ذاكرةسياسةميديا و أونلاين

“دابا بريس” تواصل نشر تفاعل حفيظ مع “الربيع المغربي” بعين الصحافي“و حلقة اليوم: قراءة رجعية

هذه الزاوية التي وصلت اليوم حلقتها 13، تحكي وتوثق لصحافي اسمه محمد حفيظ، عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة مع الحزب عبر نشرة ناطقة تقريبا بالشبيبة الاتحادية، بنزقها ومشاكستها يومها للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي يومها والتي اسمها “النشرة”، ثم انتمى لأحد ممن انتمى لمعارك فصل أو على الأقل خوض تجربة بناء صحافة مستقلة وحرة بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة وأحيانا الكابحة لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبنفس المستوى البعيدة عن سطوة إعلام السلطة. في هذه الحلقات ننقل تفاعل إعلامي خاصم بتجربته الصحافية الدولة، بنفس المستوى الذي خاصم فيها انتماءه السياسي الحزبي، متشبتا بمهنيته يومها مديرا مسؤولا عن الحياة الجديدة

————————————–

محمد حفيظ وعبر أسبوعية الحياة الجديدة، واكب الربيع العربي، وواكب بالتفصيل وبالمتابعة مختلف ردود الأفعال أساسا للربيع العربي بصيغته المغربي، وأساسا مع حركة 20 فبراير، ومختلف ما نتج عنها بدءا من أول خروج في 53 مدينة وقرية بالمغرب، لخطاب 9 مارس 2011، لتشكل لجنة وضع الدستور، لمختلف الردود التي نتجت عن خطاب 9 مارس الدي يمكمن اعتباره حمالة أوجه.

لنقرأ بإمعان افتتاحية محمد حفيظ حوالي الشهر وبضع أيام عن خطاب 9 مارس 2022

محمد حفيظ

سبق لي أن ميزت، في هذا الركن، مباشرة بعد الخطاب الملكي لـ9 مارس الداعي إلى مراجعة الدستور، بين قراءة الملك لخطابه والقراءات التي سيخضع لها ذلك الخطاب.
وبالفعل، بمجرد ما انتهى الملك من قراءته لذلك الخطاب، الذي جاء تفاعلا مع حركة 20 فبراير، ستتوالى القراءات.
وأبان الخطاب الملكي عن قدرته على قبول مختلف القراءات واحتمالها، حتى تلك المتناقضة في ما بينها. فالداعي إلى الملكية البرلمانية يجد ما يرتكز عليه في الخطاب. والمتشبث باستمرار الملكية التنفيذية يجد ما يستند إليه. وبعض الدعاة الذين ينظرون إلى ملكية تقع بين البرلمانية والتنفيذية يجدون في الخطاب ما يدعم تنظيرهم. والمجاهد من أجل ملك يسود ويحكم يجد الشاهد على ما يقول في النص (نص الخطاب الملكي). والمناضل من أجل ملك يسود ولا يحكم يجد في مضمون الخطاب ما يدعم دعوته. والمتشبثون بالفصل 19 لم يجدوا في نص الخطاب ما يخالف تشبثهم. والمناهضون للفصل المثير للجدل وجدوا في المرتكزات التي وردت في الخطاب ما يشجع على التجرؤ لتغيير هذا الفصل أو حذفه.

إنه خطاب مفتوح. ويندرج ضمن نماذج الخطابات المفتوحة التي تحتمل تعدد القراءات وتصلح لكل السياقات.
ولذلك، لم تجد بعض الخرجات أي ضير في أن تقول ما تشاء، دون أن تشعر بأنها تعاكس خطاب الملك. فلا يمكن لأحد أن يزعم أن وزير الخارجية السيد الطيب الفاسي الفهري قال ما قاله – بلغة من له علم اليقين – عن الاختصاصات التي سيحتفظ بها الملك، وهو يشك، ولو قيد أنملة، في أنه يخالف منطوق الخطاب الملكي. ولا أحد يمكن أن يدعي أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق قد رمى بجلباب «الوزير السيادي» وارتدى بذلة المعارض لما جاء في خطاب الملك، حين خرج يسابق الزمن ليقول في الجمع بين الدين والحكم ما لم يعد يقول به زماننا.

ولعل أبرز القراءات التي جاءت لتؤكد «الحرية» المطلقة في قراءة الخطاب الملكي هي تلك التي أطلقها المجلس العلمي الأعلى، في البيان الشهير، الذي كشف فيه «علماء المجلس» موقفهم المنطلق من «اعتزازهم» بما جاء في الخطاب الملكي. وهو الموقف الذي يرون فيه «أن قيادة الإصلاحات والبلورة النهائية لمختلف صيغها ترجع إلى أمير المؤمنين، بحكم وظيفته الشرعية في حراسة الدين وسياسة الدنيا». وتأكد هذا الموقف، حين استضافت القناة الثانية، غداة إصدار البيان، ضيفا ينتمي إلى سلك «علماء المجلس» وظهر بمظهر مثير للشفقة ولا يشرف المغرب الذي يريد أبناؤه وشبابه أن يبنوه في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، حين استعمل معجما ينهل من قاموس سياسي (وليس دينيا)، رجعي ومتخلف، وذكرنا ببعض الكلمات التي يفترض أنها أصبحت في ذمة التاريخ، مثل «الرعية» و«الراعي» وما إليهما.

  
إنهم علماء يَدَّعُون، منذ البداية، أنهم يعتزون بما جاء به الملك في خطاب 9 مارس. ومن منطلق هذا الاعتزاز، يصدر عنهم ما صدر من مواقف لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تدرج ضمن المواقف التي تنتمي إلى هذا الزمن الذي نعيشه، فبالأحرى أن تنتمي إلى الزمن القادم الذي يؤسس له المغاربة. ولذلك، فإن مثل هذا الموقف لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام، مثلما تم التعامل سابقا مع مواقف صدرت عن نفس هؤلاء «العلماء».

ولا يمكن أن ننسى، هنا، أن المجلس العلمي الأعلى يرأسه الملك. فهل ما صدر عن المجلس يُحْسَب على الملك؟ هل صدر البيان بموافقة الملك؟ هل تصرف «علماء» المجلس من تلقاء أنفسهم أم دُفِعوا إلى ذلك؟… وقبل هذا وبعده، هل من حق المجلس أن يصدر البيانات؟ إذ لا يجود في القانون المنظم للمجلس العلمي نص يمنح له صلاحية إصدار بيانات.
لم يعد مقبولا أن نظل نتفرج على ما يفعله هؤلاء «العلماء» في الدين وفي السياسة. والمرحلة تتطلب مساءلتهم ومحاسبتهم، هم أيضا، ومحاسبة من يقف وراءهم في السر وفي العلن. إن الزمن الذي نعيشه يفرض علينا أن نسائلهم ونحاسبهم، لنرى هل يساهمون في تقدم بلادنا وتنميتها أم يعملون على استمرار تخلفها وتراجعها؟… يريدون أن يضعوا أنفسهم في موقع «المراقبة» وممارسة «الرقابة» على الأفراد والهيئات والمؤسسات، بينما هم أولى اليوم بأن يخضعوا إلى المراقبة.

أنا لست مع منع هؤلاء «العلماء» من التعبير عن رأيهم، ولكنني ضد «التعالي بالدين» و«الابتزاز بالدين». وحتى إذا أرادوا أن يخوضوا الصراع السياسي، فعليهم أن ينزعوا عنهم جبة الدين ويتنسبوا إلى زمن الديمقراطية…

إن الطبيعة المفتوحة لخطاب 9 مارس تجعل كل الاحتمالات، بخصوص نوع القراءة التي ستسود في نص الدستور القادم، ممكنة. وهو ما يعني أن الخطاب الملكي ترك المجال مفتوحا لاستمرار الصراع والتدافع داخل المجتمع لتغليب قراءة ما. والحسم سيكون، كما علمتنا دروس التاريخ القريب والبعيد، لمن سيصارع أحسن ويدافع أكثر. والميدان هو سيد القرار. ولعل هذا ما يبرر استمرار حركة 20 فبراير في اللجوء إلى الميدان للاحتجاج.

الملك رمى الكرة وسط ملعب المجتمع، كما يفعل حكم كرة السلة. والأكثر قوة في الحركة والقفز إلى الأعلى هو الذي سيمسك بالكرة.
14 أبريل 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى