التجربة الروائية لسعيد بنسعيد العلوي في مختبر السرديات
استضاف مختبر السرديات والأشكال الثقافية بكلية الآداب بنمسيك – الدار البيضاء، بتنسيق مع مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية بكلية الآداب – بني ملال، عشية يوم الجمعة 26 أبريل 2019 الروائي سعيد بنسعيد العلوي، احتفاء بأعماله الروائية التي تتسم بطابعها السردي المبدع وبقدرتها على مواكبة هموم المجتمع بتقنيات سردية وتخييلية متميّزة .
في البداية استهل عبد الرحمان غانمي بكلمة افتتاحية بسط فيها الأرضية التي ستؤطر الأوراق النقدية مبرزا مميزات التجربة السردية للكاتب سعيد بن سعيد العلوي الذي عمق تجربته الكتابية ناهلا من معين الفكر والسرد أدوات وأفكار وتاريخ.
المداخلة الأولى تقدّم بها الطالب الباحث محمد بدازي بعنوان: “الخلوة والحنين والحلم في ثورة المريدين”، وقد ركزت الورقة على تمظهرات الخلوة والحنين في الرواية وتجلياتها، عبر وسيط الذاكرة التي تعين على استحضار الماضي وإعادة تخييله وتركيبه، ذلك الماضي المرتهن إلى تاريخ ذات المهدي بن تومرت، حيث ينتقل السرد من سرد عن الذات إلى سرد عن الغير، عبر توظيف تقنية الميتا-رواية التي مكنت القارئ من استيعاب ذلك التفاوت بين السرد التاريخي المتميز بلغته ومساراته، وبين السرد الإبداعي الخيالي، والانتقال بموجبه، من اللغة التراثية التاريخية مطبوعة الألفاظ جزلة المعاني، إلى اللغة المعاصرة اليومية، وكذا التحول من زمن عبد المولى المقترن بالحاضر إلى زمن ثان موغل في التاريخ هو زمن ابن تومرت. إن رواية ثورة المريدين، من هذا المنظور، تتأسس على الخلوة المتمثلة في الانفراد بالذات، باعتبار هذا الحدث نواة لتوالد سردي يتخلله السرد التاريخي المرجعي تارة،والتخييلي تارة أخرى.
أما المداخلة الثانية للطالب الباحث سعيد الفلاق التي وسمها بـ””تخييل التاريخ وأسئلة الحاضر في ثورة المريدين” فتروم مقاربة تفاصيل الحياة الراهنة في ضوء التاريخ، حيث أثبت الباحث انفتاح الرواية على عنصر التاريخ بعده مكونا روائيا هاما يتيح إمكانات روائية تخييلية متعددة، مؤكدا الفكرة القائلة بقدرة الشكل الروائي على استيعاب المعطيات التاريخية واستكناهها وجعلها مادة تخييلية ثرة وزاخرة، تنبئ بأن هذا الجنس قادر على تذويب التاريخ وتصييره مَعينا للتخييل وإعادة البناء.
وتنبني رواية ثورة المريدين على تخييل شخصية تاريخية تنتمي جغرافيا إلى الغرب الإسلامي، ممثلة في ذات القائد المرابطي المهدي بن تومرت، وغني عن البيان إبراز دور هذه الذات في تاريخ الدولة المرابطية التي تعد، تاريخيا، ثاني أكبر دولة بعد العثمانيين من حيث الامتداد الجغرافي. ومن هذا المنطلق، يستعين الكاتب في عملية التخييل بتقنية الميتا-رواية، حين يسلم زمام الحبك والتسريد إلى إحدى ذوات الرواية ذاتها.
إن تخييل ذات المهدي بن تومرت، في عمقه، ينطوي على أبعاد متباينة يتاح فهمها عبر فعل التأويل، إنه توق إلى ذلك المنقذ المحتمل، إلى المهدي المنتظر، البطل المرتقب في ظل واقع بئيس ومأزوم، يعيش على وقع ثورات مجهضة لم يكتب لها الحياة، بل ظلت تحلم بالبناء المرجإ والتشييد المؤجل إلى أجل غير معلوم، فلم تعْدُ الهدم والموت.
وفي المداخلة الثالثة التي قدمها الطالب الباحث سعيد بوبكري بعنوان: “شعرية المرجعي في رواية مسك الليل”، أكد الباحث على ضرورة ارتباط البنية الروائية ببنية أعم وأشمل وهي بنية الواقع المرجعي، بوصفها تصوغ عوالم ممكنة ومحتملة مشاكلة للعالم الواقعي ومنبنية عليه، من خلال التوسل بشبكة معقدة من الرموز التي تفتح أفق النص على تعدد القراءات والتأويلات، وفق امتدادات لا نهائية.
إن نص رواية “مسك الليل” يحفل بمقومات سردية متنوعة تمتح من بعدين اثنين؛ من البعد الرحلي الذي يتماهى والنص الروائي من جهة، ومن تذويت عملية الكتابة من جهة ثانية، مما يجعل صرح الكتابة مشيدا على ما أسماه الباحث “بالقوة التخييلية التي تدفع السارد إلى أن يحتفظ بمجموع الحوادث والطوارئ والتجارب ذات البعد المرجعي”، لأجل إعادة تحبيكها وسردها في شكل نص سردي روائي يبني تصورا محتملا لواقع محتمل قوامه التناظر البنيوي.
بينما تقدّم بالمداخلة الأخيرة في اللقاء الطالب الباحث جعفر البوزيدي بعنوان “الكتابة الروائية والمرجعية التراثية في رواية سبع ليال وثمانية أيام”، رام خلالها مقاربة الرواية من منطلق بنيوي يركز على النص السردي وتفاعلاته النصية. وقد أوضح الباحث أن توظيف التراث العربي أتاح للرواية العربية إمكان الغنى السردي، ووفر لها مادة سردية غنية يمكن في ضوئها التفاعل مع الواقع الاجتماعي.
وتنطلق هذه المداخلة من أطروحة مؤداها أن كل نص نتاج لتناصات متداخلة، تاريخية ودينية وثقافية وأدبية سردية تؤثث بعده المعماري البنيوي، وبناء على هذا المعطى، تنبني رواية “سبع ليال وثمانية أيام” على تماسك نصي قوامه استحضار المقوم الرحلي في الرواية، بالنظر إليها على أساس أنها جنس منفتح يستهدف إعادة تخييل رحلة ابن بطوطة وفق قالب سردي روائي، وتتقصد المداخلة تحليل الرواية وفق ثنائية مؤسسة على البعد البنيوي للرواية من حيث بنيتها النصية من جهة، عبر الكشف عن تعالقات النص مع نصوص أخرى سابقة عليه، دينية كالقرآن الكريم، وأدبية كرحلة ابن بطوطة الطنجي، وميثولوجية مثل أسطورة تسمية مدينة طنجة بهذا الاسم، كما تقوم على تفكيك خطاب النص من خلال متوالية من التقنيات السردية التي يؤطرها التحليل البنيوي كالاستباق والاسترجاع والسرد التناوبي، لينتهي الباحث إلى اكتشاف نواة النص الروائي المستندة إلى العنصر الرحلي، إذ يستلهم النص السردي أبعاد الرحلة البطوطية ويعيد بلورتها روائيا، وفق بناء معماري مركب من حكاية إطار، وحكايات صغرى مضمنة تنضوي تحتها، يتم الشروع في حكيها تناوبيا.
وقد اختتمت فعاليات الندوة العلمية بفتح النقاش حول تجربتة السردية لأجل تعميق التفكير في التصور النقدي بخصوص الأعمال الإبداعية لسعيد بن سعيد العلوي، الذي كانت له كلمة الختم في اللقاء، حيث نوه فيها بالنشاط الثقافي المنعقد، وأشاد بأعمال الطلبة الباحثين، ثم أضاء عددا من الجوانب الملتبسة والأسئلة المطروحة، مؤكدا أن الكتابة الروائية “مرهقة ومتعبة ومضنية” وتحتاج ذخيرة واسعة للكاتب حتى يكتب.