ذاكرة

طرائف المعتقلين السياسيين…المختطف السياسي السابق الرحوي ..طعام صالح للزراعة وفرملي يتعرف على الأدوية بالشم والتذوق2/2

هم أصحاب مواقف معارضة، قادتهم إلى غياهب المعتقلات السرية، المعروفة منها والمجهولة العنوان..سياسيون أمضوا سنوات طوال خلف الأسوار والأبواب الموصدة في زمن الجمر والرصاص.. قاوموا العزلة وبرودة السجن، وحاولوا النجاة بإرادتهم من أجواء المعتقل بعدما خلقوا أجواء من الفرح من عمق الألموالتوتر والقلق والكآبة والخوف..منهم من قضى في السجن، ومنهم من غادر أسواره بأعطاب نفسية عميقة، أضحت لحظات الألم فيها الآن، أو عند كل استدراج للذاكرة عنوانا للتفكر من المرحلة وثقل المرحلة.

في هذه الفسحة، ثمة طرائف للمعتقلين السياسيين، جديرة بأن تُروى، تمكنوا من خلال عفويتها ومواقفها وصناعتها أحيانا، التحرر من قسوة المكان وسطوة السجان.. تعيد “دابا بريس” نشر مروياتهم، التي حكوها ذات ليال رمضانية، للزميلة “هدى سحلي”

ومن بين هؤلاء المعتقل السابق محمد الرحوي ،فيحكي مثل كثيرين هنا، كيف انتصر بمعية زملائه على ظلمة الزنزانة وتعذيب السجان بسلاح السخرية وصناعة الطرائف المنقوعة من كوميديا المواقف.

 

والمختطف السياسي السابق/ محمد الرحوي 2/2

طعام صالح للزراعة وفرملي يتعرف على الأدوية بالشم والتذوق

يستمر محمد الرحوي في سرد حكاياته المضحكة، وتلك الابتسامة الساخرة لا تفارق محياه، وكأن الماضي تجسد بكل ثقله وسخريته اللاذعة في اللحظة الحاضرة، ومعها يحضر اعتزازه بنفسه الصامدة وبشخصيته القوية، فيذكر مواقف السجان التي تغيرت وسلوكاته البغيضة التي تحسنت بسبب بركة “موالاي عبد السلام بنمشيش” وقصة المسؤول عن توزيع الأدوية التي يعطيها للمرضى غير “بالتقمار”، والأكل الذي كانوا يسخرون من نيئه فيصفونه بأنه “لازال صالحا للزراعة”.

عائلات المختطفين

في معتقل اكدز، كان هناك سجان، يقول الرحوي، غليظ القلب فظ اللسان، ويتعامل بشدة وقسوة، فجأة تغير سلوكه معنا، وفي أحد الأيام أصبح يمر علينا ويفرق علينا التمر، في البداية لم نكن نأكله، لأننا كنا نظن أنه فخ من الفخاخ التي ينصبها لنا الحراس، تتلوها حصص من التعذيب، لكن فيما بعد، أوضح لنا هذا السجان سبب تبدّل حاله ” قال لينا مشيت زرت مولاي عبد السلام بنمشيش، البركة ديالوتيقنو منها، انا شفتها بعيني، جابو لي 10 تمرات، كناكل تمرة كنحسبكنلقى 10 تمرات باقين” يتابع الرحوي، “لما سمعت حكايته، قلت ليه أكيد كان شي واحد كحطها لك بلا ما تعيق، وهو والو مصر قال لك شبعت وبقاو 10 تمرات”. ضحكنا من حكايته، لكن المهم بالنسبة لنا ربحنا من “بركة بنمشيش” وأصبح السجان “مزيان وcorrect”.

ولم تكن للرحوي قصة مع سجان “البركة” لوحده، بل كانت لهم مع طل سجان تقريبا حكاية تضحكه، منها “سجان تخاصم مع باقي السجانين المخازنية” يحكي الرحوي، أن هذا السجان جاءهم ذات يوم “كاعي من المخازنية” وقال لهم “هاد المخازنية ما كنحملهومش”، سألوه لما، فقال لهم: كنت دائما أتقاسم معهم “الكاميلة اللي كنطيب، والله ما كدوز لي الماكلة، حتىكنعرض عليهم ياكلومعاي”، وفي أحد الأيام كان السجان يمر بذائقة مالية، واحتاج لمن يقرضه بعض المال،  فسأل كل المخازنية الذي كان يشاركهم طعامهم، وكان يعرف أنهم يمكلكون المال، لكنهم كلهم رفضوا إقراضه، وهو الأمر الذي لم يستسغه السجان “وبقا فيه الحال”، وكي ينتقم منهم، يتابع الرحوي “أصبح الأكل لا يحلو له إلا إذا طبخه وأكله أمامهم وهو ينظرون إليه ويشتهون طعامه”، وقال السجان تعبيرا عن حنقه من زملائه “هادوك الى لقيت شي واحد فيهم حدا شي حافة ندفعو، والو ما نعتقش”.

محمد الرحوي الأخير على اليسار

وعلى ذكر الطعام، يقول الرحوي ضاحكا: الفطور كان عبارة عن شي حاجة شبيهة بالقهوة والحليب، ونحن كما نسميها بالإنجليزية “tired” لأنه كنا غير كنشربوهاكنترخاو”، أما وجبة الغذاء فكانت عبارة عن بضع قطع من الجزر واللفت تسبح في صحن صدئ، مليء بالمياه العديمة الطعم، وفي العشاء كانوا يقدمون لنا الشاي في كوب معدني، والفول أو العدس، الذي كان نيئا ولكن كنا نضطر لأكله، “كنا كنقولو عليه باقي صالح للزراعة” ويضحك الرحوي حد القهقهة وهو يهز أكتافه مضيفا “الى ما درناشهاكا ورجعنا كلشي ضحك… ما ناكلوش”.

ومن الطرائف التي وقعت في قلعة مكونة، يحكي الرحوي صاحب الذاكرة الفياضة،” كنت بالقرب من شباك عريض يطل على الساحة، وكان يمر شخص يجر “كروصة” محملة بالأدوية، فجأة يتوقف الرجل، فأراه يفتح الأدوية يشم رائحتها أو يتذوقها إذا كانت محلولا، في البداية شككت، لكن لما تيقنت من تراه عيني، ناديت باقي الرفاق لمشاهدته، وماهي إلا لحظات حتى دخل علينا الرجل، وقال لي: ضاراك شي حاجة،فأجبته “وااااااااااالو الحمد لله” ويدي مرفوعة إلى السماء وكأني أجسد لقطة مسرحيةثما تقناش فيه “غير خلينا مراض..المرض مزيان” يقول الرحوي، متابعا، وكان معنا رفيق التحق بنا فيما مريضا، وكان من المفترض أن يأخذ ابرة، لكن اتضح أن هذا الرجل الفرملي “ما كعرفش يضرب الشوكة”، فكان في كل مرة يحاول تك الشوكة في عضل الارفيق، تسقط من يديه، في المرة الأولى ثم الثانية فالثالثة، ونحن نتفرج عليه، وهو ما رضاش وما بغاش يبين أنه ما كعرفش، سبها في الرفيق، قال له “تا مالك لحمك قاسح بحالاكتضرب الكيف” وصراحة لم نستطع حينها ضبط أنفسنا وانفجرنا ضحكا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى