ثقافة وفنون

أُقصوصة الثلاثة: أعداء الوطن المُحصنون..!

إلتقينا صُدفة.. لدينا معرفة سطحية أحدنا بالآخر، أردنا أن نعرف هل الوطن لنا..؟ كل منا نحن الثلاثة قادم من أمكنة وأزمنة مختلفة نمى فينا الاغتراب عن الوطن بالولادة، لكن نُخالج همومنا وننازعها ونتجاذبها، فكل واحد يعبر عن الفكرة بقضيته حيث الكلام ينسكب في حالة الوِجد والسكر والصحوة كخط بياني ليس متطابق لا في الانفصال ولا في الاتصال ولا في التصور… الأول منا أطلقت عليه (المعزوفة) لأنه: عزف معزوفة لذائد الدنيا وحياتنا المادية يقترب من المال ويبحث عن الجاه يعتقد نفسه منفردا متفردا في الخلق والصفة، يحرك حاجبيه و يتحدث بكلام فائض فقال: إن كل النساء تحُبني ..؟ فسألته عن استحياء وبلباقة الاحتيال والتعميه: حقا إنك كذالك ..! ثم قال في تعريض: تتذكرون تلك المرأة التي أعطتني رقم هاتفها أعتقد أنها تحبني ..! فلم أسأله .. فقلت له: إنها تُحبك ! ثم شعرت بلسعة لحست عقلي، كانت تلك السيدة تُعول على جسدها لتعيش يوم آخر في وطن هي مغتربة فيه كذلك، وصمت طويلا .. أتمنى لها التوفيق.

فحدثنا ” مولاي علي “وهو الثالث فينا، وطنه هو وطننا لكن له وطن ميتافيزيقي آخر ثاني، تجده رافضا للواقع الرديئ بمظهر المثقف الحقيقي يتخذ موقفا نقديا دائما لكل امتداد لسلطة تريد أن تستأصل انسانية الانسان، سميك المظهر مرتب الملبس … فاجئنا وفاجئ المكان الصامت بشفاهه الصارمتين وقال: إن الجريمة والفساد بالبلد شملت كل المرافق، و لدي إحساس رهيب بالانهيار عندما لا تستطيع مؤسسات الدولة إيجاد حلول واضحة لـ”الجريمة المنظمة” ، ثم استرسل وقال (عن لسان “ابن خلدون): إن انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم .. إن المجتمعات لا يصيبها الترهل إلا عندما ينخرها الفسا.

فقلت له فعلا إن الفساد أضحى قيمة ونمط وعادة وذهنية تشبعت بالمبررات فقد أصاب كل الاخلاقيات، وأضحى مع سلوك الأفراد في الادارة وكل المؤسسات حتى تهريب العملة والبشر والشجر والحجر… فغابت معه المصلحة العامة وتم الاخلال بكل القواعد.. حتى تعرض كل المجتمع الى الاضطرابات والفقر والحرمان وأحال كل شيء إلى حطام وحرمان فلا نستطيع لا التنادي الى القضاء ولا الى المؤسسات، أعتقد أنه يجب مناداة “أنقرة”؟ .. وهذا ما يتبناه “الجيل الرابع من الحرب “كجريدة هيسبريس” وغيرها المحسوب على قاعدتها وهي تنقل الفساد ! و بعض الاضطرابات المجتمعية..! و تُعد في نفس اللحظة ذاتها أشرطة فيديو خاصة عن ثمن ساعات “الملك” كأنما القول هنا سبب الحرمان أو هنا يجيب انهاء اللعبة بترك “السلاجقة” يداعبون ما تبقى من الوطن بابتزاز طافح كما يصرخ أصحاب الراح… والكثير من النماذج هنا..! أليس هذا الامر مُربكا غريبا..؟ رد علينا “مولاي علي” _ و(المعزوفة) يُنصت لما يخالجه من تجاذب وتنازع _ : نعم (وهو يبتسم)، قد يحسبك البعض مجنونا أو يحسب الاخر تريد أن تنهي دوامك فيما بدأتموه واستكمله الاستاذ “عبد اللطيف الصبيحي” ! إذن تأمل معي هذا:

كْبْرها تْصغار .. لِمَاعَنْدو للاه عَنْدُو سِيِدو ..
المْغَاربي ضْربو غِير فكرشو…
كُلْشي كيسرق غِير كُولْ وْكْل .. كْبيرْ الكْرْرش يتفركَع ..
جُوَع كْلْبك يْتْبعك … سْبَق الميم تْرتاح …
لِتْخْدمو طِيعُو و لِتْرهنوا بِيعو .. يْعيش مْنِ صْباح ..
ألى شْتِيه راكْبْ القَصبة قُولو مْبْروك آسِيي ..

فقلت كيف ذالك “مولاي علي” فقال: كل هذه المفاهيم من الموروث الثقافي للأمثلة الشعبية المغربية تُحيلنا الى ميكانيزمات تصريف الجريمة في خضم التستر على عدو والناهب للوطن من طرف مسؤول أكبر منه الذي يمده بالعمولة والاتاوة من غنائمه أو ما شابه ذالك لذالك هم مُحصنون، مُحصنون … إنّ هذا خلق عند الفرد المغربي ايمان راسخ في امكانيات قوية للهروب والنجاة من العقاب … فما سرقة غرفة نوم ” الملك ” نموذج فاقع و الجسارة تأتي هنا: ” ما يْدها غِير الزْعيم أو مْسخوط الوطن وِالوَليدين ” … ثم استدار بسرعة و قال : أن النماذج الذي تعشق الفوضى و تلعب على الاوتار سواء كانوا طابورا خامسا أو جيلا رابعا فتلك نسخة مصغرة من مستشفى الامراض العقلية من بنية فاسدة ككل مستعدة لفعل اي شيء ، فالوطن بالنسبة لهم كالبقية “البقرة الحلوب ومن يدفع أكثر”، ببساطة انه انعدام الجزر والردع واذا حدثهم قالوا: نحن الحكومة الوطن واذا قلت لموظف يسبب المتاعب وراكم ثروة هائلة بحلب الانسان المغربي قال: أنا القانون ..!

صمتنا برهة في تأمل وحسرة كأننا حاملين كل هم للوطن و صراخ جائع و متألم برد في اسقاع الجبال … حتى سمعنا صراخ السيد (المعزوفة ) فقال: أقسم لكم إنها تحبني، بدليل أنها وافقت مواعدتي في مطعم على الغداء بعدها سنجلس معا لاحتساء القهوة (سعيد هو)، نظرنا اليه وصحنا بصوت واحد: أنت ضرورة وجودية لكي تدفع البقشيش للنادل و تسعد الاقل منك ألما… فلا لازال الأمل بهذا الوطن العزيز!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى