سياسة

في دلالة تحول المصفاة الأمنية للمصفاة الرئيسية التي تحدد عبرها التعيين في المناصب العليا

تثير التعيينات في المناصب العليا الأساسية، ومن ضمنها المسؤوليات في عدد من المؤسسات الدستورية، أسئلة حقيقية لا يمكن أن يقترب منها او يقاربها إعلام يحرسه العسس و يستوطنه الغباء.

بقلم الصحافي محمد نجيب كومينة

أول هذه الاسئلة يتعلق بضيق دائرة الاختيار بشكل غير مسبوق، مند أن أصبح للمغرب مايكفي من الأطر المؤهلة معرفة وخبرات وتجارب لتولي مختلف المسؤوليات والتداول عليها.

ضيق دائرة الاختيار يعني أن الذين يتولون الانتقاء والاقتراح باتوا يعيشون في دائرة مغلقة شديدة الضيق،  و بأنهم يدورون في نفس الدائرة من الزبناء الذين يخضعون للرسكلة في كل مرة دون اعتبار لما يمكن أن يقدموه وما لا قدرة لهم على تقديمه، إذ فاقد الشئ لا يعطيه، وهذا مامن شأنه ان يورط الدولة في ميل محافظ ستكون نتيجته على المدى المتوسط، وليس البعيد حالة من جمود المؤسسات والمراوحة في المكان في وقت تحتاج فيه البلاد إلى من يسرع وتيرة الإصلاح والتنمية وليس العكس والا وجدنا أنفسنا بعد لاي في مواجهة مشاكل عويصة وعصية على الحلول.

والسؤال الثاني، والأهم في تقديري، يتعلق بتحول المصفاة الأمنية الى المصفاة الرئيسية التي تحدد التعيين في المناصب العليا، بحيث يمكن أن نقرأ في عدد من التعيينات غلبة الحسابات الأمنية و أن نكتشف تدخل اليد الأمنية وبشكل يجعل الحسابات الأخرى، سواء منها السياسية أو المتعلقة بالكفاءة والتجربة وملاءمة البروفايل، تستبعد بطرق شبيهة بما ساد في ستينات القرن الماضي، وكأن العجلة ترجع الى الوراء، هذا بينما لم تعد وضعية وصراعات الستينات قائمة و لا تواجه الدولة مخاطر كبرى تبرر بها ذلك، فحتى الخطر الإرهابي زال تقريبا ولا يمكن استعماله مبررا الا اذا ساءت النوايا.

وتعتبر غلبة المنطق الأمني على هذا المستوى، وعلى مستويات أخرى، انحرافا حقيقيا ليس من شأنه الا أن يولد انحرافات أخرى لا تخدم الأمن الوطني بمعناه الشامل وليس بمعناه البوليسي الضيق و المفارق لدستور البلاد الجديد  والذي من المفروض أنه ينفتح على أفق تأسيس وتكريس دولة القانون والمؤسسات وحماية الحريات والحقوق و إنهاء إرث الدولة الاستبدادية البوليسية المتصادمة مع المجتمع ونخبه و المنغلقة.

فالدستور الجديد، الذي أتى بعد تنظيم مسلسل العدالة الانتقالية، الذي جاء بدوره بعد اصلاحات تسعينات القرن الماضي وحكومة التناوب التوافقي، يحمل مشروعا للتجديد والانفتاح و توسيع المشاركة وليس واجهة أو صالونا من قبيل صالونات بعض البيوت التي لا تستعمل الا لاستقبال الضيوف أو تبقى فارغة.

غلبة الحسابات الأمنية، التي يترتب عليها حيثما تغلبت تغول المؤسسة الامنية و ميلها الى التحكم في كل المفاصل وتجاوز دورها، يؤدي عاجلا او اجلا الى الغرغرينا.

الشئ إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. مثل يتردد بكل اللغات ويكثف تجربة مختلف الشعوب والجماعات مع “الزيادة فيه” وعدم الاعتبار لأي حد سياسي أو ثقافي أو قيمي أو اخلاقي أو حتى تدبيري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى