رأي/ كرونيك

وجهة نظر: تعالوا يا “ورثة” فكر مهدي بنبركة لنقاش هادئ…

خالد بكاري

حين أوردت امس رواية حميد برادة عن علاقة مهدي بنبركة (المختطف مجهول المصير لحد الآن للتذكير) بأوفقير، لم يكن الغرض التصديق على كلام برادة (شخصيا أتذكر محاضرة لبرادة منذ ست سنوات أو أكثر بمركب زفزاف يردد فيها السردية المتداولة عن إفشال أوفقير لمفاوضات بين الاتحاديين والقصر من أجل تشكيل حكومة تناوب عبر اغتياله لبنبركة)، بل فقط تقديم رواية جديدة إذا صحت بعض أحداثها فقط، وليس كلها، فهذه مدعاة لإعادة النظر في أحداث وتقييمات للتاريخ الراهن، أضحت بسبب تكرارها أشبه باليقينيات،

ما أثارني هو صمت العائلة الاتحادية، وما تبقى من رموزها حول ما أثاره برادة، الذي في اعتقادي لم يسئ لبنبركة إذا تأملنا كلامه بهدوء، بقدر ما قدم إمكانات لمراجعة الصورة النمطية التي رسمت تمثلات قيمية عن شخصية أوفقير وأدواره في مخيالنا الجماعي، حيث اقتضت اتفاقات ضمنية وتوافقات موضوعية على شيطنة الجنرال وإلصاق كل الشرور به، بعد حادث انقلاب الطائرة، سواء من طرف القصر او من طرف المعارضة الاتحادية،، لقد تم ذلك غالبا دون صفقة، بل لأن النقيضين ربما كان في مصلحتهما أن تدفن أسرار الرجل مع مواراته تراب النسيان،…

هل هذا يعني إمكانية ان يكون الجنرال ملاكا لصقت به جرائم الشيطان؟ شخصيا أرجح دون أن احسم (فقد قطعت مع اليقينيات) أن الرجل جزء من السجل الأسود لماضي الانتهاكات الجسبمة لحقوق الإنسان.

لكن لنعد لبنبركة، وسنحاول أن نفهمه وفق السياق الذي كان فاعلا فيه، وليس السياق الذي نعيشه.

في تلك الحقبة لم يكن سؤال الديموقراطية هو المحدد للفعل والتصور بقدر ما كان هاجس الاستيلاء على السلطة لصالح حكومة تقدمية وكانت كل الطرق تؤدي ل”روما” : الثورة الشعبية الانقلاب حرب التحرير الشعبية.. لذلك فأن يفكر بنبركة أو بوعبيد في وضع يدهم في يد الجنرال الدموي من أجل قلب نظام الحكم ثم أن يتخلص أحدهما من الآخر، فبالنسبة لي لا يشكل الأمر شذوذا عما كان سائدا مرحلتئذ

هل هناك بنبركة واحد،+ بنبركة بصيغة الجمع:

بنبركة الليبيرالي في مرحلة الحماية الذي اختار حزب الاستقلال الذي كانت تغلب عليه السلفية الوطنية، عوض حزب الشورى والاستقلال الأقرب آنذاك لفكر بنبركة، لعل الرجل كان مسكونا بهاجس الأغلبية التي يمكن أن تفرض شروطها بعد انقضاء الحماية، وهو ما كان متوافرا في حزب علال اكثر من حزب بلحسن الوزاني..

بنبركة التقدمي الذي قاد تجربة كتلة تاريخية سنة 1959 حين ساهم في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من نقابيين تقدميين ورجال جيش التحرير المحافظين والثوريين، وشباب ذي نزعة اشتراكية، وسلفيين قادمين معه من حزب الاستقلال، وليبيراليين وطنيين..

بنبركة القومي العروبي الوحدوي المناهض للصهيونية ،والمناصر للتجربة الناصرية…

بنبركة المنشد إلى النظرية العالمثالثية المتأثرة بحركات التحرر الوطني بلمسة ماركسية..

سياسيا، لدينا بنبركة الذي يدافع عن شرط عودة محمد الخامس ملكا شرعيا في مفاوضات إكس ليبان، وبنبركة صاحب مشروع طريق الوحدة بتنسيق مع القصر، وبنبركة رئيس المجلس الاستشاري المعين قبل التجارب البرلمانية، أي شخص يراهن على إمكان الحكم إلى جانب القصر، كما لدينا بنبركة الذي يصرح أن هذا النظام لا دواء له إلا بزواله، ثم يعود ليقبل التفاوض معه،،

في كل هذا لا أرى الرجل متناقضا، بل مرنا وبراغماتيا (بالمعنى الإيجابي)  ولذلك كما لا أميل لأسطرته اعتبره علامة فارقة في تاريخ البلد بسلبياته وإيجابياته..

البعض علق على كلام برادة بأن الرجل “خرف” بسبب عامل السن، لكن لم يقولوا هذا الكلام حين نزلت للأكشاك مذكرات عبدالرحمن اليوسفي و محمد بنسعيد ايت يدر، وهما أكبر منه سنا، و اللذان للأسف لم يقولا شيئا ذا أهمية في كشف مناطق غموض كثيرة في تاريخنا مما يعلمانها،، ظلا وفيان للحذر.

والبعض اعتبر ان برادة تحركه حسابات ما، مع العلم أن كل كتابة في منطقة الذاكرة يحركها رهان enjeu,, ولكن دورنا ان نمحص الروايات ونقارنها ونخضعها للبحث،،حتى نصل لما هو أقرب للموضوعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى