رأي/ كرونيك

كَومينة نجيب يكتب: زعزاع المناضل النموذج

رحل عبدالله زعزاع، أحد قادة منظمة “إلى الأمام” والوجه العمالي البارز في اليسار السبعيني، و لن تصلني بعد اليوم تدويناته في هذا الفضاء الأزرق.

بقلم الصحافي محمد نجيب كومينة

زعزاع جرب التطرف الذي طبع تجربة اليسار الماركسي اللنيني في سبعينات القرن الماضي، وجعل القمع ينال بسهولة منه، و كان له أيضا أثر كبير على ما آل إليه الصف التقدمي بالمغرب خلال العقود التالية وإلى اليوم، وجرب زعزاع الاختطاف والتعذيب من طرف وحوش بشرية والسجن لمدة 15 سنة، بعدما حكم عليه بالمؤبد+سنتين في محاكمة 1977 التي تولى النطق بأحكامها القاضي الإخواني افزاز، الذي تولى رئاسة المجلس العلمي لوجدة ثم الكتابة العامة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في فترة عبدالكبير المدغري.

زعزاع بقي متشبثا بكثير من مواقفه التي كان يعبر عنها بلا لف أو دوران، لكنه راجع الكثير منها، مما جعله يحقق أشياء لم يحققها غيره من الذين ظلوا يعتقدون أن الشعب سيتبعهم متى ألقوا خطابا أو دبجوا مقالة، أو تدخلوا في ندوة، حيث اتجه الى العمل الميداني مع الناس، بداية بسكان الحي، و تمكن من خلق عدد مهم من جمعيات السكان بأحياء الدار البيضاء والمحمدية ومن تشبيك هذه الجمعيات، وأعطى بذلك نموذجا للعمل الجمعوي المدني التطوعي الذي لا يتوخى الظهور ولا العنترية ولا الحصول على التمويلات الأوروبية وغيرها، ولا الأسفار والانتقال من طائرة إلى أخرى أو الحصول على التعويضات…،

و قد أبقاه هذا العمل الجماعي والشعبي وفيا للفكر الماركسي الذي تبناه مند شبابه وجنبه الانجراف وراء الموضات التي جاءت مع النيوليبرالية وحرفت نظرة الكثير من اليساريين عن الارتباط الوثيق بين الحقوق المدنية والسياسية، كحقوق فردية تستند إلى منطق ليبرالي، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير القابلة للاختزال.

وبناء على تعاقده مع السكان، وليس بناء على رغبة سابحة في الأعالي، تقدم عبدالله زعزاع للانتخابات الجماعية وفاز و خاض صحبة أصدقائه تجربة مشرفة جدا، وذلك رغم قيل وقال رفاقه القدامى الذين زايدوا عليه بجدرية لا تقوم على أساس في هذه وفي ترشيح شبكة جمعيات الأحياء لجائزة كان صديقه وداعمه التازي من شجعه عليه، كما لم يفت عبدالله زعزاع أن يعمل على ضمان حضور إعلامي من خلال إطلاق جريدتي المواطن ثم المواطنة، ومن المعروف أن اعتقال نوبير الاموي جاء بعد حوار مع جريدة المواطن هاجم فيه “المنغانتيس” (كلمة إسبانية مرادفة لكلمة اقطاطعية في الدارجة المغربية).

عبدالله زعزاع كان نموذجا للمناضل الميداني الذي يعمل من أجل تحقيق نتائج وليس مناضل المقاهي والمطاعم و ندوات الفنادق خمسة وأربعة نجوم التي تتكرر فيها نفس الوجوه ونفس الخطابات و تزيد من عزلة وغربة اليسار، وهو نموذج أيضا للعمل المدني الذي يكرس التطوع والتضحية ولا يتغيا الحصول على المنافع الصغيرة .

عليك الرحمة أيها الشهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى