رأي/ كرونيك

انتخابات المغرب.. تاجر محروقات يطرق بقوة باب رئاسة الحكومة

في منتصف ليلة السابع من هذا الشهر، سيسدل الستار على الحملة الانتخابية الجارية في المغرب، لتفتح في اليوم الموالي (8 سبتمبر 2021) أبواب مكاتب التصويت الخاص بثلاث اقتراعات في العملية ذاتها، وهي انتخابات المجالس الجماعية (البلدية والقروية)، وانتخابات المجالس الجهوية، وانتخاب مجلس النواب. ولأول مرة سيجري العمل بقوانين انتخابية جديدة، أهمها إلغاء العتبة و”القاسم الانتخابي”. ووفق بيانات لوزارة الداخلية المغربية بلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية 17 مليونا و983 ألفا و490، من أصل نحو 36 مليون نسمة. 46 % منهم من الإناث. وهو نفس الرقم الذي يمثل نسبة ساكنة المناطق القروية.
يشارك في الانتخابات الحالية 32 حزبا، قدموا 9998 مرشحا ومرشحة، توزعوا على 1704 لائحة برسم مجموع الدوائر المحلية. أما عدد مقاعد مجلس النواب فهو 395 مقعدا.

مثل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، تؤكد وسائل الإعلام الرسمي، أن “انتخابات الثامن من سبتمبر 2021 ستشكل محطة جديدة على طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية” في المغرب. وأن “التدابير اللازمة قد صدرت لضمان نزاهة ومصداقية الانتخابات” من أجل “كسب الرهان”.

توراني
بقلم عبدالرحيم التوراني

مرشحون بلا وجه

كل حزب أدلى ببرنامجه الانتخابي وقدم وعوده للناخبين المفترضين. برامج ووعود لا تختلف في صياغتها وبنائها ومنطوقها عما اعتاده الناخبون المغاربة وألفوا سماعه في الانتخابات السابقة. إذ أن محاولات الدفاع عن “مشروع النموذج التنموي” الذي اقترحه ووافق عليه ملك البلاد، وتبنته أغلب الهيئات، يتم باللغة ذاتها، فلا جديد يذكر ولا مجال للإبداع والابتكار والتجديد! ولا مفاجأة لمن ينتظرها جديرة بالتسجيل. الهزالة واضحة على مستوى الخطاب التعبوي والعرض السياسي، حتى أن المرء يحار في تشابه الشعارات واستنساخها وانتحالها، بسيرها ذهابا وإيابا بسلاسة بين مختلف الأحزاب المشاركة في “اللعبة الديمقراطية”.

بل إن مواطنين في أكثر من جهة ومنطقة طردوا مواكب سيارات الحملة الانتخابية التي زارتهم، وأظهرت فيديوهات على موقع اليوتيوب طرد الشباب لممثلي حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة منذ عشر سنوات. حيث واجه الناس أكثر من مرشح إسلامي بكونه لم يغير شيئا ولم يف بوعوده الانتخابية، وإنما غير فقط وحسن من أحواله. الأمر نفسه تكرر مع أحزاب أخرى، مثل حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الدستوري وحزب الحركة الشعبية وغيرها.

إلا أنه لوحظ هذه المرة زيادة في عدد المرشحين الذين بدلوا أحزابهم الأصلية والتحقوا بأحزاب أخرى، أو مرشحين أقدموا على تغيير دوائر ترشيحهم السابقة. في عملية أشبه بـ”هروب” من المواجهة. وهو ما حصل مع رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني (65 سنة) الذي أثار تغييره لدائرته للمرة الثالثة على التوالي موجة انتقادات عالية، فمن أنزكان بأغادير (2012) إلى المحمدية بالدار البيضاء الكبرى (2016) إلى دائرة المحيط بالعاصمة الرباط (2021). بخلاف الاشتراكي د.عبد الواحد الراضي (86 سنة) الذي دأب على الالتزام بالترشح بالدائرة نفسها، فأصبح موضع سخرية فيسبوكية لاذعة، اقترحت “اعتماده من لدن منظمة اليونسكو بتصنيفه تراثا برلمانيا عالميا”، بسبب عدد المرات والسنوات الطويلة التي ترشح وصعد فيها إلى البرلمان ممثلا عن دائرة سيدي سليمان (جهة الرباط سلا القنيطرة)، فمنذ أول برلمان في تاريخ المغرب المستقل (1963) ظل عبد الواحد الراضي حاضرا، باستثناء برلمان 1970 الذي قاطعه حزبه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وسبق للراضي أن كان وزيرا وترأس مجلس النواب.

كما زادت نسبة من بدلوا انتماءهم الحزبي، فيما يعرف بـ”الترحال السياسي”، منهم من انعطف يسارا بعد أن كان بحزب يميني. كما تحول محسوبون على اليسار إلى أحزاب اليمين. ما رسخ عدم الثقة الشعبية، وجعل الكثيرين يرددون القول السائر “أولاد عبد الواحد كلهم واحد”، ووصفوا “المتحولين” بكونهم أشخاصا لا يخجلون و”بلا وجه”.

المرشحون “بلا وجه” حقيقة لا مجازا حضروا أيضا بكثرة في هذه الانتخابات، وأغلبهم من النساء، إذ تصادف منشورات وإعلانات انتخابية تتضمن أسماء نسائية عديدة بلا صور. ولوحظت هيمنة ترشيح المحجبات منهن، والمثير أنهن لم يغبن عن لوائح تحالف فيدرالية اليسار، ولوائح الحزب الاشتراكي الموحد الذي تتزعمه امرأة حداثية متحررة وسافرة.

أما اللوائح المتضمنة لنفس الاسم العائلي فتعددت هي الأخرى. لوائح تتضمن الزوج وزوجته ودريتهما الصالحة مع الأصهار. ونسوق مثل لائحة عائلة حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، المتقدم هذا العام للانتخابات الجماعية بمدينة فاس ضمن لوائح حزب جبهة القوى الديمقراطية مع زوجته وأولاده.

وفي إطار انتقاد الترشيحات العائلية، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ملصق يتضمن صورة اليسارية د. نبيلة منيب في لائحة زعم إنها تضم ابنتها وصهرها وشقيقها، ليتبين أنها دعاية زائفة، إذ أن من “اتهم” بمصاهرة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد لا تجمعه بها صلة سوى الانتماء للحزب. لكن بعض الأنصار من صفوف اليسار خصوصا، انطلى عليهم التضليل وتسرعوا قبل التأكد من الحقيقة. وهو ما بادرت إلى توضيحه في تصريح مصور الدكتورة نبيلة منيب رفقة الدكتور أشرف أولقاضي المرشح المعني في دائرة دار بوعزة بإقليم النواصر. إذ توليا معا شرح أنها حملة تضليلية فاشلة من صناعة الحاقدين و”الخائفين المرعوبين” من الاشتراكي الموحد، على حد قول نبيلة منيب.

في السياق ذاته تم إعداد ملصقات انتخابية أخرى برموز أحزاب مشاركة وبأسماء مضحكة ووعود ساخرة، لكن سرعان ما يتضح للمتلقي أنها مزيفة وملفقة أنجزت بواسطة استخدام تقنية “الفوتوشوب”.

تغيير “اللوك” والجهاد ضد الكفار

دائما، عن تغيير الانتماء والترحال السياسي، نذهب إلى مدينة الصويرة (جنوب الرباط)، حيث أن أسماء الشعبي ابنة الملياردير ميلود الشعبي، وأول سيدة انتخبت عمدة في تاريخ المغرب، تعمدت تغيير “اللوك” الخاص بها، وظهرت بـ”لوك” جديد ومختلف لا صلة له بسيدة ثرية حداثية من علية القوم وخريجة جامعة وستمنستر في لندن. فبعد أن كانت تظهر بشعر حليق “كوب غارسون” وسروايل جينز، لما كانت ضمن حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي)، لجأت أسماء الشعبي إلى ارتداء الجلابة النسائية التقليدية وتغطية رأسها في جولتها عبر شوارع وأزقة “موغادور” (الاسم الفنيقي للمدينة)، بغاية إقناع الناخبين للتصويت عليها مرشحة عن حزب الحركة الشعبية اليميني.

من بين اللوائح التي أثارت الكثير من التعليقات، لائحة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكيلها من أسرة التعليم الابتدائي، تقدم في دائرة زاوية سيدي علي تمكروت بزكورة في الجنوب، توضح صورته بلحية وشارب معفي أنه من توجه إسلامي، وهو ما ستؤكده تدوينة له نشرها على صفحته بالفيس بوك ووعد فيها ساكنة الدائرة، بـ”إعادة توزيع الثروات والممتلكات، والجهاد ضد الكفار إلى يوم القيامة”. وتردد أن قيادة الحزب طلبت من مرشحها المعني حذف التعليق والتوقف عن نشر تدوينات مخيفة وذات نفحة “إرهابية”. وهو ما يدل بجلاء على ضعف كبير لدى معظم الأحزاب على التواصل السياسي.

كورونا تطل فجرا وتنتخب الملياردير

بالرغم من جائحة كورونا، تمسكت السلطات بإجراء الانتخابات في موعدها المرسوم. لكن وزارة الداخلية المغربية جددت التذكير بمجموعة من التدابير الاحترازية المتخذة للوقاية من الوباء، وأعلنت تدابير طارئة تخص التجمعات العامة والخاصة المنظمة من لدن الأحزاب والمرشحين في سياق الحملة الانتخابية، حيث تقرر منع التجمعات والولائم، على ألا يتخطى عدد المتجولين في الحملة الترويجية عشرة أشخاص، وعدد السيارات المستعملة في قوافل الانتخابات، خمس سيارات.

وقد أشارت تقارير إخبارية إلى لجوء أتباع حزب العدالة والتنمية بمدينة طنجة (شمال المغرب) إلى الالتفاف على قوانين الحجر الصحي، حيث يحظر التجول ما بين التاسعة ليلا إلى السادسة صباحا، بقيامهم بتوزيع مناشير الحزب الانتخابية بعد صلاة الفجر مباشرة، دون اهتمام بالجلبة والضوضاء التي تسببوا في إحداثها بإزعاجهم للمواطنين النائمين.

في مراكش أوقفت مسؤولة إدارية بالداخلية رئيس التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش حين كان يهم بإلقاء كلمة في اجتماع تواصلي مع مرشحين من حزبه بمسرح للهواء الطلق. وكما يشهد من حضر الاجتماع “أن السيدة الباشا جلست تتابع اللقاء، واستمعت إلى كلمات بعض الحاضرين، ولم تتدخل إلا عندما تقدم عزيز أخنوش رئيس الحزب لإلقاء خطابه. ساعتها صعدت ممثلة السلطة المحلية بزيها العسكري إلى المنصة وأمرت رئيس الحزب فض الاجتماع فورا، تطبيقا لقوانين الطوارئ والاحترازات الصحية التي يعيشها المغرب بسبب كورونا.

أجمعت التعليقات على أن القانون هو القانون، لا يميز أحدا. وأشاد آخرون باستجابة أخنوش وخضوعه للقانون. فيما خرج أحد المعلقين المقربين من الأجهزة، “يبشر” بأن عزيز أخنوش هو رئيس الحكومة المقبلة “من دون شك”. وأدى بآخرين إلى الارتياب في ملابسات المنع والتوقيف الذي تعرض له الاجتماع التواصلي للملياردير المسيطر على سوق المحروقات في المغرب.

وللإشارة أن أخنوش في إحدى خرجاته قبل عام ونصف، توعد خصومه ومعارضيه من المواطنين العاديين بـ”إعادة تربيتهم”، ردا على حملة المقاطعة الاقتصادية التي تضررت منها شركته البترولية.

الثلاثي الحكومي القادم تحت راية العزوف

لذلك، ينتظر أن تفرز انتخابات 8 سبتمبر 2021 خريطة عالية “البلقنة”. تتحكم في ميكانيزماتها السلطة أكثر فأكثر. وهذا هو ما هدف إليه من صاغ دستور 2011 والقوانين الانتخابية المستندة إلى هذا الدستور الذي جاء بعد “انتفاضة 20 فبراير” المنبثقة من رحم الربيع العربي.

ويبقى أمل حزب العدالة والتنمية ضعيفا في تكرار الفوز بولاية ثالثة، بعد عقدين من رئاسته للحكومة، اعتبارا لإجراء ما يسمى بـ”القاسم الانتخابي” في حساب الأصوات، ونظرا لتقليص عدد مرشحيه إلى نصف ما كان عليه في انتخابات 2016، وسكوته عن تغول سلطوية الدولة باستهداف “مصداقية الإسلاميين”.

فيما ينافس حزب الأصالة والمعاصرة على تبوؤ المرتبة الأولى لكسر هيمنة إخوان سعد الدين العثماني. وهي الغاية ذاتها التي يراهن حزب التجمع الوطني للأحرار عليها بشراسة لقيادة الحكومة المقبلة.

لذلك لن تخرج تشكيلة التحالف الحكومي المقبل عن هذا الثلاثي الحزبي، وقد يضاف إليها حزب الاستقلال، أو تؤثث بحزب الاتحاد الاشتراكي كما هو حاصل في الحكومة الحالية التي يشارك فيها الاتحاد بوزير واحد.

مقابل هذا الثلاثي، نجد ثلاثي أحزاب اليسار الديمقراطي الذي انفرط عقد تحالفه فجأة ليلة الانتخابات، فمن المحتمل أن يتم تحسين ترتيبها وتحقق نتائج متقدمة مقارنة بالانتخابات السابقة. كما ينتظر وصول نبيلة منيب إلى البرلمان لخلافة اليساري عمر بلافريج المتراجع عن الترشيح مرة ثانية لعضوية مجلس النواب.

كثيرة هي الطرائف والحكايات المصاحبة لانتخابات 2021 كسابقاتها، لكن ما ينبغي تسجيله بشكل عام هو أنها انتخابات تجري دون تفاعل حقيقي وملموس من المعنيين، وبعيدا عن الناخبين والساكنة، فالعزوف هو العنوان الأبرز لهذه الاستحقاقات، والقرف والغضب على الألسنة اتخذ صيغا مختلفة، مثل شتائم وانتقادات يوزعها الناس على من يوقفهم في الشارع أو يطرق أبوابهم ليكلمهم في موضوع الانتخابات. إذ تبين أن استعادة ثقة المواطنين في الأحزاب والعملية السياسية أمر صعب وليس بالهين، بعد أن تزعزعت الثقة أكثر في العقود الأخيرة، بسيادة “المال الحرام” في شراء الذمم…

ذلك ما يشدد عليه أكثر من مراقب، إن استحقاقات 8 سبتمبر 2021 ستسجل في التاريخ كانتخابات استثنائية في ظروف صحية استثنائية، وبأساليب تذكر بأسلوب وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، أو بسلفه الجنرال الدموي محمد أوفقير المتورط في السبعينيات في انقلاب عسكري ضد الملك الحسن الثاني. انتخابات تجرى “بلا رهانات” و”بلا أفق ديمقراطي حقيقي”، وإذا ما بنينا على التخفيف، يمكن القول بأنها “أفشل انتخابات يشهدها المغرب” حسب تدوينة عابرة لصحفي مغربي مخضرم.

المصدر: الحرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى