ذاكرةسياسةميديا و أونلاين

“دابا بريس” تواصل نشر تفاعل حفيظ مع “الربيع المغربي” بعين الصحافي“و حلقة اليوم: الحق في التفاؤل

هذه الزاوية التي وصلت اليوم حلقتها 14، تحكي وتوثق لكتابات صحافية لمحمد حفيظ، عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة مع الحزب عبر نشرة ناطقة تقريبا بالشبيبة الاتحادية، بنزقها ومشاكستها يومها للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي والتي اسمها “النشرة”، ثم انتمى لتجربة  معارك فصل أو على الأقل خوض تجربة بناء صحافة مستقلة وحرة بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة وأحيانا الكابحة لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبنفس المستوى البعيدة عن سطوة إعلام السلطة.

في هذه الحلقات نستمر عبرها في نشر و نقل تفاعل إعلامي خاصم بتجربته صحافية الدولة، بنفس المستوى الذي خاصم فيها انتماءه السياسي الحزبي في كثير من المناسبات، متشبتا بمهنيته يومها مديرا مسؤولا عن الحياة الجديدة.

، التي هي من احتضنت هذه الافتتاحيات.

محمد حفيظ

 

كيف يمكن أن نتفاعل مع ما يجري في المغرب، بالمجتمع والدولة، منذ شهرين؟ بصيغة أخرى، هل ما يجري يدفع إلى التفاؤل أم يُغرق في التشاؤم؟ وبصيغة أوضح، هل ما يجري، منذ ميلاد حركة 20 فبراير، يدعو إلى التفاؤل أم لا؟
بالنسبة إلي، لن أتردد في القول إن ما يحدث يدعو إلى التفاؤل. (أوضح أنه لم يسبق لي أن كنت متشائما. ولكن، في المقابل، لم يسبق أن بلغ التفاؤل عندي ما بلغه اليوم).

وهذا التفاؤل مرده إلى الأمل الذي انبعث في النفوس والاطمئنان إلى مستقبل الأجيال اللاحقة. فبغض النظر عن حجم المكاسب التي ستتحقق للمغرب والمغاربة بفضل «ربيع النضال» الذي انخرط فيه المغاربة، وبغض النظر عن الموقف أو المواقف من هذه المكاسب، فإن الرجوع إلى الوراء أصبح، بالنسبة إلى الجميع، خيارا مستحيلا، كيفما كانت قوة وجبروت من يريدون أن يجروا البلاد إلى الوراء. وهذا وحده كاف ليجعلنا نثق في المستقبل القريب والبعيد.

إن المغاربة يعيشون، اليوم، لحظة مفصلية في تاريخهم. وهذه اللحظة لا يمكن لما بعدها أن يكون مثل ما قبلها، أو أن ينسخ ما بعدها ما قبلها. إن المغاربة، بشبابهم وغير شبابهم، يرسمون على الخريطة التاريخية لبلدهم حدا سيكون فاصلا بين مرحلتين. اليوم، يضع المغاربة الحجر الأساس لـ«انتقال ديمقراطي» صاعد من الأسفل إلى الأعلى، انتقال يصنع في الشارع وفي ميدان التظاهر. انتقال لن يكون مثل ذلك «الانتقال التوافقي» الذي صيغت بنوده بعيدا عن المغاربة، وتحكم فيه قسم سري على القرآن، وأرغموا على أن يدخلوه، وهم يجهلون أسراره التي ظلت طي الكتمان.

ما يجري عندنا وفي محيطنا يدعونا إلى التفاؤل. فعلى الأقل، أصبح بإمكاننا أن نتمتع بهذا «الحق» المعنوي، الذي أعتبره حقا من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان. ولكم أن تتصورا حياة من يعيش بدون تفاؤل. لا أتصور معنى للحق في الحياة أو الحق في الحرية أو الحق في التعبير بدون تفاؤل.

لقد أعاد شباب 20 فبراير الاعتبار إلى التفاؤل. ويكفي أنهم أعادوا الأمل في الشباب، بعدما كاد كثيرون يكفرون بهذه الطاقة الحيوية التي تمنح الحياة للمجتمعات، والتي بدونها لا حياة لمجتمع.

ينبغي ألا ننسى أنه، إلى حين قريب، كان الكثيرون لا يخفون أنهم «غْسْلُوا إِيدِّيهُمْ عْلَى الشباب» الذي كان متهما باللامبالاة وبالعزوف عما يتعلق بالشأن العام، ويتهمونه بالاستغراق في عوالم بعيدة عن واقعه، وبالانشغال بما لا يفيده، وبترك الساحة فارغة للمتاجرين في مستقبله وقضاياه.

علينا ألا ننسى أنه، إلى حين قريب، كان كثيرون يشتكون من حالات الجمود والسكون التي ظلت تخيم على مفاصل المجتمع، والتي كانت تهدد بإصابته بالشلل.

علينا ألا ننسى أنه، إلى حين قريب، كان قد تسرب يأس شديد وقنوط قاتل إلى نفوس الكثيرين، فلم تعد لهم ثقة في بلدهم، وأصبح الشك والارتياب سلاحهم الذي يرفعونه في وجه أي مبادرة، كيفما كان مصدرها.

لا يمكن أن ننكر أن كثيرين من المغاربة كادوا، بسبب كل ذلك، أن يكفروا بوطنهم، بفعل التذمر من الممارسات التي يلقونها داخله وباسمه، وبسبب الخيبات التي تجرعوها إثر قرارات أو ممارسات قام بها من يحكمونهم باسم الوطن.

اليوم، يعيش المغاربة أجواء أخرى. عادت الحياة إلى الشباب، أو عاد الشباب إلى الحياة. أصبح يقود مرحلة بكاملها. الجميع اعترف بذلك. والجميع انخرط في معركة الشباب. اللامبالاة تحولت إلى مبالاة. العزوف عوضه الانخراط في قضايا الوطن. وعُوِّض الجمود والسكون بالدينامية والحركة (وكما يقول المثل «في الحركة بركة»). تحول اليأس إلى أمل. وبدأت ملامح الثقة في المستقبل تتغلب على الشك والارتياب. وأبان شباب المغرب عن إيمانهم بوطنهم، فقرروا أن يتصدوا لكل من يعتدي على هذا الوطن، وينهب خيراته وثرواته، ويعرقل تقدمه وتنميته، ويحرم أبناءه من حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية…

ألا يبعث كل هذا على التفاؤل؟

ويزداد التفاؤل، حين نتابع هذا الأسلوب الحضاري الرفيع والأنيق الذي يقود به شباب المغرب ثورتهم في الشارع وفي ميادين التظاهر. إنها ثورة هادئة وسلمية، تجعل كل مغربي يحب وطنه يشعر بالفخر والاعتزاز.

لننظر إلى الوجه الآخر من العملة، ونطرح السؤال التالي: كيف ردت الدولة؟ إذا تجاوزنا ارتباك الساعات الأولى، وما رافقه من محاولات للتقليل من حجم ما سيقبل عليه شباب المغرب، بدعوى «أطروحة الاستثناء» أو من أجل تشويه صورة الشباب والحط من مرامي حركته، يمكن أن نرصد محاولات لاحقة للدولة من أجل الالتحاق بهذه الدينامية والتفاعل معها بشكل إيجابي. فالشباب رفع شعار المرحلة: «الشعب يريد…»، والطرف الآخر أجاب: «الدولة ترد…».

انخرط الملك في حوار مع الشباب. الشباب يرفع مطلبا، والملك يرد. الشباب طالب، في مسيرات 20 فبراير، بتغيير الدستور. والملك يرد، في خطاب 9 مارس، بالإعلان عن مراجعة الدستور. الشباب يطالب، في مسيرات ما بعد 20 فبراير، بإسقاط الفساد ومحاربة اقتصاد الريع. الملك يعلن عن «مكافحة اقتصاد الريع ومختلف أشكال الاحتكار والامتيازات غير المشروعة» (كما جاء في بلاغ الديوان الملكي إثر استقبال الملك لرئيس مجلس المنافسة، يوم 11 أبريل، والإعلان عن توسيع صلاحيات المجلس). الشباب يتبنى مطلب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لتوفير مناخ الثقة المواكب لخطاب الإصلاح. الملك يرد، يوم 14 أبريل، بإصدار العفو عن العشرات من المعتقلين، في انتظار إطلاق من بقي منهم في السجن…

هذه فقط مقدمات. والقادم سيكون أفضل بفضل مرحلة دشنها شباب المغرب واستقطب إليها مكونات أخرى من المجتمع، مثلما جر إليها الدولة.

فلنتمسك بالحق في التفاؤل. حق الإنسان في التمتع بالأمل، والعيش مطمئن البال على الحاضر والمستقبل.
21 أبريل 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى