حول العالم

تحليل سياسي: ها هي المشكلات الكبرى تبدأ بالنسبة لترامب

على الرغم من النهاية السعيدة التي وصلت إليها قضية “رشاغيت” بالنسبة لدونالد ترامب، إلا أن موقفه الآن أصبح أكثر صعوبة من موقفه بداية فترته الرئاسية بينما يحوم

الشك حول إعادة انتخابه.

تسبب الحماس الشديد الذي عمل به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بخلق أزمات حول العالم، وفي نهاية المطاف، إلى خلق وضع قد تصل فيه بعض هذه الأزمات إلى ذروتها في نفس الوقت، وغالبا ما ستعجز الولايات المتحدة الأمريكية حينها عن حل كل تلك الأزمات لصالحها.

من الممكن أن تجتمع الأزمتان في كل من إيران وفنزويلا، حيث أنهما أزمتان مرتبطتان ببعضهما البعض، على الأقل من ناحية أنه يتعيّن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تختار فيما بينهما خصما تبدأ عدوانها عليه وحده، فلن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية خوض حربين على جبهتين في نفس الوقت، حال إعلانها العدوان.

في الوقت نفسه، فإن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية فعليا تجاه خفض تصدير النفط من الدولتين المصدرتين الضخمتين للنفط، غالبا ما سوف تتسبب في خفض تصديرهما للنفط، حتى دون إعلان أي عدوان على أي منهما، وارتفاع حاد لأسعار النفط، وهو ما قد يسرع من وتيرة تدهور الوضع الاقتصادي العالمي، في وقت تبدو أزمة اقتصادية (شبيهة بأزمة 2008) وشيكة الحدوث. ويبدو البديل الوحيد هنا في استيراد الصين لنفط كل من فنزويلا وإيران، لكن ذلك أمر لا يمكن أن يمر دون تصعيد خطير في العقوبات والعقوبات المضادة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتداعيات على مستوى التوتر في العلاقات بين البلدين.

وتقع الصين تحت ضغط هائل، جراء الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية عليها، ولا يمكن للصين أن تقبل خسارة إحدى أدوات تفوقها متمثلة في نفط منخفض الأسعار، فاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية أكثر فعالية من حيث استخدام الطاقة، بينما تبلغ حصة الطاقة في البضائع الصينية مستوى أعلى. لذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط سوف يضرب الصين على نحو أكثر إيلاما من الولايات المتحدة الأمريكية، أو أوروبا، أو الغرب بصفة عامة.

لذا سوف يؤدي تفاقم أزمتي فنزويلا وإيران تلقائيا إلى تفاقم الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وبينما تحرص الصين في الوقت الراهن على الالتزام بسياسة تقديم تنازلات صغيرة مقابل شراء الوقت الذي تحتاجه للتنمية ولتطوير القدرات، في إطار استراتيجيتها لتجنب المواجهة، لحين التفوق على الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن المارد الصيني سوف ينتفض بكل قوة وعزم إذا ما أغلقت الولايات المتحدة في وجهه كل المنافذ، وحينها سوف تتخذ الصين مواقف أكثر حزما فيما يخص قضيتي إيران وفنزويلا.

كذلك، تتعثر المفاوضات الأمريكية الصينية بشأن الضرائب المفروضة على السلع الصينية، ويبدو أن هناك احتمالا كبيرا أن تنهار تلك المفاوضات، وحينها، سيبدأ الجانبان في خوض حرب تجارية واسعة النطاق، عادة ما أدّت مثيلاتها في التاريخ إلى حروب عالمية. وهناك فرصة كبيرة أن يتزامن ذلك مع عدوان الولايات المتحدة الأمريكية على إيران أو/ وفنزويلا.

 

جبهة أخرى.. المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا

مرت السياسة الروسية تجاه أوكرانيا في الشهرين الأخيرين بمنعطف حاد، حينما قرر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المضي قدما في المواجهة السياسية، الأمر الذي ساعد عليه انتهاء العمليات العسكرية النشطة في سوريا. كانت روسيا في السابق دائما ما تصرّ على الالتزام باتفاقية مينسك لفرض الهدنة وإحلال السلام في أوكرانيا، والإبقاء على مناطق دونيتسك ولوغانسك ضمن حدود أوكرانيا، ولكن في إطار حكم ذاتي واسع. على الجانب الآخر، سعى النظام القومي المتطرف في أوكرانيا، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إفشال الاتفاقية، على الرغم من أنها كانت الضمان الوحيد للإبقاء على وحدة الأراضي الأوكرانية.

في نهاية أبريل، يبدو أن صبر بوتين قد نفد في الحفاظ على مصلحة أوكرانيا، والإبقاء على وحدة أراضيها، فوقّع مرسوما يقضي بتسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الروسية لمواطني جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، واضعا بذلك حدا رادعا لأي محاولات من جانب كييف لإخضاع تلك المناطق باستخدام القوة العسكرية.

في الوقت نفسه، أصدرت الحكومة الروسية قرارا بمنع تصدير الفحم الحجري والنفط ومشتقاته إلى أوكرانيا، ويأتي ذلك بالتزامن مع الانتهاء من عمليات إنشاء خطوط الأنابيب ما بين روسيا والصين، والسيل التركي، والسيل الشمالي-2 إلى أوروبا في العام الحالي، كما ينتهي عقد شركة “غازبروم” الروسية لعبور الغاز عبر أوكرانيا، وأعربت “غازبروم” عن عدم رغبتها في تجديد العقد. أمّا في الداخل الأوكراني، فقد انتخب الشعب الممثل الكوميدي، فلاديمير زيلينسكي، الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الخبرة السياسية، رئيسا للجمهورية، في الوقت الذي تقف فيه البلاد على حافة أزمة اجتماعية واقتصادية طاحنة، وفي ظل استقطاب حاد في الشارع الأوكراني.

يبدو الأمر وكأن أوكرانيا سوف تدخل قريبا في أزمة متعددة الجوانب، بين رئيس ضعيف، وخسارة للفحم والنفط والغاز الروسي، وكذلك فقدان عائدات مرور الغاز عبر أراضيها، والأهم من كل ذلك، أن روسيا لن تكون حريصة بعد ذلك على وحدة الأراضي الأوكرانية، في مجابهتها النظام الحالي في كييف، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه كييف في قصف المناطق التي تعجز عن السيطرة عليها، وتشرع في محاولات لاستفزاز روسيا، كما كان الحال في حادثة مضيق كيرتش. بل ومن الممكن أيضا أن تسعى كييف لاختلاق حرب مع روسيا نظرا لتفاقم أزماتها الداخلية، أملا في أن تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية مزيدا من النقود، بغرض الحفاظ على استمرار النظام في الحكم أمام الانشقاقات الداخلية.

إن العدوان ضد فنزويلا أو إيران أو اندلاع عمليات عسكرية في أوكرانيا أو توتر العلاقات مع الصين، يمكن أن تحدث جميعا في نفس الوقت، بسبب التصرفات التي يقوم بها الرئيس ترامب. بل وعلاوة على ذلك، فمن الممكن أن يدفع نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة كل من إيران وفنزويلا بأوراق لعب إضافية إلى أيدي روسيا، كمصدّر ضخم للطاقة في الأسواق العالمية. وسوف يتعيّن على الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك محاربة نصف الكوكب بمفردها…

من ناحية أخرى، فقد انهارت كافة الجهود التي قام بها دونالد ترامب على صعيد المفاوضات مع كوريا الشمالية، وتضاءل حجم الآمال المعقودة على نجاح أي مفاوضات بين البلدين. ولكن الجميع نسي هذه المشكلة، بما فيهم الرئيس الأمريكي نفسه، لكونها ليست المشكلة الأكثر اشتعالا في هذه اللحظة. لكن صاروخا كوريا واحدا باتجاه السواحل الأمريكية، كفيل بأن يفسد المزاج السياسي للولايات المتحدة الأمريكية.

يمكننا بالطبع أن نضيف إلى مشكلات السياسة الخارجية المحيطة بالرئيس الأمريكي، الوضع الاقتصادي في الداخل، الذي تجري فيه مناقشة “طباعة النقود + خفض الفائدة الائتمانية”، بينما تتأرجح سوق الأوراق المالية على حافة الانهيار، على الرغم من أن المؤشرات الرسمية تشير إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي. أمّا إذا وقعت الحرب التجارية مع الصين، فإن تلك سوف تكون الصدمة الكبرى لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية.

تتجه الولايات المتحدة إلى تصعيد الأزمات الخارجية، في الوقت الذي تقف فيه على أعتاب أزمة اقتصادية داخلية، الأمر الذي قد يدفع البعض للاعتقاد بأن الحرب ربما تكون في هذه الحالة أداة جيدة لإسكات الانتقادات الداخلية، وتعضيد سلطة النظام في الداخل، لكنني أظن أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك حتى هذه الرفاهية، فلا يمكن إنقاذ نظام معقّد بطرق على هذه الدرجة من البدائية.

قريبا، يمكن أن نرى ترامب يحسد سابقه، باراك أوباما، على سلبيته التي دائما ما ينتقدها، فاندفاع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لن يؤدي سوى إلى سقوط الولايات المتحدة الأمريكية من علياء قمتها.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المصدر:  RT

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى