رأي/ كرونيك

تثبيت التوقيت الصيفي تأكيد للتبعية وفقدان السيادة

تفاجأ الرأي العام الوطني للسرعة التي تم بها عقد الاجتماعي الطارئ للحكومة في أقل من 12 ساعة ، ليس لمناقشة موضوع المديونية التي وصلت 970 مليار درهم (ما يوازي 92% من الناتج الوطني الخام) ، أو لتدارس مشاكل التشغيل والبطالة والإجرام والهجرية السرية واستقالة 130 طبيب من القطاع العام والاحتجاجات التي يخوضها المتعاقدون ،أو لإعلان الحداد على أرواح ضحايا قطار بولقنادل …. كما تفعل الحكومات الديمقراطية التي تعبر عن نبض الشعب وتتفاعل مع مشاكله وانتظاراته ؛ بل جاء اجتماعها إذعانا لطلب المدير العام لشركة رونو الذي زار المغرب يوم الخميس 25 أكتوبر ، لتعلن الحكومة عشية نفس اليوم عن مشروع مرسوم تثبيت الساعة . قد يدافع أي رئيس شركة على مصالح مقاولته ، لكن أن يتخلى رئيس الحكومة عن مصالح الشعب ويقرر ، في غياب المؤسسات التشريعية المنتخبة ، أمر لا يمكن تبريره مهما ادعى أي مسئول حكومي نتائج دراسة مزعومة لم يجرؤ على نشرها حتى يطلع عليها الرأي العام. فمسألة التوقيت الصيفي تهم كل المغاربة وخاصة الذين لهم أبناء يدرسون أو بنات يشتغلن في المعامل والضيعات . مشاكل هذه الفئات لم تستحضرها الحكومة وهي تصادق على قرار تثبيت التوقيت الصيفي ليصبح التوقيت الرسمي للمغرب على مدار السنة. ويظهر من التدابير المصاحبة التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من الآثار السلبية لهذا القرار أنها (التدابير) مرتجلة ولم تخضع لأية دراسة أو حتى تفكير متأن . فالتراجع عن التوقيت الصيفي أو تثبيته ينبغي أن يخضع للدراسة أو للاستفتاء حتى يتم تقييم جوانبه الإيجابية والسلبية كما فعلت دول الاتحاد الأوربي . لهذا جاءت تلكم التدابير في مجال التعليم مثلا أكثر إضرارا للتلاميذ وللأسر على حد سواء . لبيان هذه الأضرار يمكن تقديم الأمثلة التالية:

1 ــ كيف يمكن لولي أمر تلميذ يشتغل في معمل أو مقاولة وقد اعتاد أن يوصل ابنه/ابنته إلى المدرسة ،أن يتصرف مع تمديد توقيت الدخول المدرسي إلى الساعة التاسعة بينما هو يدخل في الثامنة صباحا ؟ هل وفرت الحكومة بنيات استقبال التلاميذ إلى حين موعد الدخول المدرسي ؟هل هيأت ظروف هذا الاستقبال ؟

2 ــ كيف يمكن للتلاميذ الخارجيين أو الداخليين تناول وجبة الغذاء في ظرف ساعة واحدة ؟ علما أن معظم التلاميذ يسكنون نفس المدينة ويتنقلون عبر وسائل النقل العمومية لتناول الغذاء بمنازلهم . فهل ستكفيهم ساعة للتنقل وللغذاء ؟
3 ــ هل وفرت الدولة مطاعم لتقديم وجبة الغذاء للتلاميذ ؟ وكيف لها أن توفر المطاعم وهي لم توفر حتى الحجرات الدراسية المناسبة ؟
4 ــ لنفترض أن كل التلاميذ سيجلبون معهم غذاءهم ، فهل توجد ، داخل المؤسسات ، أماكن أو فضاءات تسمح بتناول الطعام فيها ؟ أم هل ستترك إدارات المؤسسات الحجرات الدراسية مفتوحة للتلاميذ قصد استغلالها كمطاعم ؟
5 ــ لنفترض أن مرافق المؤسسات تكون رهن التلاميذ لتناول طعام الغذاء والاستراحة بين الواحة والثانية زوالا ، فهل وفرت الحكومة الأطر الكافية لمراقبة التلاميذ ، خلال هذه الفترة ، وبشكل يومي ؟ فمن سيراقب هؤلاء التلاميذ حتى لا يحدث تخريب لتجهيزات المؤسسات أو تحدث اعتداءات خاصة في صفوف المراهقين ؟
لتعلم الحكومة أن كل المؤسسات التعليمية تعاني من نقص في التجهيزات وفي الأطر الإدارية وحتى التربوية . وإجبار التلاميذ على المكوث في المؤسسة ، لأن ساعة لن تكفيهم لمغادرة المؤسسة وتناول الغذاء خارجها ، أمر يضر بالصحة الجسدية للتلاميذ ، كما يعرض تجهيزات المؤسسات للتخريب . 6 ــ أية حلول تقترحها الحكومة لأولياء أمور التلاميذ الذين يسبق توقيت التحاقهم بالعمل موعد دخول أبنائهم إلى المدرسة ؟ ألم تستحضر الحكومة طبيعة المشاكل التي أحدثها تثبيت التوقيت الصيفي وعمقتها التدابير المصاحبة ؟
7 ــ هناك فئة العاملات والعمال في المقاولات والضيعات والشركات والمعامل لم يسر عليها تدبير تمديد وقت الالتحاق بالعمل إلى الساعة التاسعة صباحا أسوة بقطاع التعليم والإدارات العمومية .الأمر الذي يضطرها إلى مغادرة المنازل قبل الفجر ، حسب البعد أو القرب من مقر العمل . الأمر الذي سيعرضها حتما إلى مخاطر الإجرام بسبب فقدان الأمن . فهل وفرت الحكومة لهذه الفئات ما يضمن أمنها وسلامتها الجسدية ؟ وردا على السيد إدريس لشكر ، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي برر دفاعه عن تثبيت الساعة بكون التلاميذ والعاملات يعودون إلى المنازل قبل نزول الظلام ، نثير انتباهه إلى أن الأزقة والطرقات قبل الفجر تكون خالية من المارة وحتى من رجال الأمن ، مما يشجع المجرمين على اقتراف جرائمهم ، بينما بعد غروب الشمس تكون مكتظة بالمارة وحتى رجال الأمن يتواجدون بأعداد ملحوظة ، ما يوفر قدرا من الأمن للمواطنين.

إن أي حكومة تحتم نفسها وتحترم شعبها والمؤسسات التشريعية التي أفرزت تشكيلتها ، عليها أن تسمع لنبض الشعب وتتفهم مشاكل فئاته المتضررة وتفتح نقاشا عموميا حول القضايا التي تهم هذا الشعب . لكن ، للأسف، حكومة المغرب ، تثبت كل يوم ، أنها منفصلة عن الشعب ولم تعد تخدم أو تدافع عن مصالحه . لهذا نجدها تصم آذانها أمام مطالب فئاته الواسعة المتضررة من قراراتها . ومن ضمن تلك الفئات أولياء أمور التلاميذ الذين بلوروا موقفا رافضا لقرار الحكومة ويطالبها بالتراجع عنه .
على الحكومة أن تعلم أن مصلحة الشعب لا تنفصل عن مصلحة الوطن ، وأن الرضوخ لإملاءات الشركات الأجنبية أو السماح لها بالتدخل في الشأن العام المغربي هو فقدان للسيادة وإعلان رسمي للتبعية . فالحكومة مطلوب منها أن تقتفي أثر أوربا ، ليس في إضافة ساعة ، ولكن في الرفع من منسوب الحرية والتربية على المواطنة ومحاربة الفساد ونهب الثروات الوطنية وفي الالتزام بالقواعد الديمقراطية وفي مقدمتها احترام إرادة الشعب . نريد أن نلتحق ونتساوى مع الغرب في مستويات النمو والتعليم والمعيشة والخدمات الاجتماعية والأمن واحترام المواطن وإرساء دولة الحق والقانون . أما التبعية في إضافة ساعة فهي تبعية سياسية وفقدان للسيادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى