الرئسيةثقافة وفنون

تتعدد فيه الشخصيات وتتعدد معها المعاناة والمعالجة الدرامية…هشام عيوش.. “حمّى” المهاجر وأسئلته

هذه المادة تعيد “دابا بريس” نشرها باتفاق مع الكاتب

بقلم سليمان الحقيوي الكاتب ولبناقد السينمائي

في ثاني أفلامه الطويلة “حمى” (2013)، يضيف المخرج المغربي (هشام عيوش) قصة أخرى عن المهمشين إلى متنه السينمائي الذي يعلن عن انحياز صريح لهذا المنحى التيماتيكي، منذ شريطه الأوّل (شقوق) 2011، الذي يحكي مصائر ثلاث شخصيات تتقاذفها عوالم مدينة طنجة، وأيضا خلال ثلاثة أفلام قصيرة، (وشم العذاب) 2002، (على جناح) 2004 ثم (بخط الزمان) 2005.

يختار عيوش سينما الهجرة كمدخل لقصة عن بينجامين وهو طفل في سن 13، يعيش حياة مضطربة وموغلة في الضياع مع أمه الفرنسية التي انفصلت عن زوجها المغربي، والذي لا يعرف عنه بينجامين أي شيء.

لكنه سيضطر للانتقال للعيش معه بعد الزج بأمه في السجن، سيجد بينجامين نفسه داخل عالم غريب عنه، عالم يستند إلى قواعد، تختلف عن تلك التي يؤمن بها وهو الطفل الذي يعيش فترة مراهقة قاسية، لذلك سيغلب العنف والرفض والتمرد على لغة بينجامين مع أفراد عائلته الجديدة ويتبني سلوكات سادية ومستفزة لها. وفي حال الضياع هاته يجد صديقا فريدا، مهاجر جنوب إفريقي كلود/ توني هاريسون، يتخذ عربة سياحية كمنزل له بضواحي المدينة، ويصبحا صديقان رغم فارق السن بينهما، ورغم لغة كلود الشاعرية والبعيدة عن فهم بينجامين الذي لم يهتم بفهم كل شيء مما يقوله صديقه، بقدر ما اهتم بدفئ صداقته.

“يقف الفيلم في منطقة مشتركة بين الإنسان المهاجر، والإنسان الفرنسي نفسه”

ليس بينجامين وحده من يعيش الاضطراب والفقدان، بل كل الشخصيات تغرق في نفس البحر، فوالده كريم زيروبي/ سليمان دازي، يعيش دون هدف وحياته مليئة بالخواء، نجده صامتا طيلة الوقت، وبعواطف باردة. أما الجد عبد القادر زيروبي/ لوني تازيرت فيحلم بالعودة إلى الوطن وبناء منزل هناك وقضاء مابقي له من عمر فوق تراب الوطن، بعدما اكتوى بجمر الهجرة، ولم يكتفي المخرج بقضايا تهم المهاجرين المغاربة فقط، بل جعل القصة تنفتح على الإنسان المهاجر، لذلك سيعالج حيوات أخرى كحياة كلود المهاجر الإفريقي الذي هرب من الحرب والدمار في بلده، إلى معاناة أخرى تبدو ناعمة، ولكنها دمّرت دواخله، وهناك أطفال المهاجرين وتعدد مشاكلهم واحتياجاتهم غير المنتهية.

 

فيلم “حمى” لهشام عيوش يفوز بجائزة مهرجان فيسباكو

إن رحابة القصة وعدم اقتصارها على جنسية واحدة، وعرق واحد، أو فئة واحدة، جعلت الفيلم يقف في منطقة مشتركة بين الإنسان المهاجر، وحتى الإنسان الفرنسي نفسه. وهذا التنوع أظهر الفيلم بوجه عالمي، وأبعده عن المحلية التي تغرق فيها العديد من الانتاجات السينمائية العربية.

فالمخرج جعل شخصيته الرئيسة تتجول في فضاء شاسع، وأثناء هذه الرحلة كانت الكاميرا توسع من دائرة التقاطها، لتتعدد الشخصيات وتتعدد معها المعاناة والمعالجة الدرامية.

ليس صعبا أن نلاحظ أن هشام عيوش، تبنى اختيارات فنية مغايرة تماما لتلك التي اعتمدها في فيلمه السابق شقوق الذي اعترف_ هو نفسه_ أنه لم يعتمد فيه نصا مكتوبا. واختار بشكل غير مبرر أحيانا كاميرا محمولة على الكتف، ولقطات سريعة ومربكة، جعلت الفيلم فقير فنيا، ومضمونيا. لذلك نجده هنا يناقض اختياراته السابقة، ويراهن بشكل مقصود على تجاوز منجزه السابق. فأول ما يلفت الانتباه جودة السيناريو الذي كتبه المخرج بمصاحبة كل من عائشة اليعقوبي وعبد الحفيظ بن عثمان، فهناك عناية خاصة بمستويات اللغة الموظفة في الحوار ثم المزاوجة بين لغة الشارع العنيفة، ولغة شاعرية جميلة كانت في الغالب مقتصرة على شخصية كلود. غير أن اعتماد الفرنسية لغة وحيدة، أفقدت الفيلم هويته. ويظهر الفضاء شاسعا ومتنوعا، وغير مقيد، رغم محدودية الشخصيات الشاغرة له.

واختار المخرج الكاميرا الثابتة وجعلها مواجهة للشخصيات أينما حلت، خصوصا بينجامين، الذي نال النصيب الأكبر من التقاطاتها، وأصر في بعض الأحيان على التركيز على وجه بينجامين وهي شجاعة غير محسوبة منه، لأن هذه الشخصية لم تقدم التعبيرات اللازمة في كل مرة اقتربت منها الكاميرا. ومستوى الألوان والإضاءة ساهما في رسم جو القلق والاضطراب والقتامة المحيط بالقصة من كل جوانبها بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية التي لم تحضر بشكل كبير، لكنها أكملت رسم حلقات المشاعر والعواطف في الفيلم. كما استطاعت لغة الفيلم تضمين التيه لأغلب المشاهد، ليصبح رسالة بارزة لا يمكن تجاوزها.

المخرج هشام عيوش

من جهة ثانية، فقد بدت القصة فاقدة للحيوية التشويق، خصوصا عند استغراق بعض المشاهد في السرد دون أن تحمل جديدا على مستوى تطور الأحداث، وهذا التكلف جعل نواة الفيلم مناسبة لفيلم أقصر زمنيا من الذي شاهدناه في 90 دقيقة. والحكاية كانت لتنتهي دون الوصول للمدة التي اختارها المخرج وطاقمه التقني.

يعتبر فيلم حمى من الأعمال القليلة التي تجنبت الدخول في معترك نقدي مضاد لاختيارات المخرجين المغاربة الشباب الذين تشبعوا بثقافة سينمائية فرنسية، لأنه لم يحرك قضايا صارت ثابثة في هذا التوجه الحداثي مثل الجسد والطابوهات والتواضعات الاجتماعية في البلد الأم، لكنه وقع في مأزق آخر هو مأزق الهوية، فلا مبرر لاختيار فرنسا مكانا أوحد للتصوير، وتبني الفرنسية فقط لغة للحوار وتغييب العربية رغم وجود شخصيات رئيسية مغاربية الجنسية، فالتنوع كان ليضيف الكثير للقصة خصوصا أن رهان المخرج تمثل في نقل صورة عن معانات المهاجر المغاربي التي امتدت لعقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى