رأي/ كرونيك

جمهور الكرة لا يقرأ جورج أوريول بل يشرب “الروم” ولا يقرب الأدرينالين!!

عبدالرحيم التراني

في فيديو على موبايل، سئل عدد كبير من الشباب من جمهور الرجاء البيضاويK عن معنى التيفوK الذي رفعوه في مباراة الديربي الأخير يوم أمس، بين فريقهم والوداد الرياضي البيضاوي، فلم يهتدوا إلى الجواب الصحيح، ولا إلى القصد والهدف من تلك العبارة المكتوبة باللغة الانجليزية (room101) . وجاءت الإجابات تبعث على الضحك، منها أن العبارة تدل على شراب الروم، أو أنها تعني ابتعد ورُم. فقط واحد اقترب قليلا من الموضوع، حين أجاب: لعله عنوان فيلم أمريكي ضد الظلم والفساد.
ثم طرح عليهم سؤال آخر:
– من هو جورج أورويل؟
وأيضا جاءت الأجوبة مضحكة، معظمها وقفت عند إنه لاعب كرة إنجليزي وهداف قديم.

الأغلبية العظمى من جمهور الكرة كما نشاهد، هم شباب صغار في سن المراهقة، أو تخطوها بسنة أو سنتين، وجلهم من الطبقات الفقيرة الدنيا، من ضحايا السياسة التعليمية اللاشعبية ببلادنا، ضحايا الهدر المدرسي ممن لم يتمكنوا من استكمال دراستهم إلى ما بعد المرحلة الإعدادية، وبالتالي فلا يمكن هنا الحديث عن ارتفاع المستوى الثقافي لهؤلاء.

ذاك ما يعبر عنه شعارهم الذي يرددونه في الطريق إلى الملعب ومن فوق المدرجات: (ما بْغيتونا نَقْراوْ.. ما بغيتونا نَوْعاوْ). أي لم تريدوا لنا أن ندرس ولا أن نكتسب الوعي

لكن الشباب اكتسب الوعي تلقائيا، أو بالفطرة والضرورة إذا شئت، وعبرعن إحساس جارف بالظلم والقهر والاحتقار، وأدان سياسة نهب ثروات الشعب وخنق صوته والتمادي في تجهيله وقمعه. هذا ما تترجمه كلمات الأهازيج التي سمعناها في أكثر من ملعب كرة في الدار البيضاء وطنجة والرباط وفاس ووجدة وأغادير وتطوان وأسفي وغيرها من مدن البلاد. وقد اشتهرت منها وذاعت أهزوجة: “في بلادي ظلموني” ذات الكلمات البسيطة والمباشرة، والتي لم يحتج من كتب سطورها لمستوى ثقافي أو سياسي، فالجراح نافرة ونازفة تعبر عن ذاتها وألمها الخاص بيسر وسهولة.

واضح أن جمعيات الأولتراس الكروية تستمد أفكارها من توجيهات بعض الشباب المسيس غير المتحزب الحاصل على مستوى دراسي لا بأس به بعد فشل أجهزة المخابرات في استقطابها والمحافظة على تدجينها وضبطها وتهذيبها

وها نحن بعد تراجع الأحزاب واصفرار صحافتها و”بيعها للماتش”، حيث صارت أحزابا بلا برامج، كل زعمائها يرددون نفس العبارة الانتهازية الوصولية: “نحن نتبع برنامج الملك!”. ومنها أحزاب لها تاريخ نضالي مجيد، كالاتحاد الاشتراكي، الذي يقوده موظف من “خدام الدولة” المناضل! إدريس لشكر. نشهد اليوم الشارع يأخذ المبادرة، ويحول الملاعب إلى منابر للتعبير السياسي ومنصات للاحتجاج.

إن الأولتراس تقرع أجراس إنذار لتنبيه الغافلين من أصحاب السلطة وأحزابها، وغير وارد أنهم سينتبهون للرسائل التي توجهها الأولتراس والتي تعكس حقيقة الواقع المعاش والاحتقان الذي يتفاعل على الأرض.

إن ما يحدث في محيطنا العربي، في الجزائر والعراق ولبنان والسودان لا يحدث في المجرات البعيدة غير المكتشفة بعد، أو أن شباب المغرب المقهور من فصيلة بشرية نادرة، فصيلة خالية من هرمون الأدرينالين والصراع من أجل البقاء ليس من أفعالها وذنوبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى