سياسة

العثماني رئيس حكومة بمهام موظف إداري

أحمد دابا

كان للعثماني خلال الأسبوع الذي ودعناه، لقاء مع البرلمان في إطار مناقشة هذا الأخير للحصيلة المرحلية للحكومة، وهو اللقاء الذي اعتبرته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في بلاغ لها، أن مجرد تقديمها ” ومناقشتها في البرلمان، شكل لحظة دستورية وسياسية وديمقراطية بالغة الدلالات،”، بل إن الأمانة العامة للبيجيدي، لم تتوان في تهنئة رئيس الحكومة في اجتماعها الأسبوعي أمس السبت فاتح يونيو، والحكومة ككل على من جهة المبادرة، ومن جهة ثانية ما اعتبرته حصيلة مرحلية “مشرفة” لما تضمنته من منجزات اقتصادية واجتماعية، على حد تعبير البلاغ.

ومثلما كن وقوف العثماني أمام البرلمان وهو مزهوا بما اعتبره إنجازات غير مسبوقة ونوعية، مثلما عبرت قيادة حزبه في البلاغ نفسه على الزهو نفسه، حين قالت، إن هذه الحصيلة تضمنت مؤشرات ومعطيات، لا تصمد أمامها محاولات الإنكار والتعمية والتبخيس، معتبرة أن ذلك “يدل على نجاعة المقاربة المؤسساتية والتشاركية والتدبيرية التي اعتمدتها الحكومة في مباشرة مختلف الأوراش“.

من المعلوم، أن وقوف رئيس الحكومة أمام البرلمان بغرفتيه للدفاع عن حصيلته، مؤطر ويجري طبقا للمادة 101 من الدستور، وهو الدستور الذي  كان منح لرئيس الحكومة صلاحيات نسبيا واسعة مقارنه مع ما كان يتضمنه دستور 1996 في هذا الشأن، إلا أنه مؤكد اليوم، أن تلك الصلاحيات جرى حسمها مع  رئيس حكومة ما بعد دستور 2011،  عبدالإله بن كيران، وتم إفراغها من كل عناصر ومحتويات التقدم النسبي للدستور في هذا الجانب،  وذلك في اللحظة التي اختار بن كيران،أو اختير له، تقديم تلك التنازلات السخية للمؤسسة الملكية، فيما اصطلح عليه يومها بقانون ما للملك وما لرئيس الحكومة، وأن العثماني وحزبه  كل ما يقوما به البوم تحصيل حاصل،  وسيرا على  النهج نفسه.

سنترك جانبا، تفاصيل الأرقام والمعطيات التي حاول العثماني بها، تقديم إنجازته الاقتصادية والاجتماعية، ومدى تأثيرها على المجتمع وعلى فئاته الاجتماعية، وسنترك جانبا صحة ودقة تلك الأرقام والمعطيات، وسنتجه مباشرة لملاحظات ظاهرة للعيان، تؤكد فعليا، أننا لسنا أمام حكومة سياسية، ولسنا أمام رئيس حكومة سياسي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ودلالة مؤسساتية:

أولا إن حديث العثماني السياسي مقتضب وعام وغير دقيق، حديث شمل على وجه التحديد، في محور سماه الخيار الديمقراطي، كلام عن اعتماد الحكومة الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكلام عن إصلاح منظومة العدالة عبر ما قال عنه تنزيل فعلي لاستقلال المؤسسة القضائية، وكلام عن تقدم في رقمنة الخدمات القضائية، وحديث عن إنتاج أزيد من 430 نص قانوني، فضلا عن الإشارة لمواصلة تنفيذ هيأة الإنصاف والمصالحة، مشيرا أنه جرت معالجة 95 في المائة من أصل 1937 شكاية…

غاب الأساسي في كلام العثماني غاب الحديث عن التراجعات التي تعرفها أوضاع الحريات العامة، وعن تنامي وهيمنة القبضة الأمنية تجاه الاحتجاجات السلمية وغاب الحديث عن ملف ثقيل لا يمكن القفز عنه ملف العشرات من المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الاحتجاجات السلمية المدنية

وكل عنصر من هذه العناصر، التي تكلم فيها سعد الدين العثماني، خضع بعضها لجدل حقوقي وسياسي، وخضع بعضها الأخر لاختبار الواقع الفعلي الملموس،  ونفس الشيء في كل ما أشير إليه في باب تنفيذ هيأة الإنصاف والمصالحة،  والتي كان جرى تقديم إنجازاتها في فترة سابقة على ولاية العثماني، بل وعلى ولاية بن كيران نفسه، وجرت في سياق البدايات الأولى لما سمي العهد الجديد وترتيباته…

ثانيا، أنه غاب الأساسي في كلام العثماني، غاب الحديث عن التراجعات التي تعرفها أوضاع الحريات العامة، وعن تنامي وهيمنة القبضة الأمنية تجاه الاحتجاجات السلمية، وغاب الحديث عن ملف ثقيل، لا يمكن القفز عنه، ملف العشرات من المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الاحتجاجات السلمية المدنية، المطالبة بالعدالة والإنصاف، والأهم فيها، الأحكام الثقيلة الصادرة في حق هؤلاء، والتي تؤشر على مناخ شبيه حتى وإن في سياق مختلف، بمناخ سنوات الرصاص، التي يؤكد العثماني أن نتائجها حسم فيها 95 في المائة مما تبقى منها.

ثالثا: أنه غاب في الحديث العنتري للعثماني، وهو يجادل “المعارضة”، (وهو يعلم جيدا أنها من جهة ضعيفة، ومن جهة ثانية تفتقد المصداقية والنزاهة، ومن جهة ثالثة وهي الأهم، أنها جزء من مشهد سياسي معطوب، وجزء من مشهد سياسي غير معبر فعليا وحقيقة عن دينامية الحقل السياسي والاجتماعي الناهض)، ولو درة قلق من وضع سياسي، أظهر بالملموس ضعف وهشاشة وعجز كل التشكيلات السياسية، عن مسايرة إيقاع الاحتجاجات الشعبية، فأحرى الحديث عن تأطيرها، بما فيه حزبه، الذي يدعي أنه يحضى بثقة الشعب، وغاب عنها في المستوى نفسه، أي إحساس من رئيس حكومة يعلم قبل غيره، أن تدبيرات المرحلة تجري خارج حكومته وخارج حزبه، وأحيانا كثيرة حتى بدون علمه.

رابعا، أن العثماني حتى وهو يقدم الأرقام والمعطيات، يقدمها بدون رؤية ولا حتى بنفس برنامجي لحزبه أو للحكومة التي يرأسها، بل إنه يقدمها، أشبه بمحاسب وأشبه بموظف، يعرض أرقاما ومعطيات، دون أن تكون مسندة برؤية سياسية وبمنطق حزب سياسي، وبرؤية برنامجية لرئيس حكومة تقول عن نفسها إنها سياسية، يقدم أرقاما ومعطيات لبرنامج ومشاريع ومنظور معين للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، العثماني وحكومته محض منفذين.

يظهر بوضوح، أن رئيس الحكومة، سواء في تدبير ما اصطلح عليه “بالعدالة الانتقالية”، ، أو التقييم الجديد للدولة لملف حقوق الإنسان، أو حتى ما ادعى تنزيل لخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، أو حتى في تبعات ثقل التراجعات في مجال الحريات وحقوق الإنسان، بل وحتى في ما ادعى أنه برنامج حكومي،  لا يملك فيها ولا حزبه ولا الحكومة التي يرأسها إلا لماما، وأن العثماني في كل ذلك رئيس حكومة بمهام موظف إداري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى