رأي/ كرونيك

كومينة يكتب: لست من دعاة التطبيع أو من مسانديه..لكن دعونا نناقش قضية فلسطين بشكل مختلف

لست من دعاة التطبيع أو من مسانديه، و هذا ما لست في حاجة إلى التذكير به، وأشير فقط إلى أنني كنت الصحافي المغربي الذي اشتكاه مكتب الاتصال الإسرائلي السابق، وهناك شهود أحياء من جريدة العلم.

لكنني أرفض اليوم، كما الأمس، أن يفرض على المغرب أن لايفكر في أي قضية وطنية،  أو مصلحة وطنية أو يتحرك للدفاع عنها إلا بعد المرور من مصفاة حسابات الأطراف الفلسطينية والتأكد من خلو التفكير، أو التحرك مما لا يطابق تلك الحسابات.

هذا النوع من الشروط لا تلتزم به حتى الأطراف الفلسطينية، التي لاتجتمع على رأي واحد من القضية نفسها، وإنما يستخذم للإحراج، أو حتى لممارسة الابتزاز من طرف البعض الذي يتحرك في إطار أجندات جيوسياسية واستراتيجية تستعمل القضية الفلسطينية استعمالا مسيئا ولا ينفتح على إمكان تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية والتوفر على دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وحين تلجأ بعض الأطراف إلى المزايدة علينا أو على غيرنا بالقضية الفلسطينية فإنها لا تأخذ كلها بعين الاعتبار قضايا ومصالح الدول والشعوب العربية التي تساند القضية وتلجأ البعض منها إلى التخوين وحتى ممارسة الابتزاز في العلاقة مع من يفترض أنهم أصدقاء هذا البعض ونحن نعرف تصرفات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثلا في هذا الإطار و تصرف قياداتها التي طورت موقفا عدائيا اتجاه المغرب  و اليسار المغربي نظرا لعلاقاتها مع النظامين الليبي والجزائري في سبعينات القرن الماضي

وقد اكتشفت لدى نقاش مع عضو المكتب السياسي لهذه الجبهة صلاح صلاح في ثمانينات القرن الماضي،  أن الموقف الذي تبنته يقوم على الايديولوجيا والتحالفات ويرفض الوقائع والتاريخ الحقيقي وليس المكذوب عليه، بل وخلصت إلى أن حالة الشرق، الذي نشأت دوله بعد سقوط الامبراطورية العثمانية ثم بعد الاستعمار على الخصوص، يبقى محددا لنظرة مختزلة لا تأخذ  بعين الاعتبار وجود دول سابقة على الدولة الوطنية الحديثة وبعد الاستعمار، ومن ضمنها الدولة المغربية التي عاشت على مدى 12 قرنا بعد دخول الإسلام لحظات قوة ولحظات ضعف لكنها استمرت وصمدت في مواجهة الإسبان والبرتغاليين والعثمانيين والانجليز ، وأيضا في مواجهة الاضطرابات الداخلية والأوبئة والكوارث الطبيعية.

رفضي لاعتبار المرور المصفاة الفلسطينية واجبا قبل اتخاذ أي موقف يهم مصالح وطنية هو رفض لتراتبية لا يوجد أي أساس يسندها، لأننا لسناتابعين لأي جهة، ورفضي لمنطق انتهى زمنه بإمساك الفلسطينيين بقضيتهم باعتبارها قضية وطنية و فهمهم أن حلها يأتي  في إطار عالمي internationalisation، مادام قد تأكد للواعين ضمنهم أن امتناع الدول العربية عن الإندماج في العاام نتيجة الرغبة في الحفاظ على أنظمة استبدادية ومتخلفة ينطوي على غباء سياسي و يبقي القضية الفلسطينية مراوحة في المكان الى ان تقضم الأرض.

رفضي هذا لا يضاهيه إلا رفضي لاعتبار المعركة مع الاحتلال الصهيوني معركة دينية لايمكن أن تحسم إلا بصلاح الدين الأيوبي جديد يقضي قضاء مبرما على اليهود، لأن الامر ينطوي على انحراف فكري وسياسي لا يعير اهتماما لعدد كبير من اليهود غير الصهاينة الذين يساندون حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة ويسعون للسلام العادل.

وقد كانت لهذا الانحراف نتائج كارثية على القضية الفلسطينية فيما مضى وكان تبني مشروع الدولة الفلسطينية من طرف منظمة التحرير الفلسطينية وتحركها دوليا على أساسه في الطريق الذي رسمه الزعيم التاريخي ياسر عرفات وقاده الى ممارسة اختراق أول من خلال اوسلو واقامة السلطة الفلسطينية كخطوة أولى على طريق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وليس غريبا ان هذا الاختراق قد أجج تطرفا وسط الاسرائليين الذين مالوا مند ذلك الوقت إلى  تغليب كفة نتانياهو، التي تشيرمؤشرات الايام الاخيرة إلى أنه  على أبواب أول خسارة كبرى مند تسعينات القرن الماضي.

إن نمط التفكير القديم، الذي تخلت عنه السلطة الفلسطينية مند إقامتها، يجب تجاوزه مادام لم ينتج سوى الخيبات الكبرى، ويجب النظر اليوم إلى  القضية الفلسطينية باعتبارها أولا وقبل كل شئ قضية وطنية للشعب الفلسطيني،  وأن حصرها في النطاق الضيق العربي أو الإسلامي  لا يخدمها إطلاقا وإنما  يخذم مصالح من يستعملونها لخدمة مصالحهم، وأن مشروع إدماج المنطقة العربية في العالم،  الذي  عمل عليه أوباما وبايدن في السابق، بشكل خاطئ، قد يعود غدا مع بايدن بطريقة مغايرة، بالاضافة الى توقع نهاية نتانياهو، الذي كان المغرب يفضل عليه حزب العمل الذي تناوب على قيادته زعماء من أصل  مغربي في العقدين الاخيرين، و تطور مواقف الدول الاوروبية والاتحاد الأوربي، أمورا تخدم إخراج القضية من حالة المراوحة في المكان، مالم يتخذ الفلسطينيون مواقف خاطئة، و تجعل التسوية المنتظرة تقترب، ومن المؤكد أن المغرب، القادر على ممارسة نوع من التأثير داخل اسرائيل،  في الوقت الذي لا لا تأثير لهذه الأخيرة في المغرب، يمكن أن  يكون فاعلا ذا ثقل في مسار تلك التسوية لفائدة الفلسطينيين وبناء على اختياراتهم المستقلة .

وضع القضية الفلسطينية في مكانها الطبيعي يخرج من نوع من التفكير غير السليم الذي يمضي إلى حد مطالبة المغرب برفض مكسب كبير واستراتيجي يهم وحدته الترابية ووجوده الوطني، بل وإلى حد رفع شعار التخوين، وكأنه تم التخلي عن شبر من أراضينا  أو حق من حقوقنا الوطنية،  أو كأنه  تم الإعلان  عن التخلي الكلي عن التزامات المغرب التضامنية مع الشعب الفلسطيني.

التطبيع الذي يخاف منه البعض رهين بعدد من المعطيات التي لا تتوفر لحد الآن، وهو لم ينجح لا في مصر أو  الأردن لأنها  لم تتوفر، وأولها وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية واستئناف مفاوضات الحل الأخير، وإنهاء القمع …الخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى