رأي/ كرونيك

الانتخابات وعبثية المشهد السياسي..و بعد الاشتراكيين.. معاقبة الإسلاميين

على بعد أقل من شهر على موعد الانتخابات المقرر إجراؤها في المغرب يوم الثامن من سبتمبر 2021، وفي ظل قرار منع عمل مؤسسات استطلاع الرأي قبيل موعد الانتخابات، “حفاظا على مصداقيتها ونزاهتها”، (كما حصل في انتخابات 2016)، تبقى تحليلات المراقبين ومداخلات المحللين السياسيين وحدها تتلمس رسم ملامح المشهد السياسي المقبل بعد التاريخ المذكور، والحديث عن الأحزاب المحتمل ترتيبها ضمن الرتب الأولى المؤهلة لتشكيل التحالف الحكومي الجديد، اعتبارا لطبيعة نظام انتخابي مدروس وفق دستور 2011، وضعت بنوده بعناية فائقة لإفراز بلقنة سياسية خالصة، لا تمنح أي حزب فرصة الفوز بالأغلبية وتأليف حكومة منسجمة.

بقلم عبدالرحيم التوراني
بقلم عبدالرحيم التوراني

في الأيام الأخيرة تعالت بعض الأصوات مطالبة بتأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق، بسبب تفاقم وباء “كورونا”، إذ زادت من جديد أرقام الوفيات الناتجة عن الفيروس، مع تزايد عدد الإصابات المسجلة يوميا، رغم تواصل حملة التطعيم واستفادة أكثر من ثلث السكان من اللقاحات المضادة للفيروس، ما جعل السلطات تعود إلى التدابير الاحترازية وفرض الحجر الصحي.

المرجح، سواء تم تنظيم الانتخابات في موعدها أم جرى تأجيلها، فإنه لن تتبدل صورة المشهد السياسي، أو تأتي مختلفة عما سبقها، مهما تباينت أسماء التشكيلات الحزبية التي ستفرزها النتائج.

ويظل هاجس ارتفاع نسبة المقاطعة ماثلا، لأسباب عديدة، يزيد من تصاعد حدتها تطور منسوب عبثية الحياة الحزبية بالمغرب. يضاف إلى هذا فك تحالف “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، بعد أن تقدم في الانتخابات السابقة بلوائح موحدة ومرشحين مشتركين. لذلك ينتظر أن تنضاف نسبة المقاطعين من صفوف المتعاطفين مع أحزاب الفيدرابية المنفرطة، بعد خيبتهم في رؤية “حلم الحزب اليساري الكبير”.

بعد الاشتراكيين.. معاقبة الإسلاميين

لا شك أن أغلبية من سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع، يوم 8 سبتمبر، سيعاقبون حزب العدالة والتنمية (“البيجيدي” اختصارا)، ذا التوجه الإسلامي. وقد ظهرت مؤشرات تراجع “البيجيدي” في نتائج الانتخابات المهنية الأخيرة. بعد أن بات في مأزق لا يحتمل، نتيجة تسديد معظم سهام الانتقادات ضده بشكل مضاعف وحاد، بسبب تجربته غير المرضية في تسيير الشأن العام، إذ خيب آمال من راهنوا على “حزب ناسه يعرفون ما بينهم وبين الله”، “نزهاء وعدوا بمحاربة الفساد، فإذا بهم هم رعاة الفساد”. “لا يتورعون عن مناقضة كل ما رفعوه من شعارات تخليق الحياة السياسية ومن مواقف ومبادئ”.

لقد وقع لــ “البيجيدي” أكبر مما حصل للاتحاديين (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) بعد مشاركتهم في ما سمي بــ”حكومة التناوب”، (من 1998 إلى 2002)، وعدم انسحابهم من الوزارات بعد “الخروج عن المنهجية الديمقراطية” حسب لغتهم، ليستمروا في حكومتي كل من التكنوقراطي إدريس جطو (2002- 2007) والاستقلالي عباس الفاسي (2007- 2012). ثلاث دورات انتخابية كاملة من تبوُّؤ المسؤولية الحكومية، كان من شأنها أن تمرغ رصيد الحزب الاعتباري في الحضيض، خصوصا وأن ما كانت تنتظره طبقات وفئات الشعب من الاتحاديين بعد أربعة عقود من المعارضة الراديكالية، تحول في لحظة مارقة (دامت 12 سنة) إلى فقاعة وكذبة أبريلية.

وما زاد طين الاتحاد الاشتراكي بلَّة هو انقلابه السريع من حزب مناضل، عرف بدفاعه عن مطالب الطبقات الشعبية، وأدى أعضاؤه ضريبة عالية من السجون والتعذيب والمنافي والاغتيالات، إلى إطار لا يختلف قيد أنملة عن باقي أحزاب السلطة، التي كان يسميها في الأمس القريب بـ”الأحزاب الإدارية” و”المخزنية”، بل صار حزب الاتحاد الاشتراكي يزايد على أحزاب السلطة، وتزعم قيادته “أنه يصبن أحسن”، على حد عبارة ترويجية لمسحوق غسيل مشهور.

الحزب السري

إن الأحزاب المغربية، كما يقول معارض مخضرم، أضحت حزبا واحدا، تخضع جميعها لتعليمات وأوامر “الحزب السري”، وما التشكيلات السياسية الحزبية التي تملأ المشهد سوى تنويعات الواحد المتعدد، لا تملك استقلاليتها، وتلهج بالشعارات والوعود ذاتها، تبعا لإرادة مسير أوركسترا معروف لكنه لا يبدو للناظر.

يوضح منشق عن الاتحاد الاشتراكي أن “الديمقراطية في المغرب، مثلها مثل نظيرتها في الأقطار العربية وغيرها من الدول الدكتاتورية والمتخلفة، لا يميزها سوى أنها باتت محبوكة بإتقان، حيث أن أولي الأمر تمكنوا في النهاية من إخضاع جميع الأحزاب لإرادة السلطة، للانخراط في مشروع “ديمقراطية الواجهة”. سياسة منهجية تنسب تفاصيل أسرارها لوزير الحسن الثاني في الداخلية إدريس البصري. ويبدو بالنسبة للعهد الجديد أنه مشروع البصري لا يزال صالحا للاستهلاك. لا شك في بريقه الجذاب، لكن ما إن يرفع الغطاء عن “طاجين” الديمقراطية المغربي، حتى تفوح منه رائحة تزعج. فمع امتداد سنوات الطهي وإعادة الطبخ والتسخين يجد المتطلع نفسه مختنقا بأدخنة الحريق. فالطبخة احترقت وفسدت، لكن هناك إصرار على تزيينها بذرذرة بهارات فوقها وتقديمها كطبق شهي. وإذا لاح تشكيك ما، فإن لازمة “الخصوصية” و”الاستثناء المغربي” جاهزة للرد وللجدال”.

لذلك، نظمت الانتخابات في وقتها أم تم تأجيلها، لا فرق. ولا بأس إذا تم توظيف المال بشكل مكثّـف في شراء الأصوات، فعملية البيع والشراء باتت حلالا وعرفا، وتتم مجاهرة وفي ما يشبه العلن.

(من الطرائف في هذا الصدد، تقاسم صورة على الواتساب والفيسبوك بين المغاربة، لورقة نقدية من فئة 200 درهما، مع تعليق يقول: هذه الورقة لا تكفي لشراء ثلاثة كيلو لحمة، لكنها تستطيع شراء أكثر من 80 كيلو يزنها ناخب واحد).

وأيضا، ليس ملحا أن يذهب الناس بكثافة إلى التصويت، أو أتت نسبة المشاركة ضعيفة، فالأجهزة المشرفة ستنفخ دائما في نسبة المشاركة، و”تقضي الغرض” بمن حضر.

تدجين الأحزاب

لقد نجح المخزن في تدجين أحزاب المعارضة التقليدية، فلم يعد يميزها عن غيرها من التشكيلات الحزبية الأخرى، سوى “تاريخ مجيد وتراث عريق”، لا يتم التعاطي معه إلا في مناسبات نادرة، بغرض التباهي والاستقطاب، وحسب الظرفية والحاجة، ليس غير.
وإذا استثنينا الأحزاب اليسارية الثلاثة المعارضة، وهي المشكلة لليسار الديمقراطي، (حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، يظل حزب النهج الديمقراطي (تيار من المنظمة الماركسية السرية “إلى الأمام”، تم الاعتراف به سنة 1995)، مفردا بين الأحزاب المغربية يلوح دائما براية مقاطعة الانتخابات.

هي لعبة مكسورة من المنطلق. من بين عناوينها “الترحال السياسي”، ويشبه انتقال لاعبي الكرة بين الأندية. منتخبٌ فاز باسم حزب الاتحاد الدستوري تجده في الانتخابات التالية مرشحا مع الاتحاد الاشتراكي . أو عضو يميني تم رفض ترشيحه من حزبه فلجأ إلى حزب يساري، ما الفرق؟ هي نفس اللغة والشعارات والمواقف والأهداف والمسافة نحو الامتيازات.

كما تنتعش بالمناسبة “بورصة بيع التزكيات الانتخابية”، ويبرز في الصدارة الأعيان من ذوي الغنى والجاه، وأصحاب الأموال ومروجي الممنوعات، من يطلق عليهم “أصحاب الشّكّارة”، وهم يقومون بجولة “شوبينغ” في شوارع الأحزاب، ليختاروا الحزب الذي يرغبون في الترشح باسمه، أو الذي تم توجيههم لاقتناء التزكية من رئيسه، والمبالغ المالية أكيد كبيرة ووفيرة نقدا. تتوازى هنا تقريبا جميع قيادات الأحزاب، لكن أبرزهم الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، الذي خرجت عدة شخصيات من حزبه تفضحه أمام الرأي العام، وتتهمه بالمتاجرة في تزكيات الترشح باسم الاتحاد، وجلب أشخاص غير لائقين ومشتبه فيهم.

لكن أطرف مثل، هو ترشح أمين عام حزب الاستقلال السابق حميد شباط ضمن لوائح حزب جبهة القوى الديمقراطية (المنشق عن حزب التقدم والاشتراكية)، بعد إبعاده من صفوف حزب علال الفاسي.

غاب حميد شباط عن المغرب بعد فشله في المحافظة على منصب عمدة مدينة فاس، وضياع منصبه في الأمانة العامة للحزب. فتخلى عن مهامه ودوره البرلماني، دون أن يتخلى عن تعويضاته وامتيازاته، ثم عاد من إقامة سياحية ما بين ألمانيا وتركيا استغرقت أكثر من سنتين، ليشغل الواجهة من جديد مرشحا لرئاسة بلدية فاس.

تكتمل الحكاية، بتسابق جميع الأحزاب وزعمها أن برنامجها هو “برنامج صاحب الجلالة”، ومع صدور تقرير ما يسمى بـ”لجنة النموذج التنموي” صارت هذه الأحزاب تتبارى حول أفضليتها في تطبيق برنامج “لجنة شكيب بنموسى” (وزير الداخلية السابق الذي رأس اللجنة الملكية). دون الانتباه إلى أن أول فشل لاختبار “النموذج التنموي الجديد”، المتهافت عليه، قد تم وحصل، وهو عدم النجاح في تحفيز الناخبين واستقطاب فئات الشباب، وإقناعهم بأهمية المساهمة في البناء الديمقراطي، واسترجاع الثقة في المؤسسات، تفاديا للاحتقان الاجتماعي، وتجنبا للاحتجاجات الشعبية التي عاشتها وتشهدها عدة مناطق وجهات بالمملكة.

تحالف غير طبيعي!

الأكثر عبثية واستغرابا من كل ذاك، هو إعلان التحالف ما بين حزبي العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة (“البام” اختصارا).

تحالف نشاز وغريب في شكله ومضمونه، خصوصا إذا علمنا أن أسباب نزول “البام” عام 2009، هي محاربة “البيجيدي” كحزب يستخدم الدين الإسلامي. خاض “البام” معارك على واجهات عدة ضد “البيجيدي”، منها: المسيرة الوطنية الحاشدة عشية انتخابات 2016، التي جندت فيها السلطات لصالح “حزب القصر (البام)” لوجستيك النقل الخاص بمؤسسات عمومية من أجل تعبئة واستقدام آلاف الجماهير إلى شارع محمد السادس بالدار البيضاء. وسارت تحت شعار “ضد أسلمة الدولة والمجتمع”. كان مشهدا لافتا لا ينسى بمبالغته العبثية، إذ إن الحشود التي جيء بهم من المدن والقرى البعيدة لم يكونوا يعرفون لماذا أقحم بهم في المسيرة، ولم يكونوا يعرفون ما هو مكتوب في اللافتات والصور التي رفعوها. وقد اشتهرت هذه المسيرة باسم “مسيرة ولد زروال”، وهو لقب لكائن انتخابي معروف لدى ساكنة إحدى الضواحي الفقيرة بولاية الدار البيضاء، حين صرحت امرأة بأنها لبت نداء “ولد زروال”، فهو من يتكرم عليها كل انتخابات بمساعداته، وقالت أنه اقتنى لها مرة أضحية العيد الكبير.

وقد وثقت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإعلام الجديد تفاصيل هذه المسيرة ــ الفضيحة.

استعصاء إلى إشعار آخر

إن مصداقية الأحزاب دائما مطروحة على المحك، فما معنى ومضمون معارضة “البام” لحكومتي “البيجيدي” المتتاليتين، الأولى برئاسة عبد الإله بنكيران، والثانية برئاسة سعد الدين العثماني؟

ألا يدخل هذا، كما كتب مدون في نطاق “العبث ودفع المغاربة إلى مزيد من النفور واحتقار السياسيين، لأنهم لا يتعاملون مع السياسة بما يكفي من الجدية؟!”.

تلك بعض أعطاب المشهد الحزبي في المغرب، ووفق ما صرح به الباحث الأنثروبولوجي والأستاذ في جامعة برنستون الأميركية، د. عبد الله حمودي، مع هذه المعطيات وغيرها “يصبح من غير الممكن الحديث عن انتقال ديمقراطي في المغرب”.
ويظل إحجام الناخبين بأعداد كبيرة عن المشاركة في الانتخابات عنوان مرحلة طال أمدها، حملت أوصافا ومسميات، منها: “المسلسل الديمقراطي” و”الانتقال الديمقراطي” و”التحول الديمقراطي”.

ومن دون تعمد النظر من خلف نظارة سوداء، ودرءا لأي اتهام بافتراض تطرف أو عدمية، لا يمكن للمتتبع إلا أن يستخلص مما سلف ألا مفاجأة بالانتظار، ولا مؤشرات ملموسة في تجديد قواعد اللعبة السياسية قد تؤكد وجود رغبة جادة في التغيير، وفي إنجاز مشهد ديمقراطي حقيقي.

لذلك يبقى الوضع مستمرا على ما هو عليه إلى إشعار آخر.

المصدر: الحرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى