الرئسيةرأي/ كرونيك

الإفريقيون السُّود لا يعتبرون أن «الأفريكان» البيض اعتذروا عن الإساءات بما فيه الكفاية.. أفارقة و«أفريكانز»؟!

بقلم الكاتب الفلسطيني حسن البطل

بين «بوتا» و«بوتا» فقد العنصريُّون البيض في جنوب إفريقيا «عرش» البلاد. وبين الأسقف الأسود ديزموند توتو وبين رئيس البلاد الأسود نيلسون مانديلا، يُحاولون أن يجدوا لهم مكانة المواطن الصالح والمُتساوي.

خلال ثلاث سنوات على انهيار القلعة البيضاء، انقلبت الأحاسيس بين بيض الجمهورية وبين سُودها، بأكثر ممّا انقلبت الأدوار السياسية. كان «بوتا» الأوّل عنصريّاً قُحّاً، وأشدّ المُنافحين عن هيمنة البيض المُطلقة على السلطة، ومُمارسة سياسة «الأبارتهايد» (الفصل والتمييز العنصريَّين). أمّا الثاني، فقد كان عنصريّاً مُهذّباً، سلّم السلطة للرئيس المنتخب الأسود، نيلسون مانديلا، أحد آخر أساطير قادة حركات التحرُّر الوطني.

بقي أن نقول: إنه لا صلة قرابة بين «بوتا» و»بوتا» سوى عضويتهما القيادية في «الحزب الوطني» وهو حزب العنصريّين البيض الرئيس.

كبير الأساقفة ديزموند توتو، حائز جائزة نوبل للسلام، وصاحب الخطاب المسيحياني -الباباوي- الروماني (من فاتيكان روما) يتابع مهمة المصالحة بين شعب دولة واحدة ينتمي إلى عرقين رئيسَين: الغالبية السوداء (حوالى 14 مليوناً) والأقلية البيضاء (أقل من أربعة ملايين وقت انتقال السلطة).. إضافة إلى المُوَلّدين، والخلاسيين. والهنود (هندوكيين ومسلمين).

كبير الأساقفة يترأس لجنة «الحق والمصالحة» لبلسمة الجرح الغائر.رئيس البلاد الأسطوري مانديلا أجاد «الرقص» مع الذئاب العنصريّة.. وقبل ذلك «العراك»،أيضاً، معها. ويجيد الرقص مع شعبه بوجهه الضاحك، وقميصه المُلوّن الشهير.

مانديلا، لم يأتِ للرئاسة محمولاً، فقط على قوة الصوت الأسود وحده، فله أنصار مُعتبرون بين البيض، وأيضاً، له خصوم مُعتبرون بين السُّود، خُصوصاً «الملك» بولينزي ومقاطعته – مملكته شبه المستقلة.

المشكلة لم تكن في هيمنة البيض (يُسمُّون أنفسهم «الأفريكان»)، لكن في «الكارثة» التي جعلوها سياسة رسمية قاطعة لهم منذ العام 1948 (في تاريخ يُصادف إقامة إسرائيل!). وهذه «الكارثة» هي قَوْننة سياسة «الأبارتهايد». التي حرمت على سُود البلاد مدارس البيض، وباصاتهم ومسابحهم، وحتى مراحيضهم العامّة.

ربّما كانت البشرة السوداء أقلّ حساسيّة للسعات سياط الشمس، لكن ليست بأقلّ حساسيّة للكرامة الإنسانيّة، لذلك كان جرح العنصريّة وصل العظام. عظام الإنسان بيضاء.

والآن لا يعتبر الإفريقيون السُّود أن «الأفريكان» البيض اعتذروا عن الإساءات بما فيه الكفاية! إفريقيُّون سُود أصحاح، و»أفريكان» بيض أقحاح.. كيف هذا؟

الواقع، أن مئات السنوات من الاستيطان الأبيض، ثم حرب البيض – البيض (الهولنديين والإنكليز) قبل قرنين المعروفة بـ»حرب البوير»، جعلت الأوروبيين يشعرون بالانتماء إلى ذلك المكان الإفريقي. لم يعودوا «أوروبيين».. ولم يستطيعوا أن يكونوا «ديمقراطيين» مثل الغُزاة الإسبان في تعايُشهم اللّاحق مع هُنود حُمر أصليّين في أميركا اللاتينية.

سياسة «الأبارتهايد» كانت شتيمة وإهانة للغرب الأبيض بأسره، وإهانة مُؤلمة للأفارقة الأصليّين وللإنسانية.

رسمياً، طُويت الصفحة السوداء (صفة مقيتة) وفتحت الصفحة السوداء (لوناً سياسيّاً)، لكنها، عمليّاً، لم تُطو بعد، ففي انتخابات العام 1994 الديمقراطية ثبت أن 95% من المُصوّتين أعطوا أصواتهم تبعاً للونهم. حالياً، صار «حزب المؤتمر الوطني الإفريقي» هو الحزب الحاكم، و»الحزب الوطني» الأبيض هو الحزب المُعارض. انقلبت الأدوار وتبدّلت المقادير.. والاتهامات، أيضاً، حيث صار الرئيس مانديلا مُتَّهماً بـ»محاباة» المواطنين السُّود على مواطنيه البيض.

لا يوجد شبيه للخارطة العرقية في جنوب إفريقيا إلّا في روديسيا الشمالية السابقة، التي صارت «زيمبابوي»، حيث انتقل أيان سميث من رئاسة النظام العنصري إلى مقعد النيابة في البرلمان. ولا يوجد شبيه لجنوب إفريقيا وزيمبابوي إلّا في فلسطين.. إسرائيل. لذلك، يهتمّ الفلسطينيون بنجاح زيمبابوي في حلّ المشكلة العنصرية، وفرص نجاح جنوب إفريقيا في حلّها.

غير أنّ «البيض» في البلدين الإفريقيين كانوا أقليّة، بينما صار الفلسطينيون هم الأقليّة في بلادهم!. إضافةً إلى أنّ القومية «الأفريكانية» البيضاء تعتمد عنصريّة اللون، لا عنصريّة الدين.. لأن معظم بيض جنوب إفريقيا وسُودها مسيحيّون (وهناك يهود ومُسلمون وأرواحيّون وهندوكيّون).

مانديلا العظيم (كإنسان وكثائر وكرئيس) رفع شعاراً بسيطاً: «صوت واحد للإنسان الواحد» أي المساواة في التصويت.. فبقيت البلاد مُوحَّدة. لكن، في فلسطين.. إسرائيل لا بدّ من «بلدٍ واحدٍ لكلّ شعب». هناك المسألة هي سلام أهلي – عرقي؛ وهنا المسألة سلام بين شعبين وبين دولتين. سلامُنا هو الأصعب.. الآن.
المصدر: الايام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى