فكر .. تنوير

مقاربة تفكيكية لكتاب العالم إلى أين لنعوم تسومشكي 2/1

ينطلق هذا الكتاب من مجموعة من الأطروحات المتنوعة باعتبارها ظاهرة تاريخية وفكرية، لذا يدعونا هذا الكتاب إلى قراءة إنجاز مشروع تشومسكي بهدف إظهار فساد المنزع الثقافي الأمريكي والعالمي، وكذا النزعات الاختبارية التي تستند إلى مواقف توفيقية دون مبالاة بمقتضيات الشروط المعولمة، والتي تتطلب منا في الحالة الأمريكية كثيرا من الحسم وجرأة التفكيك، والتحليل.

لا يكتفي تشومسكي بالنقد في هذا المجال، بل إنه يدعو إلى القيام بثورة ديمقراطية تراعي فيها شروط الفعل الإنساني الحر، وكذا السياسات التي تبلورت ما بعد الحرب الباردة كما يربط في هذا الكتاب بين آليات الخطاب المشخص، وبين النقد الجذري الذي لا يراوغ ولا يقصي، باعتباره منظما يستوعب فكر الحداثة، وما بعد الحداثة، ففي الجزء يطرح انهيار المجتمع الأمريكي نظرا للتحولات التي غيرت وجه العالم الصناعي، والاقتصادي والعالمي، وظهور دول صناعية تضاهي صناعة أمريكا كالهند، والصين، واليابان، وأندونيسيا وكوريا الشمالية، فهذه النتيجة هي ضمان للمجتمع الرأسمالي الذي يعتبر فيه القول كقوة لعمل، وليس كدينامية التواصل كما تقول مدرسة شيكاغو، لذا عرض منهجية دقيقة ونظرة ابستمولوجية مفصلة حول الرعب الذي رافق المجتمع الأمريكي من طرف التنظيم – القاعدة فعملت أمريكا بفتح المرحلة الجديدة للحرب عن الإرهاب، بشكل علمي، وهذه النزعة الدقيقة المرتبطة بالمنهج البراغماتي، جعل الفعل الأمريكي حاضر كرهان ومطلب عملي وعلمي لذا أصبح لزاما على الدول المحور – الناتو – الاستعداد لمواجهة هذه الجائحة التي يمكن تسميتها بالإرهاب.

ولذا يمكن أن نطرح السؤال التالي لماذا الإرهاب؟ وكيف ولد في التربة البشرية؟ ومن زرعه؟ وهل الإنلامقولوجيا هي أرض هذا الإرهاب؟ هذه الأسئلة تفتح العديد من الإنجازات التي ظهرت في أمريكا، كاليمن المتطرف، واليسار المتطرف الذي لهما نفسه أستيفيا–والإنجليون الذين يحاولون محاربة المسلمين في بوسطن وفوريدا، ونيويورك …

وأصبح الاتحاد الأوروبي بدوره يعيش هذا الهاجس خاصة فرنسا، وألمانيا، وبدأ هذا الاتحاد يعرف توترات سواء على المستوى النقدي، الرأسمالي أو الاقتصادي، وظهور كمونات جديدة تؤسسها، روسيا، والصين وفرنسا، فبرزت لنا المبادئ والأصول الجديدة التي تحارب المهاجر العربي والغير العربي، لأنهم ليسوا من جنس سامي.

وهذه الرؤية الإقصائية لا تندرج في سياق تاريخي محدد، بل تنمو على هامشه، وتساهم في صياغة مجراها التاريخي في اتصال وانفصال عن هذا التاريخ الرسمي، لأن المجرى العام في أمريكا وفرنسا ينهلان من مكاسب دروس الماضي، إلا أن يولد نصوصا إلحادية تتجاوز الأديان كما عند داعش ص: 43 لأنها النظرة الاجتماعية التي تعيد إنتاج عنوان يضبط كل الكتابات السلفية، وتشجع التعرف على الثوابت على شكل خصائص أو علاقات الإنسان بالمطلق، وهذه الدعوة الأرتودوكسية هي التي تحدد الهوية، وتقرب الفعل الأجناسي العربي لكي يكون مغايرا عن الأجناس الأخرى، وأتساءل من خلق هذا التنظيم؟ ولماذا خلق؟ هل خلق لمحاربة روسيا في أفغانستان؟ أم أن السحر انقلب على الساحر الأمريكي، إنها لعبة مفتوحة وفق قيود بنيوية،

ولكن من الممكن رؤية بعض العوالم الخارجية تساند هذا التنظيم، وتسمح له أن يختار قانونه كشعار لمحارب الدول الشمولية، وهذه النتيجة هي عملية مباشرة بنت أقدامها في العراق، وأرادت أن تؤسس الخلافة، كما الآن في ليبيا، وهذه الواقعية المهترئة كما يرى شومسكي، تجتهد لأخذ بعين الاعتبار فضاء “الماضي” وبالتالي إدخال اعتبارات الفرص في عوالم ممكنة، وفي جماعات مهمشة، ميالة إلى الهيمنة الدينية والأخلاقية الانعكاسية السلبية، لكن هذا الدين المرتبط بالسياسة (63 – 73) يطرح قانون النخبة لإعادة إنتاج الخلافة، والإمارة والإمامة، وكبيانات إحيائية جديدة، وهذا التمازج بين الثوابت والمتغيرات، تجعل الممكن الأمريكي والديمقراطيات في خبر كان نظرا للاتحاد المنتشر في العالم، لما يبثه الإعلام من صور، ودمار، وقتل من طرف المتأسلمين، والأقليات الأخرى والموجودة جسديا وفكريا في هذا المناخ، وانطلاقا مما ذكرت أن النظرة الأمريكية إلى العالم يمكن أن تنجب آمال الأغنياء والأقوياء كما نراه اليوم في المجالس النيابية والكونكريس، فهي عادة ما تولى اهتمامها للدين الكنيسي، أو السياسي في عالم يعج بالتناقضات، والانكسارات في الهوية، والحرية، والعدد، فتبقى هذه الانتليجنسيا هي القادرة على إصدار القوانين، والأحكام، أما القطيع فعليه الانصياع والخضوع، وهذا ما نراه في روسيا، وكوريا الشمالية، والصين رغم الانتهاء إلى النظام الشيوعي الذي يعطي للجماعة رمزيتها وقدسيتها، ولكن يبقى الموقع الأسري داخل النظام هو الجانب الأكبر، والأكثر في التحكم.

إنه الميثاق الذي يصدر عنها وليس عن الشعب، لأن الحقوق والمبادئ هي إرادة فوقية تتعد إلى القاعدة وأن الخروج عن هذا الميثاق يعتبر خروجا عن إرادة الحاكم – أو الله – الإمام –الأمير … وأن على الشعب الخنوع أن يحمي الميثاق، لأنه يحمي إرادته، وإرادة الحاكم، هكذا يرى تشومسكي أن تلك العبارات والرؤى الصانعة للحضارة لابد أن تبقى في هيئة النظام الرأسمالي ص: 99،

وهذا يذكرني بفوكو ياما صاحب كتاب “نهاية التاريخ”، وماركوز “الإنسان ذو البعد الواحد، “أو حكمة الغرب”، فالنظام الرأسمالي هو نظام فرداني يمدنا بالحرية والمساواة، والعدل حسب قانونهم ولكن هل هناك حرية بأمريكا أو في الدول الغربية رغم حضارتها؟ الجواب يبقى خاضعا للتأويل مادام هناك إنسان فهناك سلط وقراءات، وتأويلات كما يقول ميشيل فوكو في كتابه “نظام الخطاب” ص: 24 – 25.

فالكشف عن هذا الشكل التحكمي يحمي الفرد، وينمي ذاتيته النفعية كما يرى جورج زيمل، ويعطي له حق الملكية، والاستحواذ، والتسلط والاستغلال، والاستيلاب، أي يضعه كقوة مشتركة تحت الإرادة العليا للإرادة الحاكمة، ويلتقي بهيئتها كجراء من الكل، وهذه الرؤية الاستقرائية تجعل المركز الحضاري يعتبر أكبر سلطة للتواصل على مستوى الفكري، والسياسي ويرى تشومسكي أن الرأسمالية قادرة أن تبقى على هيئة الرأسمال رغم اختلاف بعض الكتابات الاستشرافية، والاستغرابية، كإدوارد سعيد والجابري، وطرابيشي، وسامي النشار.

أما على المستوى الغربي، نجد ريمون أرون وإدكار موران وبيير بورديو، وغيرهم، فتشومسكييدافع عن وجود منظومة قيم عالمية مشتركة تتفق عليها الحضارات كمرجعية ونظام معياري يحددان أنماط العلاقات على أسس تعاونية لمحاربة داعش لكن هذه المحارب لم تأتي إلا نتيجة الصدمة 2001، وسقوط حزب البعث للرئيس صدام حسين، وفتح أبواب الصراعات بين اليمين المحافظ، واليسار، والسنة والشيعة، والخوارج …

فهذه الصراعات هي التي ولدت “دعوة أبو بكر البغدادي” وجماعته، فعملت هذه الدعوة بالاهتمام بالفقراء، واليتامى، وأصحاب الحاجة، وأصحاب السذاجة، الفكرية، فأراد هذا الداعي أن يعيد أمجاد الاهة الإسلامية/الخلافة سواء عبر العصور، أو على مستوى الراهن، فهذه التناقضات تهيمن فوق المحاسبة، وفوق أوهام الاختلاف، والحكم ما وراء الحدود كلها تتناغم لتشكل رؤية غير ثابتة، حيث تفكك الأحلام وتقطع مع حقبة زمنية معينة، فشومسكي يطرح موضوعا آخر ذا أهمية، وهو تيار الإسلام السياسي، الذي يسعى أنصاره إلى بناء بيداغوجيا مثالية، تكون كأرغون كوني متمرد على الديمقراطية، وهذا ما نراه في تركيا بزعامة “أردوغان” حيث يتلقى الدعامة من الطبقة الهامشية من أجل إنجاح خططه العمياء لإثبات عالمية واقعية عثمانية للعالم، والفرد، والقيم، فلم يقف هذا الديكتاتور “النمرود” في تركيا بل أمد ذراعيه العسكرية في سوريا، وليبيا، ويقول شومسكي في هذا الصدد تصبح العلاقات بين نظام أردوكان والغرب أكثر توترا، وهناك غضب شديد ضد الغرب من داعمي أردوغان، لأن المواقف الغربية اتجاه الانقلاب تنتقد باعتدال، لكن ليس على النحو الذي يكفي النظام، أما باتجاه الاستبداد المتزايد والقمع الشديد، فالانقلاب غير قوى، لكن النظام يراه كثيرا جدا في الحقيقة هناك الاعتقاد كبير أن الولايات المتحدة هي من بدأت الانقلاب” ص: 49 من الكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى