ذاكرةسياسة

“دابا بريس” تواصل نشر حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير..وحلقة اليوم “المسودة”

هذه الزاوية، التي وصلت اليوم حلقتها 20 ، توثق لكتابات صحافي عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة عن الحزب، من خلال جريدة “النشرة” التي كانت الشبيبة الاتحادية قد أصدرتها، ورسمت لنفسها خطا مشاكسا للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي، ثم انتمى إلى تجربة أخرى، من خلال جريدة “الصحيفة”، التي انخرط عبرها في معركة بناء صحافة مستقلة وحرة، بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة، الكابحة أحيانا لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبعيدة بنفس القدر عن سطوة إعلام السلطة.
في هذه الحلقات، تواصل “دابا بريس” نشر الافتتاحيات التي كان محمد حفيظ كتبها قبل عشر سنوات، بجريدة “الحياة الجديدة”، التي أصدرها بعد توقف “الصحيفة”، في إطار مواكبته لانتفاضات ما سمي إعلاميا ب”الربيع العربي” ونسخته المغربية التي أطلقتها “حركة 20 فبراير”، وتفاعله بالرأي والتعليق مع ما تلا ذلك من أحداث وتطورات…
وهي الحلقات التي نتعرف من خلالها على آراء ومواقف إعلامي حرص في تجربته الصحافية على اتخاذ المسافة عن الدولة، بنفس المستوى الذي اتخذها إزاء انتمائه السياسي والحزبي.

الحلقة 20: المسودة

محمد حفيظ

انتهت لجنة تعديل الدستور من صياغة مسودة مشروع الدستور القادم. وفي الوقت الذي أكتب هذه السطور، قد يكون عدد من زعماء الأحزاب السياسية تسلموا المسودة. أو (وهذا هو الأرجح) أُطْلِعوا على مضمونها، في انتظار تقديم آرائهم واقتراحاتهم باسم أحزابهم التي يمثلونها.
المسودة تكتسي أهميتها من كونها تقدم جواب الدولة على المطالب التي رفعها الشارع المغربي من خلال حركة 20 فبراير التي خرجت إلى الوجود في خضم الحركية التي تعيشها المنطقة العربية. فعلى الرغم من مشاركة أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وهيئات من المجتمع المدني وفئات مجتمعية أخرى في العملية، من خلال تقديم مقترحات إلى اللجنة التي عينها الملك لصياغة التعديلات الدستورية، فإن ما تتضمنه المسودة سيكون جوابا صادرا عن الدولة، مادامت اللجنة التي صاغته ليست لجنة تأسيسية منتخبة من قبل الشعب.
ولذلك، فإن هذه المسودة ستكشف طبيعة تفاعل الدولة مع هذه الدينامية التي نحياها ومستوى تَمَثُّلِها لهذه المرحلة غير المسبوقة في تاريخ الشارع المغربي.


صحيح أن البعض لا ينتظر الاطلاع على المسودة ليتعرف على جواب الدولة. وينطلق هذا البعض من عدة وقائع ومعطيات يعتبرها كافية للحكم على ما سيأتي بين دفتي المسودة. أصحاب هذا الموقف يجدون في الواقع ما يُعَضِّد موقفهم. فهم ينطلقون من اللجنة ذاتها التي كُلِّفت بصياغة التعديلات الدستورية لتأكيد ما يذهبون إليه. فإذا كان بعضهم يتوقف عند مسألة «التعيين» (تعيين اللجنة وليس انتخابها)، فإن البعض الآخر يتوقف عند طبيعة أعضاء اللجنة الذين لا يمثلون مختلف «الآراء الدستورية» المعبرة عن نفسها في الساحة. لقد فهم أصحاب الموقف أن أحد الآراء الموجودة قد أقصيت، منذ البداية، من خلال «بروفايل» أعضاء اللجنة.
وهناك من تكسر لديه أفق الانتظار، حين أخذ علما بالمنهجية التي اعتمدتها لجنة صياغة التعديلات، حيث كان ينتظر أن تشرف على حوار وطني، يكون بمثابة لحظة تأسيسية، تعوض غياب هيئة تأسيسية، بينما وجد نفسه أمام جلسات استماع، يعرض فيها المدعوون بضاعتهم ويغادرون، دون أن يجعلوا الشعب يعيش هذه اللحظة التاريخية، ليشعر بأنه مساهم في تأسيسها، وبأنه سيدخل بالفعل عهدا دستوريا جديدا.

وهناك من خَفَتَ حماسه، حين لم يتابع على الأرض الإجراءات المرافقة التي تتطلبها مثل هذه المرحلة، وهي الإجراءات التي تخلق أجواء الثقة والاطمئنان. لقد شكل إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين خطوة في هذا الاتجاه، كان يُنتظر أن تعقبها خطوات أخرى في اتجاه تصاعدي، لكن هذا التوجه توقف، بل عُوِّض بتوجه معاكس عكسته التدخلات الأمنية القمعية والعنيفة التي استهدفت تظاهرات ومسيرات حركة 20 فبراير، التي يرجع إليها الفضل في تحريك مياه هذه البِرْكة.


ومع ذلك، يمكن أن ننتظر صدور هذه المسودة للحكم عليها. إن المهم في كل هذا الذي يجري في بلادنا، منذ أربعة أشهر، هو أن ماء البِرْكة قد تحرك. وكما يقال: «في الحركة بَرَكة». لقد تحركت مياه هذه البِرْكة بفضل الشباب. وليس ذلك بغريب على الشباب. فلا ننسى أن كل ثورات العالم كان وراءها الشباب. ولأن الشباب وراء هذه الحركة، فلا أظن أن بلادنا لن تحقق ما تبتغيه إرادة شبابها.
لا ننسى أن مطلب الإصلاح السياسي والدستوري ظل مطروحا، منذ التصويت على الدستور الحالي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. ولا ننسى أن عددا من الأحزاب ومجموعة من تيارات المجتمع ظلت تطرحه باستمرار، دون أن تبادلها الدولة بأي رد. وحتى حين بادرت بعض الأحزاب إلى وضع مذكراتها لدى الديوان الملكي، مع ما رافق ذلك من احترام لـ«التقاليد المرعية»، لم تجد مبادرتها أي صدى. وفي المقابل، نشط «التنظير» إلى لا جدوى التعديل الدستوري أمام الأوراش الكبرى التي أطلقها ويطلقها المغرب. وبدأ يتم أحيانا التعامل مع أولئك الذين استمروا في التشبث بتعديل الدستور بشكل تهكمي وساخر. ومما كان يقوله هؤلاء «المتهكمون»، الذين سكتوا اليوم واختفوا عن الأنظار أو انخرطوا في «زمن التعديل»، إن تغيير الفصل 19 لن يوفر الخبز للمغاربة الذين لا يهمهم لا الفصل 19 ولا الفصل 20، بل يهمهم الشغل والسكن والصحة…

لقد انقلبت الأمور. لكن ما الذي حدث حتى تنقلب الأمور لدى هؤلاء أكثر من 180 درجة؟ كلنا يعرف الجواب. إنه «الربيع العربي». الربيع وصل زمانه عند العرب. إنها الحتمية التاريخية. الذين لا يؤمنون بالتاريخ هم من كانوا لا يتصورون أن تشهد هذه المنطقة التي ننتمي إليها، في يوم من الأيام، ما تشهده اليوم.

للتاريخ قوانين. وما نعيشه اليوم يؤكد هذه القوانين. ولذلك، فإن كل متردد في التوجه نحو إصلاح سياسي حقيقي في المغرب إنما يسير في الاتجاه المعاكس للتاريخ. والاتجاه المعاكس للتاريخ هو الاتجاه الرجعي؛ أي الاتجاه غير التقدمي. ببساطة، لأن اتجاه التاريخ دائما تقدمي.
ولذلك، فإن الوصول إلى دولة ديمقراطية في المغرب سيتحقق بالرغم من «إرادة» المعترضين. سنصل إلى ذلك، لأنه هو المصير الحتمي، كما علمتنا وتعلمنا دروس التاريخ.

السؤال الذي يطرح علينا اليوم في هذا الخصوص هو: بأية كلفة سنصل إلى هذا المصير؟ هل سنصل إليه بكلفة أقل، أي بدون خسارة في الأرواح أو في الثروات وفي الزمان، أم سنتكبد المزيد من الخسارات قبل أن نصل إلى مصيرنا المحتوم؟
يكفي أن ننظر إلى ما عاشته بلادنا في الآحاد الثلاثة الأخيرة، لنعرف أي اختيار من الاختيارين يصلح لنا.


أما شباب 20 فبراير فقد كان واقعيا، حين تبنى مطلب الملكية البرلمانية. لقد عبر، منذ البداية، عن نضجه الذي يتجاوز سنه، وعن حسن قراءته للواقع السياسي المغربي، وعن استحضاره لما يمكن أن يدخل ضمن «التراكمات».
فهل ستكون «المسودة» في مستوى هذا النضج؟ أم سَتُضَيِّع موعدها مع التاريخ؟ قريبا، سنعرف الجواب.
9 يونيو 2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى