رأي/ كرونيك

مساهمة في النقاش حول قانون العفو العام

على إثر مبادرة النائبين البرلمانيين عمر بلافريج ومصطفى الشناوي حول اقتراح قانون العفو العام في علاقة بالأحكام التي صدرت في ملف الريف، ثار نقاش حول العفو.
وقد تدخل الأستاذ بنيونس المرزوقي في الموضوع بشكل نعتبره مجانبا للصواب وغير مطابق للتفسير الدستوري المناسب من جهتين:
أولا: ففي مقال نشر الجمعة 29 يونيو 2018 على موقع أنفاس بريس مما جاء فيه: “عندما يصدر العفو التشريعي فإن الجريمة المرتكبة تزول وكأنها لم توجد لأن تجريمها يزول بأثر رجعي، وتزول معه العقوبة على الأشخاص المحكوم عليهم، ويعتبرون كأنهم لم يرتكبوا أية جريمة”.. وبعد أن أورد الأستاذ لائحة التهم المنسوبة إلى معتقلي الريف تساءل: فهل سيتمكن قانون العفو التشريعي من نزع صفة الجرم عن هذه الأفعال؟
وهنا مكمن الخطأ؛ ذلك أن قوانين العفو العام لا تنزع صفة الجريمة عن الأفعال. إن تجريم الجريمة لا يزول بأثر رجعي، كما أكد الأستاذ؛ بل إن تلك الأفعال تبقى جريمة لأن العفو العام يمحو العقوبة ولا يمحو الجريمة من التشريع.. فبسبب الاعتبارات السياسية والرغبة في المصالحة يتم إصدار قوانين العفو العام العفو عن أشخاص قضت المحاكم بأنهم ارتكبوا ما نسب إليهم من أفعال جرمية ولكن تلك الأفعال تبقى جرائم في التشريع. فعندما صدر عفو عام عن الجنرالات والجنود الذين حاولوا القيام بانقلاب سنة 1961 ضد قبول الجنرال دوكول إجراء استفتاء يسمح باستقلال الجزائر وتمردوا وهم من كبار الضباط وجنودهم، حوكموا بعقوبات قاسية ولكن سيصدر عنهم عفو عام بعد سبع سنوات (1968) وقد اكتمل سنة 1982 في ظل الرئيس ميتران عندما صدر قانون عفو عام آخر أعاد بعضهم إلى حظيرة الجيش بل وأعاد للأحياء منهم الأوسمة التي نزعت منهم.. ولم يكن صدور قوانين العفو العام يعني بأي حال من الأحوال نزع صفة الجريمة عن الأفعال المرتكبة. فلو ارتكب اليوم أي جندي أو مجموعة من الضباط والجنود أفعالا مشابهة فإنهم سيتابعون ويحاكمون بأقسى العقوبات.
ثانيا: في مقال آخر تحت عنوان “المرزوقي: لا يمكن الاعتماد على النسخة الفرنسية للدستور للحد من سلطات الملك في العفو” نشر على نفس الموقع يوم الاثنين 2 يوليو 2018 جاء فيه ما يلي: “على العكس مما يتم الترويج له بخصوص كون العفو العام اختصاص تشريعي، بينما العفو الخاص اختصاص ملكي، فإن الأمر مجانب تماما للصواب.
فالملك، دستوريا، ومنذ دستور 1962 إلى غاية دستور 2011، يُمارس صلاحياته في هذا المجال وفق الصيغة التالية: “يمارس الملك حق العفو” (حاليا الفصل 58) وبالتالي فليس هناك أي تحديد لطبيعة العفو (عام أم خاص)” وأضاف: “ولذلك، أعتبر أنه لا يُمكن الاستناد على النسخة الفرنسية للحد من سلطات الملك”..
وهنا أيضا لم يوفق الأستاذ في تفسيره هذا، فواضعو صيغة الدستور وعلى رأسهم الأستاذ عبد اللطيف المانوني والأستاذ محمد معتصم يعرفون ما يكتبون، ولم يسعوا أبدا إلى الحد من سلطات الملك عندما ميزوا بين العفو العام والعفو الخاص. وإنه لأمر معروف ففي La يصدر عن رئيس الدولة وينظمه grace الفقه الدستوري وفي الممارسة أن العفو الخاص في المغرب قانون1958 الذي عدل سنة 1977 ويسمح للملك بإصدار عفوه في أي مرحلة من مراحل المتابعة أو المحاكمة أو بعد صدور الأحكام، وقد يهم في هذه الحالة ما تبقى من العقوبة أو يحولها من السجن المؤبد إلى المحدد أو يعفو عن العقوبة السجنية دون الغرامة وطبعا دون التعويض الذي هو من حق الطرف المدني المتضرر.
وفي القانون الدستوري المقارن كفرنسا؛ فالعفو الخاص الذي يصدره الرئيس لا يتم إلا بعد صدور حكم نهائي، وهو لا يمنح إلا إذا طلب من المستفيد أو عائلته أو محاميه أو جمعية. كما أن مرسوم العفو يوقعه بالعطف الوزير الأول ووزير العدل، فيصدر عن البرلمان بنص تشريعي وهو يصدر لفائدة مجموعة Amnestie . أما العفو العام من الأشخاص أدينوا من لدن القضاء بجرائم دون أن يعني ذلك محو هذه الجرائم من التشريع.
ومن آثار العفو العام عدم تسجيل العقوبة في السجل العدلي للمستفيدين كما لا يمكن اعتبارها للقول بوجود العود في حال ارتكاب فعل جرمي آخر فيما بعد.
ولا يوجد أي فرق في هذا الصدد بين النص الفرنسي والنص العربي من الدستور، كما لا يمكن القيام بأي استنتاج حول الحد من سلطات الملك بمجرد نص الدستور على النوعين من العفو.
وأخيرا تجب الإشارة إلى أن ما صرح به الرفيق والصديق عمر بلافريج في تدوينته المصورة من تشاور معي ومع الأستاذ الساسي وآخرين في صياغة المقترح لا يعدو أن يكون من جانبي سوى مساهمة في الجانب التقني الذي ترجع صياغته النهائية للفريق الذي سلمه للأخ عمر بلافريج. وقد قمت بذلك ودونما بحث أو اطلاع من جانبي على البعد السياسي أو الملاءمة أو الإمكانية العملية لمرور النص أو نقاش حوله في الهياكل الحزبية؛ ولكني افترضت أنها مبادرة إيجابية تمت في حرارة الفعل ورد الفعل، وفي أفق عيد الأضحى المبارك والأعياد الوطنية الكبرى، وأن من شأنها إدخال الفرح على النفوس، خاصة عائلات المعتقلين التي تعذبت طويلا ولم تفرح في كل الأعياد السابقة الدينية منها والوطنية، وأن من شأنها نزع فتيل التوتر والعنف، حتى لو كانت مبادرة رمزية لأنها تسعى بنفس ديمقراطي إلى معالجة أزمة خطيرة سببتها تلك الأحكام، ولأنها مبادرة أولى من نوعها لتفعيل نص دستوري كان موجودا حتى في الدساتير السابقة ولا يمثل أي منافسة أو سعي إلى الحد من سلطات الملك. وربما كان مفيدا للملك أن تتحمل أحزاب ومؤسسات دستورية كالبرلمان، الذي يفترض أنه يمثل الشعب وينصت لنبضه، مسؤولية المساهمة في انفراج الجو السياسي والاجتماعي. وطبعا، فإن نجاح المبادرة لو تحقق سيفهم منه أيضا مباركتها من طرف الملك، ومهما كانت التأويلات فهي في نظري المتواضع مبادرة تحسب، بغض النظر عن أي نقاش آخر مهما كانت وجاهته، للنائبين وللتيار السياسي التقدمي أي فيدرالية اليسار الديمقراطي الذي يمثلانه في البرلمان. كما تحسب، في آخر المطاف، للوطن ككل بكل مؤسساته وتعبيراته؛ لأن لا أحد يستفيد من التوتر السائد في الوضع الحالي، الذي فاقمته تلك الأحكام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى