قرار حكيم من النيابة العامة
قررت النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء هذا الصباح متابعة الحقوقي والناشط السياسي فؤاد عبد المومني في حالة سراح، وإحالته على القضاء ليقول كلمته في التهم الموجهة له.
وهذا قرار حكيم، عقلاني، وقانوني من نيابة عامة اعتادت في مثل هذه القضايا اللجوء للايداع في السجن، رغم الإشكالات التي يثيرها السند القانوني والمبرر الموضوعي للاعتقال.
لا أحد فوق القانون، لكن في الوقت ذاته، لا أحد يجب أن يكون تحت القانون. وحتى وضع فؤاد المومني تحت تدابير الحراسة النظرية وقبل ذلك احضاره من الرباط الى الدار البيضاء بالقوة، لم يكن له في ظني مبرر؛ ما دام الأمر يتعلق بتدوينة على الفيسبوك، مهما كان مضمونها.
أن السلطة التقديرية الواسعة والفضفاضة في يد النيابة العامة في المغرب وفي ظل الدستور الجديد والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، تطرح اسئلة عميقة حول التطبيق السليم للقانون، وحول حماية الأمن القانوني للمواطنين، فمثلا في فرنسا التي كان رئيسها ضيفا على المملكة قبل أيام، الاعتقال الاحتياطي لا يتم الا بناء على حكم قضائي من قاضي الحريات بناء على طلب من قاضي التحقيق.
إذا أضفنا إلى هذا السلطة الواسعة للنيابة العامة عندنا في التكييف. واستحالة الطعن في قراراتها لا اداريا ولا قضائيا امام أي جهة قضائية قبل مثول المتهم أمام قضاة الحكم في الجلسة وبعد ان يكون المواطن قد فقد حريته لايام عدة.. فإن قرار النيابة العامة هذا الصباح يستحق التنويه.
إن قرار سلب الحرية أمر جلل، وغالبًا ما يمس بقاعدة البراءة هي الأصل ( قرينة البراءة )، ولهذا يجب التريث قبل اتخاذه أولًا، ويجب الحسم القانوني في الجهة المخول لها إصدار الأمر بالاعتقال ثانيًا.فالحكم القضائي بالتعريف القانوني، هو أولًا القرار الصادر طبقًا للقانون، وثانيًا القرار الصادر عن قاضٍ مستقل، وثالثًا القرار القابل للطعن أمام هيئة أعلى.
والحالة عندنا وفي ظل القانون الحالي والممارسات القضائية العتيقة فأن وكيل الملك والوكيل العام للملك اصبحوا ( قضاة احكام غير معلنين ) في حين ان القضاة الجالسين هم وحدهم قضاةالاحكام ،امًا ( قضاة النيابة العامة) فهم ليسوا قضاة بالمعنى الدقيق للوظيفة حتى وإن حملوا صفة قضاة وفقا للنظام الأساسي لرجال القضاء، لأن النيابة العامة من جهة طرف في الدعوى، ومن شروط القاضي أن يكون حكمًا مستقلًا عن أطراف الدعوى لا جزءًا منها. وكما يقول المبدأ: nul ne peut être à la fois juge et partie، ولهذا اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن أعضاء النيابة العامة ليسوا قضاة؛ إذ إن من شروط القاضي الحياد والاستقلالية عن أطراف الدعوى، ولهذا لا يُسمى العاملون في النيابة العامة في فرنسا قضاة أحكام بل parquets magistrats du.
ومن جهة أخرى فقاضي النيابة العامة لا يصدر أحكاما باسم جلالة الملك وطبقا للقانون كما ينص على ذلك الدستور.
أملي أن يشكل هذا القرار الحكيم والعقلاني من النيابة العامة هذا الصباح فرصة لنقاش معمق حول قانون المسطرة الجنائية المعروض الآن أمام البرلمان، لأنه لم يجب على الإشكالية أعلاه: هل من حق النيابة العامة أن تعتقل أي مواطن دون قرار من قاضٍ مستقل، قراره قابل للطعن الفوري أمام هيئة أعلى؟ هذا الموضوع وغيره يثيران إشكاليات عدة أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، حيث يصدر مقرروه عادة أحكامًا ضد الدولة المغربية حين يلجأ إليه المعتقلون أو المتابعون في أي ملف قضائي.
بقي موضوع المتابعة التي قررتها النيابة العامة في حق السيد فؤاد عبد المومني، والسؤال: بأي قانون يتابع المدونون والصحافيون والناشطون؟ هل وفق قانون الصحافة أم القانون الجنائي؟ ماهي حدود حرية الرأي والتعبير والقذف هذا موضوع أتمنى ان يتصدى له قاضي الحكم بمهنية وذكاء وتجرد واجتهاد.
أما زيارة الرئيس ماكرون إلى المغرب، فقد كانت ناجحة بكل المقاييس، وستظهر ثمارها في المستقبل على كافة الأصعدة: سياسيًا، اقتصاديًا، وجيوستراتيجيًا. ومن يطلع على ردود فعل الجارة الغاضبة والمتوترة يدرك دلالات الزيارة ونتائجها. إذن، لماذا نغطي على عرس كبير بخصومة صغيرة في أطراف الخيمة؟
مقال جدير بالقراءة والاستفادة من ممعلومات واشكالات تتعلق بقضاة النيابة العامة .. لكن في الفقرة الأخيرة الانشاءية والمبهجة ، لم استوعب السطر التالي،* بأن زيارة ماكرون كانت ناجحة بكل المقاييس…..