مليار كاثوليكي.

يصور البابا فرانسيس رئيس أساقفة بوينس آيرس سابقًا، خورخي ماريو بيرغوليو، في الفلم على أنه رجل تقدمي قوي الإرادة، ورجل أكثر طلاقة في إلقاء الخطب في الهواء الطلق والعمل على مشاريع للفقراء… أكثر رفضا لطقوس الفاتيكان الرسمية الثقيلة. إنه كاهن يسوعي من الأرجنتين، أحرز تقدما سريعا في صفوف الرهبنة الكاثوليكية. في عام 1973، أصبح رئيسا لليسوعيين في الأرجنتين وأوروغواي المجاورة وهو في سن 36 فقط. ولكن خلال فترة ولايته، فقد القس الشاب حظوته داخل المجموعة.

بصفته زعيما دينيا بارزًا، حيث واجه اتهامات بالتواطؤ في “الحرب القذرة” في الأرجنتين التي وقعت بين عامي 1976 و1983، ونفذتها الدكتاتورية العسكرية في البلاد، حيث فشل في الدفاع عن اثنين من الكهنة الذين اختطفهم النظام.

في عام 1990، جُرد بيرغوليو من مسؤولياته القيادية وأُرسل إلى قرطبة في وسط الأرجنتين، حيث أمضى عامين فيما وصفه لاحقا بأنه “مرحلة أزمة داخلية كبيرة”. عندما عاد، كان كقائد جديد بمنظور مستمد من تفاعلاته مع فقراء تلك المدينة. ومع صعود بيرغوليو مرة أخرى داخل القيادة الكاثوليكية الأرجنتينية، تبنى العديد من المواقف الليبرالية بشأن دور الكنيسة في مكافحة الفقر وعدم المساواة..
الساحر أنطوني هوبكنز الذي لعب دور البابا بنديكتوس السادس عشر، أبان عن عبقرية استثنائية في تجسيد رئيس الكنيسة الكاثوليكية من 2005 إلى 2013 ، حيث يبرز كزعيم روحي صارم رأى أن العودة إلى المبادئ هي أفضل مسار لكنيسة تكافح في قلب متغيرات عولمة القرن الحادي والعشرين.

وعلى الرغم من أنه كان معروفا بنهجه التقدمي المنفتح لسنوات، إلا أنه أصبح أكثر تحفظا مع تقدمه في العمر. منذ أصبح مراقبا لاهوتيا للفاتيكان تحت حكم البابا يوحنا بولس الثاني، حيث خدم لأكثر من عقدين وأصبح معروفًا بمواقفه الصارمة وذكائه. واجه اتهامات الاعتداء الجنسي على الأطفال الموجهة ضد الكنيسة خلال فترة توليه منصب البابا. الذي ظل يتحدث عن سوء السلوك، فأمر بإجراء تحقيقات، وأصدر قواعد جديدة في عام 2010 لتسهيل تأديب الكهنة المغتصبين للأطفال. لكن عدم رغبته في محاسبة التسلسل الهرمي الكاثوليكي الأكبر، دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه لم يذهب بعيدا بما يكفي لاجتثاث هذا الخطر.


التقى بيرغوليو وبنديكتوس السادس عشر في ظل ظروف غير مسبوقة، حيث سافر بيرغوليو إلى روما من أجل طلب الإذن بالتقاعد، لكن البابا رفضه وأخبره لاحقا بخططه الخاصة للتنحي. مع تأزم عقدة الدراما، ينفتح الفيلم على نافذة رائعة من المناقشات بين زعيمين دينيين متعارضين أيديولوجيا. تستند محادثات الفيلم بين بنديكتوس السادس عشر وفرانسيس إلى مواقفهما المعلنة من الخطب والكتابات. إنها نوع من التخمين من جانب صانعي الفلم، نقاش حاول الكاتب والمخرج ملء فجوة تاريخية غير معروفة. وقد صرح مكارتن لصحيفة Wrap : “ما نفعله دائما إزاء فراغ الحقائق التاريخية هو أن نتكهن، آمل أن تكون التكهنات مبنية على الحقائق، ونأمل أن تكون ملهمة”.

ينتهي الباباوان بملاحظة كوميدية هي بداية إعلان التغيير داخل الكنيسة، حيث يأكل فرانسيس وبنديكتوس السادس عشر البيتزا أثناء مشاهدتهما كأس العالم، حيث حاول الأول إقناع الأخير بمتعة مشاهدة الرياضة. أما بالنسبة للمشهد الأخير للباباوان وهما يشاهدان كرة القدم معا، فقد كان الحادث أكثر ملاءمة من السرد الفلمي وليس مع التاريخ الحقيقي. لأن البابا بنديكتوس لم يكن يحب كرة القدم، بل كان يحب الفورمولا 1″. وسيختتم القاء بين البابوية بلقطة ميلودرامية هي رقصة التانغو الأخيرة في لحظة الوداع، والتي تشكل زمردة تاج الفلم، إن التغيير دوما يجب أن يكون سلسا، ثقافيا وفنيا حتى فيما يرتبط بكنيسة تسهر على الأمن الروحي لأكثر من مليار مسيحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى