الرئسيةحول العالم

تحسُّباً للتداعيات القانونية ألمانيا تخشى تصدير السلاح لإسرائيل.. لأول مرة

 عن «هآرتس» وترجمة “الأيام الفلسطنية”

تعقد حكومة المانيا كل يوم اثنين مؤتمراً صحافياً يجيب فيه المتحدثون بلسان الوزارات الحكومية على الاسئلة. تتركز الاسئلة حول المواضيع المهمة على جدول الأعمال، وعلى الأغلب حول مواضيع داخلية أو حول الحرب في اوكرانيا. في هذا الاسبوع خلافا لما هو سائد فان الموضوع الذي تم ذكره مرات كثيرة في أسئلة الصحافيين هو تصدير السلاح الالماني إلى إسرائيل.

«لا أتذكر أنه كان ذات يوم انشغال عام بهذا القدر من الاهمية بهذا الموضوع»، قال كريستوف شولت، مراسل مجلة «دير شبيغل»، للصحيفة. وحسب قوله فان القضية كانت في السابق تعتبر أمراً عليه اجماع مطلق من الجمهور، لكنها تحولت في الاسابيع الاخيرة الى موضوع سياسي يثير اجابات صاخبة في الحكومة ووسائل الاعلام والمعارضة.

المانيا هي المزودة الأكثر اهمية للوسائل الامنية في القارة الاوروبية، والدولة الوحيدة التي ترسل سلاحا ومعدات امنية لإسرائيل اكثر منها هي الولايات المتحدة. في لب الخلاف تقف ادعاءات المعارضة في المانيا، وادعاءات وسائل الاعلام المؤيدة لإسرائيل، التي بحسبها فإن الحكومة برئاسة المستشار اولف شولتس جمدت كليا التصدير الامني من المانيا لإسرائيل.

ينفي شولتس وحكومته هذه الادعاءات، لكنهم يعترفون بأن عملية التصدير الامني اصبحت بطيئة جدا، نتيجة الحاجة الى التأكد من أن إسرائيل لا تستخدم السلاح أو اجزاء من المنتجات الالمانية في ارتكاب اعمال مخالفة للقانون الدولي. تحتفظ إسرائيل نفسها بالصمت الرسمي حول هذا الموضوع، لكن جهات في حكومة المانيا تعتقد أن مصدر جزء من هذه المنشورات يكمن في احاطات وصلت من الجانب الإسرائيلي، وهم غاضبون من ذلك.

البروفيسورة جيزلا ديكس، من الجامعة العبرية في القدس، التي عملت في السابق مراسلة في إسرائيل لوسائل اعلام معروفة في المانيا، قالت للصحيفة بأن الانشغال المتزايد بقضية التصدير الامني لإسرائيل أمر غير مسبوق. «لقد كانت في السابق نقاشات حول هل المانيا يجب أن تبيع السلاح لدول مثل تركيا أو السعودية، لكني لا أتذكر وضعا كانت فيه المساعدات لإسرائيل محل خلاف وتظهر بهذا الشكل في العناوين»، قالت. «هناك ضغط على الحكومة من الجانبين في هذا الموضوع. المعارضة تتهمهم بادارة الظهر لإسرائيل، لكن هناك ايضا اصواتا تعبر عن الانتقاد بالتحديد لأنهم يواصلون الدعم».

حكومة شولتس، التي تتكون من ائتلاف يضم الحزب الاشتراكي – الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي اف.دي.بي، نفت بشدة التقارير التي تتحدث عن تجميد المساعدات، لكن الانشغال في هذا الموضوع لم يتوقف. في الاسبوع الماضي هاجم رئيس المعارضة في المانيا، فريدريك ميرتس، رئيس حزب المسيحيين الديمقراطيين، الحكومة. في جلسة خاصة في البرلمان بمناسبة مرور سنة على 7 تشرين الأول اتهم الحكومة بالإضرار الشديد بالعلاقات مع إسرائيل. وقال شولتس ردا على ذلك: «لم نقرر عدم تزويد السلاح. لقد ارسلنا لإسرائيل السلاح وسنواصل ارساله. هذا هو موقف الحكومة. سيكون هناك المزيد من الارساليات في القريب».

لكن وراء هذه التصريحات للمستشار تقف حقيقة معقدة، طرحتها للصحيفة جهات رفيعة في الدولتين والمشاركون في هذه النقاشات حول هذا الموضوع. تخشى الحكومة الالمانية من دعاوى في المحاكم في الدولة بحيث تفرض قيودا متشددة على قدرتها على مواصلة تصدير السلاح وقطع الغيار لإسرائيل، لذلك هي تضطر الى فحص كل ارسالية مخصصة لإسرائيل قبل المصادقة عليها. عملية الفحص والمصادقة على الارساليات تمر عبر لجنة حكومية لشؤون الأمن، تعتبر نقاشاتها سرية.


وزيرة الخارجية الالمانية، امالنا باربوك، التي تنتمي لحزب الخضر، ذكرت الخوف القانوني للحكومة في الأقوال التي قالتها، الاسبوع الماضي، حول التصدير الامني لإسرائيل. فقد أشارت إلى أنها قدمت لمحكمة العدل الدولية دعوى ضد المانيا بذريعة أن السلاح الذي توفره لإسرائيل يساعد في ارتكاب ابادة جماعية في غزة، وأن الحكومة الالمانية قالت ردا على هذه الدعوى بأنها حقا تزود السلاح من اجل دعم إسرائيل ولكنها ترفض تماما الاتهام وكأن ارساليات السلاح هذه تساعد في ارتكاب ابادة جماعية.

حسب مصدر إسرائيلي رفيع فانه أيضاً فإن التفسير الرسمي للحكومة في برلين هو الخوف من خطوات قانونية. هناك تأخير كبير في عملية المصادقة على التصدير من المانيا. «هم لا يخشون فقط من دعاوى دولية، بل ايضا من امكانية أن تناقش محكمة داخل المانيا هذا الموضوع، وتقرر وقف ارساليات السلاح». «مع ذلك»، قال المصدر الإسرائيلي، «تصعب معرفة أين يمر بالضبط الخط الفاصل بين هذا الخوف وبين معارضة سياسية لجزء من الائتلاف الحالي هناك لتصدير السلاح لاعتبارات اخرى».

نشرت الصحيفة الالمانية «بيلد»، المعروفة بدعمها لإسرائيل، الاحد الماضي، مقالاً جاء فيه أن التأخير في نقل المعدات الامنية لإسرائيل هو طلب من حزب الخضر في اعقاب معارضة الاعضاء فيه المس بالمدنيين في القطاع. ايضا هذا النشر نفته الحكومة الالمانية.

وحسب اقوال المصدر الإسرائيلي الرفيع فانه «توجد لدينا مشكلة حقيقية مع حزب الخضر، لا يمكن القول بأن كل شيء بسببه، لكن من الواضح أنه يتبنى في الاشهر الاخيرة خطاً اكثر انتقادا تجاه إسرائيل طبقا لمواقف ناخبيهم».


بدأ هذا الموضوع يظهر في العناوين في الشهر الماضي، بعد عدة تقارير بأن الحكومة الالمانية جمدت كليا التصدير الامني لإسرائيل كاملاً في اعقاب اطالة الحرب في غزة. دول اوروبية اخرى، من بينها بريطانيا وايطاليا واسبانيا، أعلنت في الاشهر الاخيرة عن تجميد بيع السلاح لإسرائيل، لكن كمية التصدير الامني من هذه الدول لإسرائيل ضئيلة مقارنة مع التصدير من المانيا، التي ارسلت في 2023 معدات امنية بمبلغ 350 مليون دولار لإسرائيل.

الدكتورة مايا شيئون، الخبيرة في العلاقات الإسرائيلية – الاوروبية في معهد متافيم في الجامعة العبرية، قالت للصحيفة إن المانيا ليست الدولة الوحيدة التي اضطرت الى الموازنة بين دعم إسرائيل والخوف من التداعيات القانونية.

«عندما يوجد تصادم بين الرغبة والدعم لإسرائيل وبين الرغبة في تطبيق واحترام القانون الدولي فان المصالح الوطنية في اوروبا هي تأييد القانون الدولي، سواء بسبب المعايير أم بسبب التهديد الروسي لاوكرانيا الذي هو مصلحة امنية تتغلب على ثقل وزن العلاقات مع إسرائيل»، قالت، واضافت: «هذه المقاربة سائدة في الاساس في اوساط حزب الخضر واحزاب اليسار في اوروبا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى