الرئسيةرأي/ كرونيكشواهد على التاريخ

المنوزي يكتب: في (واقعة رحيل المجاهد بنسعيد وذكرى وفاة المستشار السلاوي)..الحلقة 4

المنوزي
بقلم مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للدمقراطية والامن

في إحدى استجواباته كشف عبد الهادي بوطالب قائلا : “عندما أستُدْعيت من لدن جلالة الملك لأكون أحد مستشاريه الأربعة أحمد رضا اكديرة، وإدريس السلاوي وأحمد بن سودة، و(عبد الهادي بوطالب)، لم أكن أعرف طبيعة المهمة الجديدة، فقال لنا الملك: ستكونون مستشارين لي بالديوان الملكي، ودعوني أشرح لكم شروط اختيار المستشار والمؤهلات التي يجب أن تتوفر له ليشغل عن جدارة هذا المنصب الكبير، أنا لا أختار مستشارا لي إلا من تقلب في وظائف وزارية كبرى ونجح فيها، وإلا من يتوفر على التكوين السياسي لرجل الدولة ، والمستشارون هم خُلصائي وجلسائي المقرَّبون إليَّ، فلا أختارهم إلا من بين الذين يعرفونني ويعرفون توجهاتي وممن لا يضايقني أن أستقبلهم ولو في غرفة نومي وحتى من دون أن أكون قد غادرت الفراش.

وأفاض الملك في شرح المهمات التي تنتظرنا، وبعد أن انتهى من كلامه، سأله اكديرة: نحن يا جلالة الملك مستشارون لكم أم مستشارون في الديوان الملكي؟ فكان جواب الملك: الأمر عندي سيّان، فعلق اكديرة قائلا: لا يا جلالة الملك، إذا كنا مستشارين في الديوان الملكي، فإننا لا نعرف العمل الذي سنقوم به، لأن بالديوان الملكي موظفين سامين يقومون بمهامهم، بل يوجد به حتى من هم في رتبة وزراء، فحسم الملك وقطع حديث اكديرة قائلا: أقصد مستشار الملك”.

وفيما يخص العشرية 1979 / 1989 التي تهمنا فإن الموضوع يفرض علينا التركيز على شخصية إدريس السلاوي ومعه المستشار الملكي المكلف بالأوقاف والشؤون الإسلامية، بعد أن اختار الملك الحسن الثاني ” الوكالة ” عن العالم الإسلامي السني لمواجهة المد الشيعي بزعامة آية الله الخميني، وهي مهمة ” جهادية ” اعتمدت فرصة للتصالح مع بعض التنظيمات الدينية المعتدلة نسبيا؛ أوخلق تسويات إشتراطية مع تنظيمات جذرية أو متطرفة؛ وكانت اعتقالات ما بين أكتوبر ودجنبر 1981 التي طالت اليساريين والإسلاميين فرصة للتفاوض مع هؤلاء ” المؤهلين ” للقيام بمراجعات أو الإلتحاق للعمل مؤسستيا أو الخدمة أمنيا حتى.

وقد عرف معتقل المعاريف والمعتقل غير النظامي درب مولاي الشريف جلسات التفاوض والمساومة . وشاءت الأقدار أن كنت معتقلا خلال هذه الفترة ؛ رفقة بعض ” أطر ” الدعوة وعلى رأسهم الملقب ببالقاضي وزحل والصمادي وطبعا ” مسؤولين قياديين حاليا ” في حزب المصباح . وقد تم إستكمال الترتيبات والإلتزامات لاحقا بعد اعتقالات يناير 1984؛ ( لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى ” يوميات حبس إختياري ” الحلقة 19 من إعداد مصطفى المنوزي ) .

وتجدر الإشارة إلى أن واقعة الاعتقالات الواسعة التي شملتنا خلال شهر يناير من سنة، وعبأ لها الخطاب الملكي الشهير تحت عنوان ” الأوباش “، بدعوى مشاركتنا في أحداث مدن الشمال وسيدي يوسف بنعلي بمراكش، ولفقت لنا تهم الانتماء الى منظمة رفاق الشهداء المنضوية تحت لواء ” الى الأمام الماركسية / اللينينية”، في حين توبع اعضاء الشبيبة الإسلامية بالعلاقة مع الثورة الخمينية، والحال ان هدف العقل الأمني بقيادة الصدر الأعظم، وزير الدولة في الداخلية والإعلام المخلوع ادريس البصري، هو إخلاء الجامعة من مناضلي وأطر أ.و.ط. م التقدميين الديموقراطيين، بإفساح المجال بالبديل الإسلامي من طلبة أسرة الجماعة والتجديد الطلابي.

وقد تعززت هذه الإرادة بتعيين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الاستاذ العلوي المدغري في الأسبوع الأول من فبراير 1984 ، مما يؤكد أن الأمر يتعلق بمخطط استراتيجي عميق يجمع بين ارادة وضع اليد من طرف الدولة في شخص المؤسسة الملكية ووزاراتها السيادية كالداخلية اساسا والعدل والخارجية والشؤون الإسلامية، من أجل تدبير الحقل الديني وضبطه ؛ من جهة ومن جهة أخرى العمل على ” تطهير ” الجامعة من الفكر التقدمي والحداثي والنقدي، وإغراق الفضاءات المعرفية والتربوية والشبابية بالفكر الاتكالي، وكل ما كنا نطلق عليه ” الفكر الرجعي و الظلامي “.

لقد دامت ولاية الوزير المعين من فبراير 1984 الى نونبر 2002 ، حيث صارت وزارة الأوقاف تضطلع بأدوار استراتيجية ومهيكلة في النظام السياسي المغربي، وكما سجل الدكتور سليم حميمات في اطروحته ” أصولية الدولة واكراهات التحديث السلطوي “، بأن ” لوحظ أن وظائف هذه الوزارة تجاوزت الحدود التقليدية لتدبير الشأن الديني والوقفي و اتسعت لتشمل مجالات اجتماعية وسياسية واقتصادية وايديولوجية …

فهي الوزارة الوحيدة الى جانب وزارة الداخلية التي يخضع تنظيمها لظهير ملكي وليس لمرسوم وزاري …” انتهت ملاحظة الدكتور حميمنات. وطبعا وبالموازاة عزز المغرب الرسمي علاقته مع دولة السعودية الداعمة آنذاك للتنظيمات الوهابية والجهادية وإلى حد ما ” بنسيق ” مع تنظيم الإخوان المسلمين.

وفي هذا الإطار قررت القيادة السعودية وحلفاءها تخصيص ميزانيات عظمى لدعم المغرب ” ثقافيا ” تعتبر العمل الخيري / الإحساني وسيلة في هذا الصدد؛ وفي هذا الإطار كانت مبادرة المستشار إدريس السلاوي بتقديم صيغة أكثر عقلانية، فتوافق البلدان على تشييد مؤسستين الاولى بطنجة وهي التي صارت لاحقا معهد فهد للترجمة ( أنشأت سنة 1983 واستقبلت أول فوج سنة 1986)؛ والثانية مؤسسة آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدارالبيضاء.

ولهذا قام إدريس السلاوي بترجمة أُُمنية الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وهو في الحقيقة ترجم الفكرة أمنيا، فعبأ نخبة من خيرة الجامعيين المغاربة من أجل صياغة مشروع طموح لمؤسسة ثقافية تخدم البحث العلمي؛ وبذلك نجح في توجيه المبادرة علميا، ولذلك رخص له أن يتولى بنفسه تفعيل المشروع بأبعاد معرفية خاصة في مجال العلوم الإجتماعية، ولهذه الغاية تم تعيينه المتصرف المنتدب للمؤسسة منذ تدشينها في 12 يوليوز 1985 إلى أن وافته المنية يوم 7 فبراير 1999، وقد أفاد بمسؤؤولياته وخبرته وعلاقاته هذه المؤسسة خاصة عندما كان ممثلا دائما للأمم المتحدة منذ شتنبر 1986.

وبذلك يمكن القول بأن الفقيد إدريس السلاوي كان مفيدا للوطن والدولة في جميع اللحظات ، رغم علاقاته المتوترة هناك والمترددة هنالك . فهذه العشرية سيعرف فيها الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أزمة تنظيمية ناتجة عن صراع سياسي ومذهبي داخلي له أبعاده أيضا في العلاقة مع القصر ، وسيتولى إدريس السلاوي مهمة رأب الصدع بحلول عقد التسعينيات والذي سيضطر الملك الحسن الثاني ” إعادة ” إسترداده إلى مربع الإستشارة وصناعة القرار الأمني والسياسي الحيوي ، وعلى الخصوص بعد إعلان الملك عن الحاجة إلى علاج ” السكتة القلبية ” .

يتبع في الحلقة الخامسة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى