رأي/ كرونيككورونا

الدكتور إبراهيم اغلان: تأملات في مشاهد أربعة من الزمن الكوروني بالمغرب..السلطة وضدها..أية مواجهة؟ 2/2

مر شهر تقريبا عن وجود وباء كورونا 19 بالمغرب، ولا يزال انتشاره مستمرا حتى اليوم. خلال هذه الفترة الزمنية، القصيرة بالمقارنة مع خطورة الوباء، يمكن تسجيل أربعة تأملات إزاء مشهد عام، نتابعه عن بعد، ونعيش بعض تفاصيله عن قرب…
إنها تأملات، بقدر ما ترصد وقائع ومواقف وحالات، بقدر ما تطرح اسئلة حول زمن مابعد كورونا 19.

الدكتور ابراهيم اغلان

(3)
السلطة وضدها : أية مواجهة؟

لعل أبرز الايجابيات الظاهرة للعيان في الزمن الكروني بالمغرب، قدرة المغاربة على التعاون والتضامن والتناغم مع توجيهات الدولة لمواجهة تحديات الوباء. انعكس ذلك في احترامهم للقرارات، ومشاركتهم المهنية والوظيغية والإنسانية في تدبير هذه المرحلة المفارقة من تاريخ بلادنا .

سيشكل هذا السلوك الحضاري تجربة وتراكما جديرين بالتامل . إنه اختبار أيضاً لما يجب على الدولة التفكير فيه مستقبلا، من أجل مصالحة حقيقية مع المواطن، وبالتالي تسخير كل الإمكانيات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لصالحه، لأنه الرهان المستقبلي للدولة. مع ذلك، ستظهر الى الوجود، وفي ظل هذا التناغم الذي تحدثنا عنه بين الدولة والمجتمع، افكار وعقليات، تعتبر نفسها ضد الدولة ونقيضها، ولذلك فقرارات الدولة وتدابيرها في هذه المرحلة الاستثنائية، هي مجرد كفر أو زيغ أو خرق لحقوق الإنسان.

كيف ستتعامل الدولة مع هذه المواقف، ذات المرجعيات الدينية والحقوقية؟ علما ان للدولة سابقة وتجربة في مواجهة هذه العقليات..

ستجد الدولة إذن، وفي هذا الظرف الخاص جدا مناسبة سانحة للتعامل بشدة وصرامة، متسلحة باطار قانوني واضح (محاكمة ابو النعيم انموذجا).

انه صراع قديم وجديد، يأخذ في كل مرة شكلا من أشكال المواجهة، الظاهرة منها والخفية، المباشرة منها وغير المباشرة.
إنه اختبار ثالث للدولة في أفق ما بعد الزمن الكوروني، حيث لن تتساهل مع من لا يعترف بوجودها، ولا يحترم ثوابتها، الدينية والمدنية.

لقد حققت الدولة اليوم شبه إجماع من مختلف فئات المجتمع على جدارتها و قدرتها على مواجهة كل من يلعب خارج الدائرة، معتمدة في ذلك على قوانين، تفرضها حالة الطوارئ، وعلى الجميع أن يخضع لها، مهما كانت مرجعيته الفكرية او الدينية، أو انتماؤه السياسي، أو هويته الثقافية، أو منصبه الوظيفي، أو مستواه الاجتماعي .

إذا كانت الدولة حاسمة، قبل الزمن الكروني وحتى ما بعده، في مواجهة هذه العقليات المشار إليها، فإنها وجدت نفسها أيضا أمام مواجهة من نوع آخر في هذا الزمن الوبائي، إنها شريحة من المجتمع، تتشكل أساسا من شباب، ينتمون في الغالب الى مجال، يسوده الفقر والتهميش. ليس المقام هنا يسمح بذكر أسباب ب النزول، فهي معروفة ومتداولة.

اليوم، اتضح بما لا يدع مجالا للشك، بأن بؤر الفقر والتهميش (الأحياء الشعبية، دور الصفيح) في مدننا وقرانا المنعزلة، ستظل أخطر تحدي أمام الدولة، لقد شاهدنا الصعوبة التي واجهتها السلطات المحلية والامنية في إقناع بعض هذه الساكنة بالالتزام باوامرها وقوانينها. وفي هذا السياق،يمكن الاستئناس بنسبة القضايا المرفوعة الى القضاء، بسبب عدم الامتثال لحالة الطوارئ، مما يدل دلالة واضحة على ما ذهبنا إليه.

ما ينتظر الدولة في ما بعد الزمن الكوروني_في هذا الباب تحديدا _ الكثير من العمل، عليها، أولا : أن تدرك بأن المواجهة مع هذه البؤر ستزداد صعوبة وخطورة في ذات الوقت، والرهان على النموذج التنموي الجديد، قد يخفف من حدة المواجهة، التي ستتخذ اشكالا متعددة ( تطرف، عنف، تناسل القطاع غير المهيكل… الخ) ، وعليه ستتغير المعطيات على أرض الواقع، حيث ان هذه الفئة من المجتمع التي كانت الدولة تعتمد عليها، كاحتياط انتخابي، كما تفعل بعض الاحزاب اليوم، لم تعد هي نفسها، لقد تغير الوضع، وباتت نسبة الشباب أكثر ، وهؤلاء متمرسون على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، ومؤثرون، بشكل او بآخر، على محيطهم الخاص والعام.

وقد يزداد الوضع تأزما، حين تغيب الآليات الوسائطية بين هؤلاء والدولة (احزاب سياسية، جمعيات مدنية..)، مما يعني أن الدولة ستجد نفسها وحيدة في مواجهة هؤلاء الشباب، الذين يفكر بعضهم في الحريك الواقعي” (الهجرة غير الشرعية)،
وبعضهم الآخر في” الحريك الافتراضي” ، هذا الأخير الذي يبدو أنه أكثر خطورة من الأول. إنه البحث عن المجهول، عن اللامعنى، عن الموت أحياناً …

(4)
الدولة والمعرفة: مصالحة أم تكريس الخصام؟

لا أريد هنا الحديث عن واقع المعرفة ببلادنا اليوم، ومدى مسؤولية الدولة في تهميش العلم والثقافة، فهذا فيه كلام كثير، وآلام كثيرة…

لكن، وبالرغم من ذلك، لا بد من التذكير بالمعطيات التالية، دون ان ندخل في منطق الحسابات والاحصائيات: واقع البحث العلمي، فقير ومنسي. جامعاتنا ليست على ما يرام بالمطلق. معاهدنا ومدارسنا العليا، والتي كانت في زمن ما، فخرا واعتزازا بالكفاءات العلمية ببلادنا، هي اليوم تفتح مدرجاتها للجهل والخرافة، وعوض أن يحاضر فيها علماء بارزون في مجالات تخصصاتهم، ومن مختلف دول العالم، يتم استدعاء شيوخ الشرق، محملين بعقد الحياة والمعرفة…

واقع الثقافة، هو الآخر، مقيد بغياب سياسة رسمية واضحة، على الأقل تترجم ما ورد في دستور البلاد. إضافة الى انسحاب العديد من المؤسسات والجمعيات الثقافية المدنية من أسئلة المغرب الذي نريد… ، وتراجع مخيف للمثقفين لأسباب ذاتية وعامة. ناهيك عن دور الإعلام الذي ساهم في نشر التفاهة في القنوات الرسمية، وكرستها بعض القنوات الخاصة بمزيد من التجهيل و الوقاحة والرداءة. وبشكل عام، أصبحنا بين عشية وضحاها أمام جماعة من البشر، توجه الرأي العام، نحو قضايا، اقل ما يقال عنها، كونها تعيد البلاد الى نفق مظلم.

 

بناء على هذا الوضع المحزن حقا، وانطلاقا من علامات الزمن الكوروني، ثبت بأن العلم شيء، والباقي كله شيء آخر.
ربما، بعض المؤشرات الحالية مطمئنة الى حد ما: تخصيص ميزانية للبحث العلمي في المجال الطبي، حضور أطباء وخبراء في المشهد الإعلامي، الاهتمام الإعلامي بمؤسسات ثقافية (المكتبة الوطنية مثلا)، بيانات عدد من المثقفين والكتاب، عبر وسائل التواصل الإجتماعي، للمساهمة الفعلية والرمزية في مواجهة هذه الأزمة…

إلى جانب ذلك كله، لا بد من التذكير بكفاءات المغاربة، ومستوى اختراعاتهم، وذكائهم الذي وصل الى العالم، واحتضنته معاهد ومدارس دول أخرى ، ونشير هنا فقط الى الاختراعات الأخيرة والمرتبطة باليات التنفس.
إنه اختبار رابع للدولة لما بعد الجائحة، لتتصالح مع المعرفة، وتيسير الولوج إليها وسبل نشرها، وتوفير شروط إنتاجها . بهذا المعنى، صعب أن نتجاوز الآتي، إذا لم نفكر جديا في هندسة مجتمعنا، انطلاقا من مجتمع المعرفة.

ما يشبه الخاتمة

هذه تأملات، سجلتها على عجل، من خلال مشاهد أربعة من الزمن الكوروني بالمغرب، محاولا قدر الإمكان التساؤل عن ما بعد هذا الزمن وتداعياته، والتي لن تكون رحيمة ب/على وطننا.
إن تجاوز المحنة القادمة ممكن، كيف؟
أولا : تغيير العقليات والذهنيات والممارسات من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء، والتي تعيق قيم التجديد والتطوير والتغيير.
ثانياً : الرهان على الإنسان المواطن والمواطن الإنسان، وتنميته، وتثمين قدراته، باعتباره الأمل في تطوير الدولة والمجتمع.
ثالثاً : ترتيب الأولويات (الصحة، التربية والتعليم…).
رابعاً : تجديد الثقة بين الدولة والمواطن عبر آليات الديموقراطية المعروفة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى