سياسة

انسحاب بلافريج من العمل السياسي: إجهاض رؤية سياسية أم فشل رهان تكتل اليسار؟

لماذا قرر عمر بلافريج، أن ينسحب من العمل السياسي ولو إلى حين؟، لماذا قرر أن يتوارى عن المشهد السياسي، وهو الذي ظل طيلة مساره مدافعا ومحرضا الشباب أن يقتحموا العمل السياسي، ويشاركوا بكثافة فيه؟ ولماذا اختار العضو القيادي بالاشتراكي الموحد، والناب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، هذا التوقيت ليعلن عن قراره هذا، وأيضا عن قرار عدم التقدم للترشيح لمجلس النواب لمرة ثانية، وهو الذي يسجل له ديناميته المشهودة ونشاطه النيابي المميز، فضلا عن تدخلاته التي لا تتردد في تسمية القط بالقط، وبوضوح تام؟

خلافي ليس مع نبيلة منيب أو أشخاص آخرين..

قرار الاستقالة بحسب ما صرح به، بلافريج لأكثر من موقع إعلامي، أخره كان ل الموقع الإعلامي “لكم”، حيث أشار إنه يستقيل من العمل السياسي، لأن أحد الركائز الأساسية الذي بنى عليها مشروع تقدم اليسار من وجهة نظره، من جهة أن تندمج مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي في حزب واحد قبل الانتخابات بوقت كافي(المقصود حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، ثم الاشتراكي الموحد)، وثانيا أن يقع انفتاح واسع على الشباب ضمن هذا المشروع الاندماجي، والأهم أن يجري عملا متواصلا  لإقناع المقاطعين أو على الأقل جزء كبير منهم، بالمشاركة في انتخابات 2021، وهو ما لم يقع بحسب بلافريح.

يشار في هذا الصدد، أن بلافريج، كان دافع في آخر دورة للمجلس الوطني للاشتراكي الموحد، 30 نونبر و فاتح دجنبر 2019،  على اندماج فيدرالية اليسار في حزب واحد، قبل الانتخابات، معتبرا أن كل الشروط متوفرة لذلك، وأن الحديث عن وجود خلافات غير مقنع لأن الخلافات توجد في وسط كل مكون من مكوناتها، فأحرى أن لا توجد في الفيدرالية مجتمعة، وأيضا في المجلس ذاته دعا للالتزام بما اعتبره وعدا قدم للمغاربة، أن الفيدرالية ستشارك في انتخابات 2021، كحزب واحد.

هذا وكان المجلس ذاته، قد أكد في بيانه بخصوص مسألة اندماج الفيدرلية، أنه يعتبر أن هذا المشروع الاندماجي يمثل خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، وجوابا ملحا على تحديات يطرحها الوضع السياسي الحالي بالبلاد، وأنه  يتمّن كلّ ما تمّ إنجازه ويحيي الجهود المبذولة من طرف كافة المكونات، على طريق إنجاح المشروع، ويوصي الهيأتين التقريرية والتنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي لاستكمال مهامها وتسريع وثيرة التحضير السياسي والتنظيمي لمشروع الاندماج وذلك بوضع خارطة الطريق لاستكمال النقاش والمهام وصياغة مشروع الاندماج لعرضه على الهيئات التقريرية لمكونات الفيدرالية.

لكن بالمقابل، بلافريج، لم يتردد في وقت من الأوقات ، بل حتى وهو يعلن عن الاستقالة أو عدم الترشح للانتخابات القادمة،  إعلانه أنه في حالة خلاف مع نبيلة منيب، بل في أحد الحوارات الأخيرة مع أسبوعية “الأيام”، قال بالوضوح الكافي، إن منيب تعرقل اندماج الفيدرالية، وأنه يختلف معها سياسيا في الكثير من القضايا، حيث قال في الحوار ذاته”من ناحية أخرى، لا ألوم أحدا، أحترم اختيارات الجميع، بما في ذلك نبيلة منيب رغم خلافاتنا الجوهرية حول عدة قضايا سياسية، ولدينا اختلافات، لكن تبقى نبيلة منيب شخص أحترمه، لدي خلافات مع بنكيران والعثماني وغيرهما، لكني أحترمها أيضا”.

في السياق ذاته، أكد بلافريج وفق المصدر ذاته، أنه و “في الوقت الحالي، أعتقد أنني فعلت ما كان علي القيام به. أحتاج إلى إعادة تحفيز نفسي لأتمكن من الترشح لفترة جديدة لاحقًا وفي اليوم الذي يتم فيه استيفاء الشروط ، ربما سأعيد النظر في قراري أنداك”.

السياق الذي يعلن فيه بلافريج قراره..

إنه زمن الاستعداد لانتخابات 2021، وهي الانتخابات التي يؤكد كثير من المحللين أنها بدون رهانات كبرى سياسية تذكر، فجائحة كورونا فرضت تأثيرها على الجميع، وباتت خريطة الطريق المفترضة واضحة وبارزة في ما هو اقتصادي واجتماعي، والذي صيغت خطوطه العريضة والعامة قبل هذه الانتخابات، فضلا عن ذلك، تشير كثير من التوقعات، أن نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة ستكون لربما من أضعف نسب المشاركة في المغرب السياسي الحديث.

لكن السياق، عدا جائحة كورونا كان هو ذاته باختلافات بسيطة عن الانتخابات السابقة، ومع ذلك، حظيت الفيدرالية في هذه الانتخابات بدعم قوي ممثلا في أوساط النخب الفكرية والثقافية والفنية وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا على أنها من الناحية العملية تمكنت واقعيا من فرض نفسها قوة يسارية أولى، إذ تجاوزت في المدن الكبرى عدد أصواتها مجموع أصوات مثلا الاتحاد الاشتراكي، غير أنها مثلت فقط بمقعدين برلمانيين من أصل 395 مقعدا، وما يفيد أن توقعات قادتها وأطرها كان أكثر بكثير جدا مما حدث في الواقع.

أيضا في عرض سياق، انسحاب عمر بلافريج من الحياة السياسية ولو لحين، ينبغي النظر، أن عصارة التفكير الذي بلورته الأحزاب الثلاثة لتجاوز عثرة انتخابات 2016، هو الاندماج في حزب يساري موحد، ورهانات غالبية القيادات على الذهاب قبل انتخابات 2021 لمؤتمر اندماجي، هو ما سيعطي زخما جديدا، سيجعل المترددين من محيطها والمتعاطفين معها يحسمون ترددهم ويكون تحقق هذا المشروع نقطة جدب فعلي وحقيقي وعرض سياسي وأفق مغري لهم.

في السياق أيضا، توجد في جانب أخر من الاختلافات، اختلافات معلنة مصرح بها، وكانت موجودة، قبل أن يجري التوافق على صيغة ترجئ الاندماج لما بعد الانتخاباتـ،  من جهة بين الأمينة العامة للاشتراكي الموحد نبيلة منيب، التي ترى أنه لا ينبغي ربط مشروع بناء حزب يساري كبير نواته الفيدرالية بانتخابات 2021، فيما كان يرى علي بوطوالة الأمين العام لحزب الطليعة، وعبدالسلام العزيز الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، أن الاندماج ينبغي أن يحدث قبل الانتخابات، وأنه سيشكل عنصر دعم وقوة لربح رهانات انتخابات 2021.

الفيدرالية ستدخل غمار الانتخابات القادمة مثقلة بتناقضاتها…

فضلا عن ما أكدته وسائل ومواقع إعلامية، أن خلافات الفيدرالية عطلت كثيرا مجهودها للتعاطي مع الانتخابات 2021، خلافات بالنسبة للكثير لا تعني شيئا كثيرا، من قبيل توقيت إعلان الاندماج في حزب يساري كبير، غير أنه من الناحية الواقعية  يسجل أنه وبعد مرور أكثر من 6 سنوات على تأسيس فيدرالية اليسار، بالنسبة للمتعاطفين والمترددين في التعامل مع العملية السياسية حلم وحدة اليسار لم يتحقق.

الاستنتاج الذي عبر عنه كثير من المتتبعين، أنه ونتيجة خلافات من هذا القبيل، أن  فيدرالية اليسار لم تبلور مشروعا مجتمعيا واضحا فقط، بل إنها لم تتمكن من صياغة معنى أن تكون خيارا ثالثا، بين المشروع المخزني، والمشروع الأصولي، ومن تم فإنها لن تتمكن من إحداث اختراق في كبواتها الانتخابية، بل تذهب بعض التحليلات، أن مسارها للانتماء لهذا الخيار يكتنفه التردد والغموض.

مصدر مقرب، أكد، أن جوهر الإشكال في فيدرالية اليسار الديمقراطي فضلا عن عجزه في الاندماج في حزب يساري واحد، أنها ظلت في مجمل خلافاتها بعيدة  عن جمهورها ومترددة  في الحسم في أين توجد قاعدتها بالنظر لما يخترقها من اختلافات في الرؤية والتصور ليس السياسي فقط، بل والمجتمعي والثقافي، ومن تم يؤكد المصدر ذاته، استقالة بلا فريح عنوان عجز وثقل بنى محافظة التي  لا تريد خوض معركة التغيير والتشبيب.

في حين، صرح لنا مصدر قيادي من الاشتراكي الموحد، أن جوهر الذهاب للادماج، وجود مساحات اختلاف في معنى الحزب ومعنى الديمقراطية داخلها ومستقبل تفكيرنا في الية التيارات وطرق تدبير الاختلاف، وحيوية التقدم في دمقرطة الهيئات خاصة النقابية المحسوبة على المكونات الحزبية للفيدرالية.

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى