رأي/ كرونيك

رمضانيات: اللغة والهوية … الحلقة الأولى

 

محمد المباركي/ فرنسا

تمهيد

اللغة ليست وسيلة  في حد ذاتها تمكن التواصل و التفاهم  و التبادل التجاري و الاقتصادي و البحث العلمي و منه يصبح تجاوز عجز اللغة العربية و شقيقتها الأمازغية في مواكبة التطور الحداثي ، اللجوء الى  اعتماد  اللغات “الحية”  و خاصة بالنسبة لنا في المغرب اللغة الفرنسية ذات النطق “السهل” و الخط اللاتيني “المبسط” و أنها أي الفرنسية الى جانب  الإنجليزية تعدا لغتا العصر الحديث و التطور الحضاري.

و السؤال الذي يطرح نفسه دائما و منذ  بداية  القرن الفائت بخصوص اللغة العربية ،هل المشكل يكمن في اللغة العربية كونها عاجزة على التطور الحضاري و مواكبة متطلبات العصر الحديث العلمية و الفكرية، أم أن المشكل هو أساسا سيادة الحكم الاستبدادي و السيطرة الاستعمارية هما اللذين أدخلا المجتمع في دوامة الجهل و التقهقر الاجتماعي و الاقتصادي عوض التنوير و تعميم و صيانة التعليم؟.

اننا لسنا ضد اللغات المتداولة ، الحية منها و غير الحية، و خاصة التي تهيمن على المشهد العلمي و الاقتصادي ما دام العالم أصبح عبارة عن حديقة بسبب الثورة التكنولوجية، و إشاعة وسائل التواصل الإعلامي و الاقتصادي و العلمي،  إننا بحاجة أكيدة و ملحة مواكبة التطورات التي يعرفها العصر الحديث. الا أننا نرى بالضبط ، أن ولوج الحداثة  و التطور الحضاري داخل عالم تتصارع فيه المصالح ، أن أقوى سلاح بين أيدينا هو تطوير مضمون لغتنا الأصل كونها زيادة أنها وسيلة التواصل ، أنها روح هويتنا التي بها نكون أو لا نكون.

Language Master

1- علاقة اللغة بالهوية

لا يمكن دخول عالم الحداثة في غياب إثبات هويتنا الثقافية.  لأنه في غياب الهوية الثقافية المنسجمة مع الذات و الموضوع ، نتج عن ذلك انفصام في الشخصية الفردية و الجماعية.  الأمر الذي يؤدي بالفرد و الجماعة  إلى كل أنواع العاهات.و ما ينطبق على الفرد و محيطه ينطبق على عموم مكونات المجتمع.

اللغة ليست وسيلة تواصل تقني ، إنها الأرضية الثابتة التي ترص عليها ركائز و أعمدة الكيان الثقافي و الحضاري لشعب معين . و هي التي  توفر التوازن السيكولوجي، الذي بدونه لا يمكن للتطور الثقافي الحضاري الحدوث .

بذون الاعتماد على اللغة الأم التي تطعم الروح و الجسد ،و اعتماد لفة أخرى كوسيلة لبناء ثقافة شعبية ، لا يمكن  لهذا المنحى سوى توفير الاستلاب الثقافي عبر الذيلية لثقافة و حضارة غريبة عن التربة الطبيعية للفرد و المجتمع.

ا – اللغة العربية

اللغة العربية و ان كانت تحمل اسم عرب فهي أساسا لغة حضارة و ثقافة و ليست لغةعرق بشري في حد ذاته.  البشرية في كل بقاع تواجدها اختلطت أجناسها لحد لا يمكن إرجاع الثقافة و اللغة المؤطرة لها إلى عرق محدد دون غيره،  لذا فاللغة العربية ليست لهجة قبائل قريش ، كما صورته النظرة الأرستقراطية ابان عصر التدوين .  كما أن الانتقادات التي بدأت و اجهضت مثل التي قدمها طه حسين في أطروحته عام1924 حول الشعر الجاهلي يؤكد ما أشرنا اليه، كما أن الكتابات التي بدأت تراجع التراث و تظهر مكامن الاختلال و الشوائب التي تتخلله لما بدا التقهقر الحضاري و معه تدني الثقافة و العلوم. و اللغة العربية التي واكبت فترة الازدهار الحضاري الثقافي و العلمي ، واكبت أيضا ظروف التقهقر  و التخلف و المسؤول عن ذلك هم الأقوام و الشعوب التي اعتمدت تلك اللغة، و ليست اللغة المتداولة هي المسؤولة عن الشعوذة و الجهل و الثقافة المترتبة عنهما.

اعتمدت اللغة العربية  في البداية على لهجة قريش البسيطة، لكن مع انتشار الدعوة الإسلامية احتضنتها الشعوب و الأمم ذات الحضارات العريقة في بلاد ما بين النهرين و فارس و الشام و مصر و المغرب و الأندلس، و غيرها فطورتها وجعلت منها صرحا ثقافيا و فكريا من أهم ما أنتجته الحضارة الإنسانية.

فهل يحق لنا و نحن نبحث عن مخرج ننفلت منه من التخلف الذي سببه الجهل و  الاستبداد الذي خيم منذ قرون تقديم لغة ثقافتنا كبشانضحي به و الارتماء في أحضان ثقافة أخرى كونها لغة العصر؟.

اللغة العربية لما كان مضمونها متنور أمكنت تطوير كل الميادين الفكرية و الفنية و العلمية، كما أنها كانت الرافعة التي اعتمدت عليها الشعوب المتكلمة بها لمواجهة المستعمر الغاشم و عبر نبراسها تم شق طريق التحرير، إلا أن هذا المد التحرري أصابه النكوص، فهل المشكل مشكل لغة أم غياب الإرادة السياسية في بناء المجتمع الديمقراطي و بث روح العدالة الاجتماعية و تعميم التعليم و إعطائه محتوى علمي و فكري يتماشى و متطلبات العصر،  كما فعل اليابانيون و الروس و الصينيون مثلا. هل لغتهم أنضج و أمثن من اللغة العربية أم أنهم تشبثوا بلغتهم الحضارية، و قاموا يبنوا سرح دولتهم القوية ؟.

اللغةأساسا ، هي مضمون و ليس وعاء فقط كما يمكن تصوره، فلما كان مضمون اللغة العربية في مستوى عال من المعرفة، ثمت ترجمة و تطوير كل العلوم و الفنون من فلسفة و حكمة و رياضيات و كمياء و بيطرة وهندسة و موسيقى، الشي الذي هو في متناولها اليوم، إن أعيد لها الاعتبار و تحديث مختلف الميادين التي تستعمل فيها اللغة.

ب – اللغة العربية و الحداثة

اللغة العربية في تركيبها و سلسة نطقها و سهولة كتابتها و إمكانياتها النحوية و تفتحها لاستيعاب المصطلحات العلمية و الفكرة لباقي اللغات الأخرى يؤهلها أكثر من غيرها من اللغات، مواكبة التطور العصري العلمي التكنولوجي و العقلي، لما نراجع كتابات الفارابي و ابن سينا و ابن طفيل و ابن رشد أو ابن خلدون و غيرهم كثيرون من القدامى و المحدثين نجد لغتهم العربية تحتوي على مصطلحات العلوم التي سادت في زمانهم، بل طوروها و زادوا من عندهم،  لحد أن النهضة التي عرفتها أروبا كانت إحدى أهم روافدها المنتجات العربية، فكرية كانت أم علمية. دخلت المجتمعات  الأوروبية الحداثة بعد أن تم فتح العقول لنور العلم أثناء عصر الأنوار. حيث تمت سيادة العقل على المعتقدات الخرافية، و حورب الجهل و معه الاستبداد و كانت النخبة المثقفة هي رائدة ذلك التحول مدعمة في هذا من قبل الطبقة البرجوازية الناشئة لمواجهة الارستقراطية المستبدة بالسلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى