حول العالم

تحليلي إخباري: الولايات المتحدة والصراع ضد الصين في زمن “كورونا “

ربما تدلل الوقائع التالية على التوجه الخطير في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين في ظل الازمة العالمية التي فرضها تفشي وباء كورونا المعروف” بكوفيد19″. فإذا اعتبرنا التناقضات بين الولايات المتحدة والصين قبل مرحلة تفشي الوباء، وهي في العمق تناقضات ذات طبيعة جيو- استراتيجية مرتبطة بالهيمنة و النفوذ على الاقل في منطقة المحيط الهادي الممتدة من الغرب إلى الشرق؛ فإن الازمة الحالية بسبب تفشي الوباء بين الصين والدول الغربية باعتبارها الاكثر تضررا خاصة الولايات المتحدة التي أصبحت تتهم بشكل مباشر ومتصاعد الصين بانها هي السبب في الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية والمالية الغير مسبوقة على النظام الرأسمالي المعولم.

لقد بدأت الحملة المنظمة في وسائل الاعلام الغربية وكبريات الصحف وخاصة الامريكية وداخل البيت الابيض، ومن طرف بعض أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الامريكيين، تم تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته المتهمة، تم انضم إلى الجوقة الرئيس الفرنسي وان بدا مشككا مع أوساط رسمية بريطانية. هذه الحملة الاعلامية داخل أمريكا نشرت حالة من الحقد العنصري والكراهية وسط قطاعات واسعة من الامريكيين ضد المجموعات الاسيوية- الامريكية تذكرنا باستهداف الامريكيين من أصل ياباني في سنوات الاربعين وبعد الهجوم الياباني على قاعدة “بيرل هاربور”.

في 14 ابريل 2020 قام عضو مجلس الشيوخ الامريكي ” جوش هاولي ” بالكشف عن مشروع قانون تم اعداده يهدف إلى تجريد الصين من سيادتها أمام المحاكم الامريكية، وذلك بمنح الامريكيين الحق في مقاضاة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم وطلب التعويض عن الاضرار الناجمة عن أزمة وباء كورونا 19 . مشروع القانون المذكور يستغل موجة مشاعر الامريكيين المتصاعدة المعادية للصين وعلى اتهام الصين كمسؤولة مباشرة عن تفشي الوباء؛ بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية قد قدمت كافة الشواهد موضحة بأن الصين قد قامت بمحاصرة تفشي الوباء منذ تأكدها من أن الامر يتعلق بفيروس جديد سريع العدوى وخطير على صحة البشر، وساهمت مبكرا في اخطار منظمة الصحة العالمية في فاتح يناير 2020، وبالتالي ساهمت في انقاذ العالم من خطورته.

في نفس الوقت قام العديد من الأكاديميين في جامعات ومعاهد أمريكية مختلفة بمطالبة الدول الغربية بوضع اليد بشكل أحادي على ودائع الشركات العمومية الصينية الموجودة في الخارج، والغاء الديون المستحقة لفائدة الصين؛ وذلك للتعويض عن الخسائر الناجمة عن تفشي وباء “كورونا 19” في البلدان الغربية ( أوربا الغربية، أمريكا وكندا، استراليا ). وفي هذا الصدد فقد شرع بعض مكاتب المحاماة في ولاية فلوريدا بتقديم دعاوى التعويض ضد دولة الصين؛ ويبدو أن الوضع سيتصاعد مع الدعاوى القادمة.

إننا أمام أزمة في بداية التشكل تضع أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم أمام مواجهة يمكن أن تكون احتمالاتها كارثية . صحيح أن هذه المواجهة لا زالت ذات طبيعة إعلامية استفزازية يمكن تطويقها بالوسائل الديبلوماسية والسياسية خاصة أن الصين تاريخيا لها تجربة في الصبر والنفس الطويل ولا يمكن أن تنجر إلى ردود الافعال؛ ولكن في المقابل نحن نعرف أن إدارة “رونالد ترامب” قد فشلت فشلا ذريعا في إدارة مكافحة تفشي وباء كورونا 19 على صحة المواطن الامريكي وانبرى اقتصادها غير قادر على الصمود لمدة شهر واحد امام متطلبات هذه الحرب الداخلية التي لم تعتدها الولايات المتحدة من قبل؛ وبالتالي فإن اتهام الصين وتحميلها المسؤولية دون دليل يبدو مغريا من أجل ركوب مغامرة تصدير اسباب الفشل إلى عدو خارجي. وما يثير في الامر أن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة “جون بايدن” في تصريح له مؤخرا قد عزم على ركوب نفس الموجة المعادية للصين متهما الادارة الامريكية الحالية في التقصير والتأخر في محاسبة الصين.

على ضوء هذه الوقائع فما هي الطريقة التي يمكن أن تسلكها الولايات المتحدة في إدارة الازمة مع الصين؟ بعد تزايد الدعاوى أمام المحاكم الامريكية، حيث ستسفر عن مئات المليارات من التعويضات على أقل تقدير. فالمحاكم الامريكية لها عدة سوابق في منح تعويضات للضحايا في قضايا مزعومة ضد دول أجنبية تعاديها الولايات المتحدة: ( ليبيا، كوريا الشمالية مثلا )

لا يقتصر هذا الصراع كما أوضحنا بين الصين والولايات المتحدة على كسب اصوات الناخبين الامريكيين في معركة الانتخابات الرئاسية القادمة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وانما هو في العمق صراعا استراتيجيا حول أحد أسباب الهيمنة وتوسع الإمبراطوريات في العالم وهي القوة الاقتصادية والتكنولوجية وتناسبها مع القوة العسكرية.

“فالثروة الاقتصادية سلاح لدعم القوة العسكرية، والقوة العسكرية ثروة مكتنزة تتيح الحصول على الثروة وحمايتها. فلو خصصت الدولة نسبة كبيرة من مصادرها للأغراض العسكرية فقط، بدلا من توظيفها لأغراض خلق الثروة وتنميتها، فستحكم على نفسها بالتداعي والسقوط على المدى البعيد”، حسب الباحث الامريكي “بول كنيدي” في كثابه التاريخي الضخم: “نشوء وسقوط القوى العظمى”.

وللإجابة على السؤال المطروح أعلاه، نذكر بأن الولايات المتحدة سبق وقامت بمصادرة سفينة تجارية في ملكية كوريا الشمالية واقتادتها إلى احد موانئها، لتتولى بيعها مع حمولتها في المزاد العلني؛ وذلك لتنفيذ الحكم بالتعويض الذي أصدرته أحد محاكم ولاية واشنطن سنة 2018 تنفيذا للحكم بالتعويض ضد كوريا الشمالية عن تعذيب وقتل الطالب الامريكي “أطو وارامبي”، لفائدة والديه، الذي سبق واوقفته سلطات كوريا الشمالية بتهمة الدخول إلى منشأة محظورة والتصوير فيها سنة 2016، تم سلمته سنة 2017 إلى الولايات المتحدة ليتوفى بعدها. وقد بلغ التعويض المحكوم به نصف مليار دولار بالرغم من تقرير لجنة الطب الشرعي الامريكية التي أكدت عدم وجود أي أثر لممارسة التعذيب على جسم الطالب المتوفى واستغربت هذه اللجنة كم المحكمة.

نشير أيضا إلى الاصدار الذي قام به المعهد البحري الامريكي في شهر ابريل 2020 ، للوثيقة الهامة تحت عنوان”اطلقوا القراصنة” ؛ حيث يسجل المعهد المذكور أنه من المشروع حسب القانون الامريكي أن تقوم شركات أمنية أمريكية يوكل لها مصادرة السفن التجارية الصينية في حالة النزاع، تم اقتيادها من أجل بيعها بالمزاد العلني أو إغراقها في حالة المقاومة. وتؤكد هذه الوثيقة أن على الولايات المتحدة استغلال هذه العمليات الجراحية لتقويض التجارة الصينية علما بأنها تمتلك أكبر أسطول تجاري في يفوق أضعافا الولايات المتحدة.

طبعا الصين ليست هي كوريا الشمالية وعندها من وسائل الردع ما يجعل الولايات المتحدة تفكر ألف مرة فبل الاقدام على مثل هذه المغامرات؛ ولكن ما يشجع الولايات المتحدة في هذا المنحى المغامر هو انزياح باقي الدول الغربية إلى صفها، أما الرأي العام الامريكي فسرعان ما يتم إخضاعه بواسطة صناعة الرأي الجبارة المعتمدة في الحروب العدوانية للولايات المتحدة. ويبقى موقف شعوب بلدان اسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية هو الحاسم في التصدي للغطرسة الامريكية التي تعتبر هيمنتها على العالم قدر على الشعوب غير قابل للتغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى