رأي/ كرونيك

جدل نشأة الإسلام السياسي وتعدد القراءات والرؤى بشأنه 2/1

كمال ازنيدر : كاتب إسلامي وباحث في الأداء السياسي والمؤسساتي

نشأة الإسلام السياسي، واحدة من النقط الشائكة التي يصعب الخوض فيها نظرا لتعدد القراءات والرؤى بشأنها. فالباحث في هذا الموضوع يجد نفسه أمام متاهة من المعطيات المختلفة والتقديرات المتعددة، الشيء الذي يجعل مهمة الحسم بخصوص هذه النقطة مهمة ليست بالسهلة، وبالنسبة لبعض الباحثين مهمة مستحيلة.

فالخلاف القائم بشأن هذه النقطة هو ليس مجرد خلاف تاريخي حول التقدير الزمني لحدث معين ظهر معه الإسلام السياسي بل هو أيضا خلاف فلسفي، فكري، عقائدي متعلق بماهية وحقيقة الدين الإسلامي وكذا مفاهيمي مرتبط بتعريف الإسلام السياسي.

فالشخص المسلم أو الغير مسلم الذي يرى في الدين الإسلامي مجرد شعائر تربط الإنسان بخالقه أو ما يعتقده خالقه، يموقع نشأة الإسلام السياسي أو بداية عملية تسييس الدين الإسلامي في حقبة زمنية خارج عصر النبوة المحمدية. ومن يرى أن الديانة الإسلامية ليست مجرد طقوس روحانية بل هي ديانة يمتزج فيها الروحي والسياسي تكون له نظرة وقراءة أخرى، يموقع على إثرها هذه النشأة في عهد هذه النبوة.

وكذلك الشخص الذي يحصر الإسلام السياسي في الجماعات والمنظمات التي تنشد السلطة باحترام قواعد اللعبة السياسية والقوانين المعمول بها في مجتمعاتها، أي بالقبول بمفهوم المشاركة السياسية وخوض الانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع كآلية للوصول للسلطة أو سدة الحكم، فهو يموقع بناء على نظرته هذه ظهور هذا التيار السياسي في إحدى حقب القرن العشرين. والشخص الذي يرى الإسلام السياسي كتيار إصلاحي يحاول التوفيق بين العلم والدين بغية النهوض بالأمة الإسلامية فهو يموقع ظهور الإسلام السياسي في أواسط القرن التاسع عشر.

هذا باختصار. وبشكل أدق، يرجع البعض جذور حركة الإسلام السياسي بمفهومه الحديث إلى انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وقيام مصطفى كمال أتاتورك بإقباره لنظام الخلافة الإسلامية في 3 مارس 1924 وتأسيسه لجمهورية تركية على النمط الأوروبي ألغت الشريعة الإسلامية من المؤسسة التشريعية، ناهيك عن قيامه بحملات ضد كثير من رموز الدين والمحافظين.

ويرى الكاتب المصري ورئيس برنامج دراسات المجتمع المدني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أيمن السيد عبد الوهاب أن ما حدث بتركيا في مارس 1924 من إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية من قبل كمال أتاتورك وإعلان العلمانية كنظام جديد للحكم، ومنع تدريس الدين في المدارس الحكومية، وإغلاق المحاكم الإسلامية ومنع ارتداء الحجاب على النساء، وتعويض الحروف العربية بالحروف اللاتينية، ومنع استعمال اللغة العربية حتى في الأذان للصلاة، قد شكل دورا هاما في نشأة الحركات الإسلامية الجديدة في مصر ثم السودان وتونس والجزائر وبقية الأقطار الإسلامية.

وذهب بعض آخر إلى أن نشأة الإسلام السياسي بدأت مع الشيخ اللبناني محمد رشيد بن علي رضا (1865 – 1935) الذي دعا في كتاب له “الخلافة أو الإمامة العظمى” أصدره سنة 1922 إلى عودة الخلافة، ربط فيه بين نهضة المسلمين وإحياء الاجتهاد الذي كان توقفه سببا في تخلف المسلمين وتفرنج البعض منهم وتخليهم عن الدين.

وذهب توجه آخر إلى أن نشأة الحركة الإسلامية السياسية بدأت مع المرشد والقائد الإسلامي المصري حسن البنا (1906 – 1949) الذي قام سنة 1928 بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين. ويرى اتجاه رابع أن أصل الإسلام السياسي مصدره شبه القارة الهندية وبالضبط أفكار وأراء رجل الدين والمفكر الباكستاني أبو الأعلى المودودي (1903 – 1979)، الذي أنشأ في مطلع أربعينيات القرن العشرين الرابطة الإسلامية الباكستانية.

ويقول حسن البنا في رسالته إلى المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين : “إن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة (رضوان الله عليهم) النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي (صلى الله عليه وسلم) ودفنه، حتى فرغوا من تلك المهمة، واطمأنوا إلى إنجازها. والأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام، وبيان أحكام الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها، لا تدع مجالا للشك في أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن منهاجها”.

كما تحدث في رسالة له عنوانها “نظام الحكم” عن دعائم الحكم الإسلامي ومسؤولية الحاكم عن وحدة الأمة وضرورة احترام رأي الأمة. وطرح في منهجه التربوي السياسي خمسة مراحل ضرورية للوصول إلى الخلافة الإسلامية. هذه المراحل تبدأ بتكوين الفرد المسلم ثم البيت المسلم ثم الشعب المسلم ثم الحكومة المسلمة ثم الخلافة الإسلامية الكبرى التي تجمع وتوحد ما قام بتشتيته وتمزيقه الاستعمار.

ويرجع بعض آخر ظهور الحركات الإسلامية إلى رد الفعل الشعبي الذي تمخض عن انتشار الإحساس أن تطبيق الشريعة الإسلامية في تراجع وأن هناك نكسة في العالم الإسلامي بسبب الاستعمار الأوروبي والغزو الثقافي الغربي. بينما يعزي اتجاه آخر ظهور الإسلام السياسي إلى فشل القوات العربية في استرجاع القدس وانهزامها في المعارك التي خاضتها ضد إسرائيل وقيام بعض الأنظمة العربية بالاعتراف بالدولة العبرية.

وذهب تقرير للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات إلى أن الإسلام السياسي يعود أصله إلى أواخر السبعينيات من القرن الماضي مع الثورة الإيرانية وروح الله الخميني، قائد الثورة الإسلامية ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية سنة 1979.

ويربط الأستاذ الجامعي في الأديان والشؤون الدولية والدراسات الإسلامية الأمريكي جون إسبوسيتو نشأة الإسلام السياسي بفشل المشروع النهضوي العربي وافتقاد الأنظمة العربية الحديثة للمشروعية. بالنسبة له، فشل النماذج الغربية المستوردة وعلى رأسها العلمانية والاشتراكية والليبرالية التي تبنتها الأنظمة العربية الحاكمة عقب الاستقلال في تحقيق الوحدة العربية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والتحرر من التبعية للغرب، تولدت عنه الحاجة إلى البحث عن نموذج بديل، وأصبح العديد من المواطنين يرون أن “الإسلام هو الحل”.

ويرجع قطب آخر نشأة الإسلام السياسي إلى أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي في ظل مجموعة من الظروف المجتمعية والفكرية وخصوصا السياسية التي أودت إلى حصول تشققات داخل المدارس والجماعات الإسلامية وتطرف أجزاء منها وظهور فكر إسلامي تكفيري حكم بكفر التراث والمجتمع والأمة ووصف أنظمة الحكم العربية ومجتمعاتها بأنظمة ومجتمعات الجاهلية ودعا إلى نسفها والانقلاب عليها.

وجاء في كتاب “تفاعل الإسلام السياسي مع الديمقراطية : البرنامج السياسي للإخوان المسلمين في مصر كدراسة حالة” لمهند مصطفى وأيمن طلال يوسف “حيدرية” أن ظهور الإسلام السياسي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر، مع قيام مجموعة من المفكرين مثل جمال علاء الدين الأفغاني ومحمد عبده بتطوير الإسلام اتجاه التعامل مع العالم المتقدم من حولهم. واعتقد هؤلاء الإصلاحيون أن الشعوب الإسلامية تعيش في مصاعب لأن حكوماتها جد ضعيفة وغير قادرة على حمايتها من التدخل الأجنبي، وأن أفضل طريقة لمعالجة هذا الوضع هو الجمع المنطقي بين العلم والدين، من خلال إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى