رأي/ كرونيك

في الخلفيات السياسية لمشروع قانون-إطار الذي يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.

بتاريخ 3 أبريل من السنة الماضية صادقت الفرق والمجموعة النيابية بالإجماع على مشروع قانون إطار رقم 17-51 الذي يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك في تحد سافر لإجماع مكونات الشعب المغربي من قوى يسارية وديمقراطية ونقابات مركزية والتنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد، التي طالبت عن طريق مختلف الأشكال النضالية بإسقاط هذا القانون، كان أخرها الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها أمام البرلمان عشية انعقاد الدورة التشريعية الاستتنائية.

إن تنزيل هذا المشروع على أرض الواقع ستكون له نتائج وخيمة على مستقبل التعليم ببلادنا وعلى هيئة التعليم التي ستعرف أوضاعها تدهورا خطيرا.فما هي الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية الكامنة وراء إلحاح النظام ألمخزني من أجل تنفيذ هذا القانون؟

مما لاشك فيه أن الظرفية السياسية العامة التي تجري فيها تنزيل عدد من القوانين ، تتميز بتسريع التدابير السياسية والتنظيمية المرتبطة بمشروع تعميم مبادئ وأهداف النموذج الاجتماعي النيوليبرالي، على اعتبار أن ما يتم الترويج له بخصوص فشل نموذج التنمية، لا يعدو أن يكون إلا محاولة للتعجيل بتطبيق المشروع المشار إليه سابقا، هكذا فالنظام مصمم على تطبيق الإملاءات السياسية والاقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي والمتعلقة بتخفيض نفقات الحكومة في مجالين حيويين هما التعليم والصحة، وفي ذات الوقت التحكم في سياسة التوظيف العمومي ، من خلال تعميم مشاريع قوانين تكرس المرونة والهشاشة في الشغل عبر فرض التعاقد الذي يحرم أجراء القطاع العام من المكتسبات الاجتماعية التي تحققت سابقا بفضل نضالاتهم البطولية وتضحياتهم الجسام.وفي هذا السياق تم الاتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي ، كمرحلة أولى على تخفيض 25% من كتلة الأجور والتي تعني في الواقع حرمان الآلاف من الشباب الولوج إلى الوظيفة العمومية، وفي نفس الوقت التراجع عن الحقوق الاجتماعية المكتسبة.

لهذه الأسباب الجوهرية تمكن خبراء النظام من وضع هذا المشروع الذي يحدد المبادئ والأهداف والآليات:

-1- في الهندسة المعمارية لمشروع إطار قانون رقم 17-51

يتميز معمار المشروع بالتركيز أساسا على الاختيارات الإستراتيجية للدولة، والتي تقوم على تنفيذ توجهاتها في ميدان التربية والتعليم ، من خلال الإبقاء على نموذج مدرسة تعليمية تقليدية ونخبوية ومنتجة لمختلف الاختلالات الاجتماعية والسياسية التي نحيى في ظلها(ديباجة وأحكام عامة المادة الأولى، ومبادئ منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وأهدافها ووظائفها)، والمقصود بذلك الحفاظ على مختلف أشكال التعليم المدرسي الأصيل والعتيق والتقليدي والأجنبي والديني(مدارس الجالية اليهودية) وقد سبق للمرحوم محمد عابد الجابري أن شخص بدقة مكونات هذه المنظومة سنة 1979 من خلال كتابه الممتاز:”أضواء على مشكل التعليم بالمغرب” مع فارق أن تحولا كبيرا حصل منذ تلك الفترة ويتجلى في تعميق وتكريس هذا المعمار الهندسي بإدخال مبادئ التدبير النيولبرالي التي أصبحت منذ فترة طويلة تدمج قطاعات للتعليم جديدة هي في الأصل نتاج اختلالات المدرسة التقليدية والنخبوية( قطاع التعليم غير النظامي ومحاربة الأمية-المادة 7). بالإضافة إلى ذلك رهن مستقبل التعليم ببلادنا لتحولات النظام الرأسمالي العالمي والخضوع لإملاءات المؤسسات المالية والنقدية( المادة 4 التي تطرح ضرورة ملائمة مواصفات خريجي المنظومة التربوية مع متطلبات السوق).

-2- تسليع التربية والتعليم والبحث العلمي

تشير المادة 10 من قانون إطار رقم 17-51 إلى بربط التكوين المهني بمتطلبات السوق وتحولاته، وبتطوير هندسة هذه التكوينات مع مراعاة الجهات ، وقيام شراكة بين الدولة ومجالس الجهات في أجل أقصاه 4 سنوات على تنويع عرض التكوين المهني ، وتأهيل مؤسساته القائمة بما يستجيب لتنافسية الاقتصاد وحاجات سوق الشغل ويحدد ذلك بمرسوم(المادة 11)وكذا تطوير الشراكة في البحث العلمي بين الدولة والقطاع الخاص(المادة 15)، وتوسيع نطاق تجربة المدارس الجماعية ولا سيما بالوسط القروي والعمل على تطويرها ودعمها والرفع من آدائها في إطار اتفاقية الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وجمعيات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وبلورة تصور إستراتيجي يسمح للقطاع الخاص بتنمية قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي(المادة 44)

3 معالجة اختلالات التربية والتكوين وعلى رأسها مجانية التعليم

تشير المادتين 22 و23 إلى بلورة سياسة ذات بعد إحساني، خاصة في ما يتعلق بأوضاع الأسر المعوزة ودوي الحاجات الصعبة والمعوقين وغيرهم ممن لم تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية من مواكبة تعليمهم (الهذر المدرسي)هذه السياسة التي أبانت عن فشلها في السابق لأنها تعتمد على تمويل مثل هذا البرنامج على المحسنين والقطاع الخاص، من خلال إحداث صندوق خاص لتنويع مصادر تمويل منظومة التربية والتكوين ، إذ يتم تمويله في إطار الشراكة بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء(المادة 45)، كما تقوم الدولة بتطوير برامج للتعاون والشراكة في إطار التعاون الدولي وفي مجال التربية والتكوين العلمي فيما يتعلق بتمويل تعميم التعليم الإلزامي والتعليم عن بعد والتربية غير النظامية ومحاربة الأمية والتعليم مدى الحياة( المادة 48).

-4-تعويم التدريس في متاهات لغوية

في غياب منظور شمولي للتدريس يعتمد على اللغتين العربية والأمازيغية على أسس علمية وبيداغوجية ومرتبطة بنموذج مدرسة علمانية وتقدمية وفي ظل نظام ديمقراطي متحرر من السيطرة الإمبريالية، فإن مشروع الإطار يقوم بقفزة في الفراغ ، بافتعال التدريس باللغات الأجنبية ، كما جاء في المادة 31 التي تلح على ضرورة تمكين المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية ولا سيما في التخصصات العلمية والتقنية ، واعتماد اللغة العربية أساسية للتدريس، وتطوير وضغ اللغة الأمازيغلة في المدرسة ضمن إطار عمل وطني( لاحظوا الطريقة الاحتقارية التي تطرح من خلالها اللغة الأمازيغية ، مع العلم أن تنزيل تدريسها ظلت طيلة السنوات السالفة مهمشة بل وكانت نتائجها سلبية للغاية)، وارساء تعددية لغوية أساسية للتدريس بكيفية تدريجية ومتوازنة تهدف إلى جعل المتعلم الحاصل على الباكلوريا متقنا للغتين العربية والأمازيغية ومتمكنا من لغتين أجنبيتين على الأقل، وإعمال مبدأ التناوب اللغوي وفتح مسارات لمتابعة الدراسة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية في إطار استقلال الجامعات وحاجاتها في مجال التكوين والبحث حسب الإمكانيات وإدراج التكوين باللغة الإنجليزية في تخصصات وشعب التكوين المهني، وتعميم التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه (المادة 32).هذا التصور للتدريس باللغات الأجنبية أدى إلى افتعال نقاش دو طبيعة إديولوجية بين الفرقاء النيابية بين التوجهات المحافظة والتوجهات “اللبرالية”، مما أوقف مؤقتا تنزيل هذا المشروع ،رغم أن أولئك الفرقاء النيابيين يجمعون على التوجهات الإستراتيجية للدولة في قطاع التعليم.

-5-فرض التعاقد على أجراء التعليم

من بين الإجراءات الخطيرة التي تحظر منذ فترة طويلة هي استلهام مبادئ التنظيم النيوليبرالي التي تمارس في المقاولات الخاصة ومحاولة تطبيقا في قطاعي التعليم والصحة، هكذا حددت المادة 37 مهام وكيفيات العاملين بالحقل التعليمي، من خلال إعداد دلائل مرجعية للوظائف والكفايات ، تعتمد على المسؤوليات التربوية والعلمية والإدارية وتخضع مبادئها للمرونة والقابلية للتكيف وخصوصية كل مهنة ، ويتعين التشاور حول إعداد هذه الدلائل وعرضها على المجلس الأعلى للتربية، كما يتعين عل السلطات الحكومية ملائمة الأنظمة الأساسية الخاصة بمختلف الفئات المهنية،ولتطوير التربية والتكوين والبحث العلمي تقوم الجامعات والمؤسسات التابعة لها وغيرها من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي الأخرى بإبرام شراكات من أجل إنجاز برامج ومشاريع مشتركة مع الهيئات والمؤسسات والمقاولات العامة والخاصة سواء منها الوطنية أو الأجنبية أو الدولية في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتكنولوجية، تحدد بصفة خاصة أهداف هذه البرامج والمشاريع وكيفيات ومدة إنجازها وموارد تمويلها والنتائج المتنوعة منها وآليات تتبع إنجازها وتقييم حصيلتها، ولدعم هذه المشاريع مطلوب من الحكومة القيام بوضع تشريعات تلائم هذه الأهداف، كما تقوم بتشجيع أساتذة البحث العلمي على إنجاز بحوث لصالح قطاعات الدولة وفق شروط تحفيزية تحدد في إطار اتفاقية خاصة.(المادة 43).، تشجيع الحكومة سياسة الشراكة والتعاقد في إنجاز برامج ومشاريع البحث العلمي بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وهيئات ومؤسسات القطاع الخاص(المادة50).

-6- الهيكلة التنظيمية لتفعيل مشروع تسليع التعليم

تحدد المادة (40) مبادئ وقواعد حكامة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي،وذلك من خلال إعمال مبدأي اللامركزية واللتمركز في تدبير المنظومة على المستوى الترابي وإعمال مبدأ التفريع من أجل تمكين بنيات التدبير الجهوية والمحلية للمنظومة من ممارسة المهام والاختصاصات ، وإعادة هيكلة البنيات المذكورة على المستوى التنظيمي ووضع آلية لتحقيق التعاضد في الموارد والممتلكات والتجهيزات المرصودة ، وتعزيز الاستقلالية الفعلية للجامعات والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والبحث العلمي، في إطار تعلقدي مع إقرار آلية للتتبع والتقييم وقياس الأداء والافتحاص بكيفية دورية،وإرساء استقلالية المؤسسة للتربية والتعليم والبحث العلمي باعتماد مشروع المؤسسة أساسا لتنميتها المستمرة وتدبيرها الدائم، وتشجيع الشراكة الجهوية والمحلية ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والجماعات الترابية والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة من أجل إنجاز برامج ومشاريع مشتركة لتعزيز البنيات المدرسية والجامعية ودعم أنشطتها وإشعاعها وانفتاحها على محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

-7- خلاصة مركزة

يبدو من خلال بنود هذا القانون الذي تحدد الدولة بموجبه إستراتيجية منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ، خلال السنوات القادمة ، وانطلاقا من تفكيك مضامينه الخطيرة، سوف يرهن مستقبل الأجيال القادمة بمزيد من إعادة إنتاج نفس البنيات التقليدية التي تتسم بفرملة التطور لولوج عصر الحداثة من بابه الواسع، كما ستعمل على تمديد الاستبداد ببلادنا ، إذا لم تتكتف كل الجهود الحية من أجل إسقاطه والنضال على مشروع تربوي جديد يسمح بتجاوز عقود التخلف والقطع بصفة نهائية مع جميع نماذج التنمية المرتبطة بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي وبشكل خاص النموذج النيولبرالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى