ثقافة وفنونرأي/ كرونيك

عَنِ اللاَّشَيْءِ…للأحبة الاصدقاء والرفاق..الحائِرينَ والحالِمينَ بِوَطَنِيّاتٍ جَديدَةٍ..”لاشيء” الحلقة 1

عَنِ اللاَّشَيْءِ…
ــــــــــــــــــــ
إلى جميعِ الأََحِبَّةِ والأَصْدِقاءِ وَالرِّفاقِ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقْتَرِحٌ “عَنِ اللاَّشَيْءِ…” بعضَ التَّأَمُّلاّتِ في فكرِ الوَطَنِيّاتِ المُتَخَيَّلِ، وفي عناصِرِهِ الثَّقافِيَّةِ والفَنِّيَّةِ والإِنْسانِيَّةِ في الْحَجْرِ وَبَعْدهُ؛ ونورِدُها في:
– لاشَيْءَ..
– وَطَنِيّاتٌ أُحادِيَةٌ بِدائِيَّةٌ..
– وَطَنِيّاتٌ تَعَدُّدِيَّةٌ حَديثَةٌ..
– وَطَنِيّاتٌ مُتَشَظِّيَّةٌ يائِسَةٌ..

 

مِنْ أَجْلِ وَطَنِيّاتِ الْحَقِّ والواجِبِ والاسْتِحْقاقِ والتَّضامُنِ وَالحُرِّيَّةِ وَالكَرامَةِ وَالْمُساواةِ دونَ تمييزٍ أوْ تَفْييءٍ أوْ إقصاءٍ…
وَلَيْسَ منْ أَجْلِ وَطَنِيّات الرّيعِ والإِحْسانِ والْهبَِةِ والْقَمْعِ والدَّجلِ والعِشابَةِ والعِرافَةِ…

لاشَيْءَ..
ــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تَسْعى “عَنِ اللاَّشَيْءِ…” إلى أنْ تُقاربَ شيئاً ما، أوْ أنْ تصِلَ إلى نتيجةٍ ما، أوْ أنْ تُوَجِّهَ إلى طريقٍ ما… “اللاشيءُ” مُقْتَرحاتٌ ضالَّةٌ لا تَسْتَنِدُ إلى أيِّ خلفيَّةٍ نظريَّةٍ مُتيقَِّنَةٍ مِنْ مقدِّماتها ونتائجِها أوْ مُتَّكِئةٍ على مفاهيمَ سياسيَّةٍ أو فكريَّةٍ تامَّةٍ ونهائيَّةٍ، بلْ هيَ مجرَّدُ أفكارٍ تائهَةٍ وحائرَةٍ في مَسْعاها إلى قراءةِ بعض المضامينِ والمفاهيمِ، وبعضِ المواقفِ الأساليبِ والسلوكاتِ التي احْتَلَّتْ الحياةَ في الجائِحَةِ.

هيَ أَشْياءٌ عن اللاَّشَيْءِ باخْتِصارٍ، ولا تحملُ أيَّ لِقاحٍ أو عِلاجٍ أو تَميمَةٍ أو وعدٍ بغدٍ مَعْسولٍ…

وعليهِ، قدْ لا نتصوَّرُ، في هذا السِّياقِ الوَبائيِّ القاتلِ، قُدرةَ أيِّ أحدٍ في العالمِ كيْفَما كانَ وَضْعُهُ أوْ سُلْطتُهُ أوْ جُغْرافيتُهُ أوْ انتماؤُهُ أنْ يُنصِّبَ نفسَهُ عالِماً أوْ عارِفاً أو وصيّاً على مواطناتِ ومواطني العالمِ وَيحْجُرَ عليهمْ بالمُطْلقِ، وأنَّهُ يَمْلِكَ الأجوبةَ اليقينِيَّةَ والنهائيَّةَ عن وضعٍ غامضٍ ومُلْغِزٍ ومُلْتَبِس واستثنائِيٍّ ومفْتوحٍ على كلِّ الاحتمالاتِ والتأويلاتِ الصِّحيَّةِ والاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ والإنسانيَّةِ في هذهِ الجائحةِ…

لا بُدَّ، إذنْ، أنْ تمُرَّ هذهِ الجائحةُ بكلِّ مُنْعطَفاتِها ومُنْعرَجاتِها، وبكلِّ مآسيها وخُذلانِها وَخَساراتِها وآمالِها وتطلُّعاتِها، ولا بُدَّ أنْ يُسجِّلَ التاريخُ حاضراً ومُستقبلاً غرابةَ بعضِ الوجوهِ القبيحةِ والْمُشَوَّهَةِ وَضَيْقَ أُفُقِها الإنسانيِّ وانغِلاقَهُ، وقدْ سمَّرَتْ نفسَها وصيَّةً على اللَّحظاتِ المُخيفَةِ والمُرْعِبَةِ إنسانيّاً، وامتدَّتْ سَطْوَتُها إلى الأَصابِعِ الإنسانيَّةِ الصغيرةِ والعَجيبةِ والمُتحَرِّرةِ منْ قَيْدِ الجمودِ والخوفِ، وإلى الأَلْسِنَةِ المُنفلِتَةِ من قَبْضَةِ اليقينِ، لتُكمِّمَها وتحْجُرَ عليها هيَ أيضاً… ابْتَعِدوا يا وُجوهَ القُبْحِ والفشلِ ويا أُطُرَ الاسْتِثْمارِ في المصائبِ والأمراضِ والكوارثِ، واتْرُكوا العالمَ لِخَوْفِهِ وَقَهْرِهِ وَفَقْرِهِ وكُفْرِهِ بالأملِ الزّائِفِ… واخْرُجوا منْ حياتِنا، ومنْ خيالِنا يا عِصابَةَ الوَهْمِ الثَّقيلِ وَالوَعْدِ البَليدِ والدَّجَلِ البَئيسِ..

لاشَيْءَ يُحرِّكُ العالمَ، اليومَ، سوى إِصْبَعٍ خفيفٍ على لوحةِ مفاتيحَ، وعينٍ رائيةٍ من بُعْدٍ، وهما العُضْوانِ النَّشيطانِ، عنْ بُعْدٍ وفي حجرٍ وانزِواءٍ، في هذه الجائحةِ، لأنهما يُدركانِ أنَّهُ لا يمكنُ، بعدَ الجائحةِ، أنْ تستمِرَّ وطنيّاتُ التَّمييزِ والتَّفْييءِ والشَّعْبَوِيَّةِ السِّياسيَّةِ بدلَ وطنيّاتِ الْحَقِّ في العملِ والاجتهادِ والتضامنِ والمساواةِ، والْحَقِّ في الأوطانِ النّبيلةِ والكريمةِ والسَّخِيَّةِ مع بناتِها وأبنائِها، صِغارِها وكِبارِها… نسائِها ورجالِها، شمالِها ووسطِها وجنوبِها، سهولِها وجبالِها، قُراها ومُدُنِها، تَعَدُّدِها وَتَنَوُّعِها، بياضِها وَسَوادِها وَزُرْقَتِها، قريبِها وبعيدِها… هوامِشِها وظِلالِها..

لا يمكنُ، بعدَ الجائحةِ، أنْ تظلَّ، مُهَيْمِنَةً، بعضُ صيغِ استعاراتِ وطنيَّاتٍ بدائِيَّةٍ جَوْهَرُها المُزايَداتُ الفارِغَةُ والمَحْشُوَّةُ بالمكرِ والمصالحِ الشخصيَّةِ الضيِّقَةِ، وظاهِرُها بعضُ الشَّعْبَوِيّاتِ المريضَةِ والمَمْلوءَة بأَوْثانٍ غريبةٍ عن وجدانِ المواطناتِ والمواطنينَ وأحلامِهم الحرَّةِ.. استعاراتٍ تَقِفُ نقيضَ وطنيّاتِ الوَطَنِ المفتوحةِ ذاتِها، والواجباتِ المجتمعيةِ ذاتِها، والخِدْماتِ العُموميَّةِ الشَّفيفَةِ في التّعليمِ والصِّحَّة والحياةِ الكريمةِ..

لا يمكنُ، بعدَ الجائحةِ، أنْ تَسْتَمِرَّ أجواءُ ما كان يرْغِمُ المواطنينَ على قبولِ إجماعٍ مُفْتَعَلٍ تُحَفِّزُهُ مقاصد ضيِّقةٌ، وقدْ ظهرَ، واضحاً، أنَّ كُلَّ واحدٍ قدْ صاحَبَ رأْسَهُ فقطْ، وتَرَكَ البقيَّة للمَصيرِ المجهولِ.. وهناك صَمْتٌ وعُزْلةٌ فرضَهُما كلُّ إنسانٍ على نفسِهِ تلقائياً أوْ قسْرِيّاً لمواجهة خطرٍ أظهرَ حقيقةَ العيْشِ في قصورٍ منْ وَرَقٍ عندما كان الجميعُ يَعتقدُ بأنَّ العالم بالغُ التَّحْصينِ…

لا يمكنُ، إذنْ، تصوُّرُ أيِّ وطنيّاتٍ في الفقرِ والتَّهميشِ والجوعِ.. لا وطنيّاتٍ خاصَّةً بالأغنياءِ والميسورينَ والمقرَّبينَ وأهْلِ الحُظْوَةِ…لا وطنيّاتٍ للتَّضْحِيَّةِ بفئةِ الصِّغارِ والمتوَسِّطينَ.. وبالْكادِحينَ وبالمُسْتَضْعفينَ… لا وطنيّاتٍ في تمجيدِ الفقرِ والقبولِ بهِ قدراً لعيناً… لا وطنيّاتٍ تُوَقِّرُ الغِنى اللاَّمَشْروعَ والفسادَ وتهابُهُما…

لا وطنيّاتٍ للأحزابِ التي خَذَلَتِ الأوطانَ في زمنِ الحاجةِ، وقدِ اسْتَنْفَدَتْ أَدْوارَها بعْدَ أنْ تكَّرَّشَتْ وشَبِعَتْ مَرَقَ الكراسِي والمناصِبِ، واختَفَتْ لتُطِلَّ من وراءِ مظلاّتِ ذُبابٍ رقميٍّ عَفِنٍ… لا وطنيّاتٍ لوزراءَ ذابوا وخَذَلوا الوعودَ، وغالبيتُهُمْ أشباحٌ بلا مهامٍ أو وظائفَ… مختفونَ تماماً سوى عنْ حمايَةِ ريعِهِمْ… لا وطنيّاتٍ لبرلمانيّينَ يَلْهَفونَ الأموالَ بلا وازِعٍ وبلا عملٍ، وقدْ صاروا كائِناتٍ لا مرئِيَّةً تصفِّقُ عبرَ تموُّجاتِ افتراضِيَّةٍ.. برلمانيّون في عُطلةٍ وعَطالةٍ واستراحةٍ بيولوجيَّةٍ… لا وطنيّاتٍ في الشَّعْبَوِيّاتِ القاتلةِ الصّاعدةِ منْ حُفَرِ التخلُّفِ والتقليديَّةِ والمباخِرِ والمعْشَباتِ والرُّقْياتِ والعِرافةِ..

وَيَسْتَمِرُّ وَسْمُ النَّقدِ ساخراً وناقِماً وثائراً في وجهِ كُلِّ من خَذَلَ الأَوْطانَ وغَشَّها وباعَها في مِحْنَتِها وانتكاسَتِها تحتَ الجائِحَةِ.. وَبذلكَ، فلَيْسَ للأَصْواتِ الحُرَّةِ في العالمِ، في هذا المَنْحى، سوى أنْ تَسْتَمِرَّ في إعْلاءِ واجبِ تفعيلِ أصابعِ الكتابةِ الافتراضيَّة والفِعْلِيَّةِ وتَعميقِها في الحجرِ وعندَ رَفْعِهِ، والكشْفِ والوسْمِ والفضْحِ…

لأَنَّ هؤلاءِ المواطنينَ الأحرارَ لا يَمْلِكُونَ سوى هذهِ الأوطانِ الجريحَةِ ملاذاً وعَزاءً وَرَحِماً ظَليلاً… ولنْ تَسْمَحَ، مع حَفْنَةٍ من المواطناتِ والمواطنينَ العالمِيِّينَ الحالمينَ بالحياةِ الكونيَّةِ المتعدِّدَة والمتنوِّعَةِ بكل تلويناتِها، والسّاعينَ إلى الكفاحِ من أجل قيمِها الإنسانيَّةِ الأنيقةِ ضدَّ كلِّ أشكالِ التَّشويهِ والقُبْحِ، والمُدركينَ، بخِفَّةٍ، أنَّ الحياةَ العابِرَةَ برتابَةٍ مُحْزِنَةٍ ويائِسَةٍ، اليومَ، مجرَّدُ محطَّةٍ لقراءةِ التاريخِ والوطنيّاتِ بأفقٍ فكريٍّ جديدٍ.

هذِهِ الغَيْماتُ الحزينَةُ التي تُخَيِّمُ، اليومَ، على الكثيرِ من صُوَرِ الوُجودِ، والعالَمُ كلُّهُ يسيرُ نحو الإفلاسِ والخرابِ.. تجعلُ محجوري العالَمِ وَمَحْجوزيهِ أحوجَ ما يكونُ للَمْسَةِ حنانٍ وعَطْفٍ وتفهُّمٍ، وَأَرْقى ما يَطلُبونَهُ قُبْلةُ حياةٍ وعزاءٍ في كُلِّ مُستوياتِ هذهِ الفاجعةِ المُرْعِبَةِ..

الأملُ يتجدَّدُ بالأوطانِ، وفي الأوطانِ، ولا تنفعُ الجنسيّاتُ العابرةُ للقارّاتِ والملاذاتُ الآمِنَةُ السّابقةُ، ويتغذَّى هذا الأملُ الصَّغير والزَّهيدُ بأحاسيسِ الوطنيّاتِ الرَّفيعَةِ والخفيفَةِ التي تَرفعُ الإمكاناتِ الإنسانيَّةِ الرّاقيَّةِ مِنْ قاعِ اليأْسِ..

الحلقة القادمة: وَطَنِيَّاتٌ أُحادِيَّةٌ بِدائِيَّةٌ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى