رقابة على الفقراء وحصانة للفساد..لقجع يجد ضالته عنوانا للإصلاح في تشديد الرقابة على دراهم الدعم الاجتماعي
24/01/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
أعلن فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية عن استراتيجية جديدة، لتشديد الرقابة على نظام الدعم الاجتماعي،بهدف ضمان ما اعتبره وصول المساعدات المالية إلى الفئات المستحقة فقط.
ففي اجتماع الوزير مع الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب في الدار البيضاء، الذي كان بمثابة منصة لتقديم هذا الإجراء الذي وصفه البعض بأنه تعزيز للشفافية والعدالة الاجتماعية، بينما في الحقيقة هو مجرد واجهة لتجاهل الحقائق الأعمق التي تهدد الاقتصاد الوطني وتؤثر على الحلقة الأضعف من مكون المجتمع الوطني.
كشف لقجع خلال الاجتماع أن الخطة تتمثل في تمكين الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي من مراقبة دقيقة وشاملة لجميع المستفيدين عبر فروعها المنتشرة في أنحاء البلاد، حيث ستتولى التحقيق في مدى أهلية كل فرد للحصول على الدعم من خلال رصد مصادر الدخل غير المصرح بها.
الفكرة بسيطة: إذا كنت تعيش على حافة الفقر لكنك تجرؤ على العمل بشكل غير رسمي لتأمين قوت يومك، ستفقد حقك في الدعم فورًا،
بالطبع، هذا كله تحت شعار “التأكد من وصول المساعدات إلى مستحقيها”، بهدف الحد من التلاعب وحصر الدعم في الفئات الأكثر هشاشة، وكأن دعم الفقراء هو الذي يثقل كاهل ميزانية الدولة، وليس صفقات المليارات التي تمرر في الظل تحت أعين المسؤولين،
مثل على سبيل الحصر، صفقة وكالة المياه والغابات و التي تم اكتشاف تلاعبات بالمال العام بقيمة تصل إلى” مليارات الدراهم” في إنتاج الشتلات وتنفيذ الأشغال المتعلقة بها، إضافة إلى صفقات الأشغال والتوريدات و التي تعرضت لانتقادات بسبب تلاعبات وسوء تدبير المال العام، حيث تم تقدير تكلفة مرة اخرى بمليارات الدراهم، وحتى قطاع الصحة و الأدوية لم يسلم حيث تم الكشف عن صفقات مشبوهة في صناعة الأدوية والخدمات الصحية، وتم تقدير تكلفة التلاعبات بمليارات الدراهم.
في هذا السياق، يثار التساؤل حول مدى قدرة هذا الإجراء، الذي تحدث عنه لقجع في اجتماع مع الباطرونا المغربية، على تحقيق العدالة المنشودة في ظل غياب الرقابة الفعلية على هدر المال العام وفساد الصفقات الكبرى التي تستنزف موارد الدولة بشكل أعمق وأوسع، حيث تكمن المفارقة الصارخة، في أن ذات الحكومة التي تُشدد قبضتها على الفقراء هي نفسها التي تفتح الأبواب الخلفية لرجال الأعمال وأصحاب النفوذ لنهب المال العام وتمرير صفقات مشبوهة، كما تشير إلى ذلك العديد من الهيئات السياسية والنقابية “، فحسب الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”فإن 68 في المئة من المقاولات تعتبر أن الفساد منتشر أو منتشر جداً في المغرب، وأن الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية، والصفقات والمقتنيات العمومية، والتوظيف والتعيين والترقية في القطاع الخاص، تعد بالنسبة للمقاولات المجالات الثلاثة الأكثر تضرراً من الفساد.
كما صرح الغلوسي رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام”،إن الفسا يستنزف ما يقارب 50 مليار درهم سنويا”.
و في ذات الوقت الذي تُفرض فيه رقابة خانقة على بضع دراهم تمنحها الدولة للفئات الهشة، تُترك المليارات تتبخر في صفقات ضخمة غالبًا ما تنتهي بفشل المشاريع أو تعثرها دون أي مساءلة، كمشروع”الحسيمة منارة المتوسط” و الذي كان جزءًا من رؤية طموحة لتحقيق تنمية شاملة في المنطقة، ولكنه تعرض لتأخر كبير وتلاعبات مالية، مما أدى إلى تعميق مشاعر التهميش وإشعال احتجاجات شعبية واسعة، و مشروع النفايات الصلبة في الدار البيضاء: هذا المشروع كان يهدف إلى تحسين إدارة النفايات الصلبة في المدينة، ولكنه واجه مشاكل في التنفيذ وسوء تدبير، مما أدى إلى تعثره….، بل و حتى غض الطرف عن الأرباح الغير مشروعة للباطرونة التي تسير البلاد الأرباح المحققة في قطاع المحروقات على سبيل المثال .
ما يعكس صورة واضحة عن بعد تخقيق هدف العدالة الاجتماعية، فالرقابة على الفقراء لن تحل أزمات الاقتصاد الذي يستنزف على يد منظومة فساد محكمة تمتد إلى مراكز القرار، و العجز عن محاسبة المتورطين في هدر المال العام لا يمكن تعويضه بتشديد الخناق على الفئات التي بالكاد تستطيع الصمود أمام متطلبات الحياة اليومية، حيث يؤدي الفساد إلى زيادة تكاليف الإنتاج والخدمات بسبب الرشاوى والعمولات غير المشروعة و الشناقة ، مما ينعكس سلبًا على أسعار السلع والخدمات الأساسية، وبالتالي تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى تدني جودة الخدمات العامة حيث يؤثر الفساد على جودة الخدمات المقدمة في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والنقل، مما يدفع المواطنين إلى اللجوء للقطاع الخاص وتحمل تكاليف إضافية للحصول على خدمات ذات جودة مقبولة.
و في ظل نظامٍ يسعى إلى تقديم نفسه كحارس للشفافية و يتجاهل أن الفساد لا يتجلى فقط في استغلال الدعم الاجتماعي بل في كيفية توزيع الثروات الوطنية وتوجيه الموارد الاقتصادية.هذا ما أكدته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في تقريرها السنوي لعام 2022.
من جانبه، كان دعا محمد بشير الراشدي، رئيس هيئة النزاهة، إلى ضرورة إخراج قانون الإثراء غير المشروع لمحاربة الفساد، مشددًا على أهمية مراقبة تطور الثروة لدى الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية، لمنع استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت تقارير أن المغرب تراجع في مؤشر إدراك الفساد، حيث احتل سنة 2023 المرتبة 97 من أصل 180 دولة، مما يشير إلى استفحال الظاهرة وتأثيرها السلبي على توزيع الثروات الوطنية وتوجيه الموارد الاقتصادية.
السياسات التي تنظر إلى الفقراء كمصدر للتلاعب ولا تنظر إلى كبار الفاسدين كمصدر حقيقي لنزيف الميزانية هي سياسات تزيد من تعميق الفجوة الاجتماعية وتكرس الإحباط بين المواطنين الذين يدركون أن العدالة الحقيقية لا مكان لها في هذا المشهد العبثي.
و بينما يدفع المواطن العادي فاتورة هذه السياسات، تستمر الحكومة في تقديم وعود لا تجد طريقها إلى التنفيذ، و تبقى التضحية بمكتسبات الفئات الهشة تحت ذريعة الإصلاح هي الحل لتغطية شمس الفساد بغربال الرقابة على الريالات، في تأكيد واضح لعجز المنظومة عن مواجهة الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى استنزاف موارد الدولة.
خلاصة القول، أن الحديث عن الشفافية يصبح مجرد شعار أجوف إذا لم يترافق مع إرادة سياسية حقيقية لمحاسبة المفسدين وإعادة الاعتبار لمفهوم العدالة الذي يبدو أنه أصبح حكرًا على الورق دون تطبيق فعلي على أرض الواقع، و ان ما يراه البعض إصلاحًا قد لا يكون سوى مسرحية جديدة تهدف إلى تصدير صورة براقة لحكومة تدرك تمامًا أن الحلول الحقيقية تتطلب مواجهة شجاعة مع الفساد، مواجهة مع نفسها بالدرجة الأولى وهي مواجهة يبدو أنها لا تزال بعيدة عن متناولها، صحيح ان الفساد والريع بات ممتدا عموديا وأفقيا، إلا أن مواجهته تقتضي ضرب دابره أولا في الفساد والريع الكبيرين.