الرئسيةثقافة وفنون

صباحياتنا دابابريس: مشروع سردي “السفينة”

عبد الكريم أوشاشا:"صباح النور أيتها الغالية هذا مشروعي السردي القادم أحاول أن أضعه على نار هادئة حتى ينضج"

 


بثينة المكودي

للأدب والفن والثقافة بصفة عامة، دور مهم في تهذيب النفس واستمالة السعادة والثقة وحب الحياة، خلال صباحياتنا اليوم اخترنا مقتطف من مشروع سردي لكاتبٍ مغربي ملتزم بالقضايا الاجتماعية والسياسية في بعدها الانساني.”

عبد الكريم أوشاشا يسرد على نار هادئة مشروعا أدبيا، يحيلك في الوهلة الاولى الى أحداث عاشها المغرب، ربما قريبا متعلقة بالزلزال، أو متعلقة بعبق الزمان, أو معاناة الإنسان ، لكنه سرد جميل وهادئ يجذب القارء نحو فتح نوافذ الخيال وخوض غمار الأحداث والبحث عن مرسى السفينة.

السفينة1:

في لحظة واحدة، وبضربة ساحر ماكر، اختفى ” الدوار الجديد ” بكامله، فغرت الأرض أشداقها العملاقة، وابتلعت الدوار بكل أجنحته: من ” أغرويز ” إلى حقول اللوز، ومن ” إغير نحاحان” إلى الأبراج الأربعة المنتصبة كأثداء كلبة.

عادت الأرض منبسطة كما كانت. وحدها الريح تولول في دوامات خرقاء من الغبار.

أخيرا طفق وادي ” أليلي ” يتدفق بعد موات طويل، وبعد أن كان لعقود عديدة ندبة غائرة تخترق ظهر الجبل.

غمر “السوق” وحي “تقات”، وزحف مخاتلا مزمجرا كتنين متوحش نحو ” أزيلال القديم “.

بصعوبة أرست السفينة أمام البرجين الرئيسين بعد أن دارت في اتجاه انحسار المياه معاكسة تدفقها، وكادت زعانفها تحطم جدران البرج الأيسر، فأطلقت صافرتها معلنة عن جنوحها.

وكمقدمة أطلق ” شرشور ” بأنامل دقيقة وطويلة لأمير من السحرة، لحن ناي راقص معتق بالبكاء والعذاب والشجن ومواجع الغربة، وشعره الفاحم ينسدل على كتفيه. وعندما صعدت الغصة إلى الحلوق انخرط البندير ولوطار في حفلة من الشطح والنشوة الغامرة.

هنا انقسمت الشيخات بأجساد غضة، لكنها ضحمة، إلى فريقين يتبارزان.

عندها، صاح أحدهم “حرّك موزون”.

أنزلت السفينة سلالمها إلى الأرض، وكانت “للا رقية” أول من لمس سطح الأرض. للا رقية بفستان الأورجانزا الشفيف هي الآن ملكة السفينة، والفتى “شالاما” يحمل من ورائها ذيل الفستان الطويل وهو يرج كتفيه مقلدا “تاشينويت”.

طابور طويل،

نزل “علي كرفش” وهو يمتطي إحدى بقراته، ويدمدم مقلدا غارات الطائرات المقنبلة. تبعه “إبراهيم المومن” يحمل قارورة عطر. وبجانبه ” طغو ” يرتل بصوت عال :

نحن أنذال هزل ومرتخون
شيوخ حسادون وبذيئو اللسان
لا أرى سوى الحمقاوات والحمقى
إن النهاية في واقع الأمر قد اقتربت
كل شيء سيء.

*السفينة. – -* *2*

في ذلك الصباح وجد سكان “الدوار الجديد” أنفسهم بدون مساكن !! وجدوا أنفسهم فجأة أمام الديناصور المعلق في الساحة وهو يحدق فيهم بعينين ناعستين، عينين باردتين مطفأتين.

دمعت أعين الناس. تذكروا بغلة الزاوية. تذكروا الحاكم الكومندار موحتان. تذكروا الكانتينة. تذكروا الروبلة. تذكروا حقول الإجاص والمزاح التي يحرسها بوكافر. وساقية “لا بروال” الزاهية بالبنات وماء الحياة.

أخذ ” إبراهيم المومن ” يرش العطر من قارورته على الحاضرين ويعانقهم واحدا واحدا، والدموع تظفر من عيونه الجاحظة وتنساب على صفحة وجهه العريض.

بدا متأثرا جدا: هل تذكرتموني ؟ أنا هو، نعم، إبراهيم المومن. بّا براهيم.

عواطفه الجياشة التي يغمر بها الجميع لا تتناسب بتاتا مع قامته الهرقلية.

– هل تذكرتم السمكة ؟ السمكة التي انزلقت.. هيك.. هيك..

انزلقت السمكة، إنها جحش صغير يضرب بقوائمه الصغيرة الجميلة الهواء والأرض ويركض ويركض، وأنا خلف السمكة، وأنا خلف الجحش..

– كنت أصطاد لكم الأسماك والأرانب والقطط الوحشية.

– كنت أحبكم. أخلع ملابسي كلها. كما ولدتني أمي التي لا أعرفها. كي ترونني هكذا عاريا. عاريا مثل رضيع صغير.

آه ذاكرتي وهبتها للماء.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى