ثقافة وفنون

“نواس الحمراء” في ضيافة جيل جيلالة (فيديو)

العربي رياض

استقدمه المهدي الرباطي للجمعية، وتم إخباره بأن الملاخ بصدد تأسيس مجموعة غنائية على شاكلة الغيوان وجيلالة، سيطلق عليها اسم “نواس الحمراء”، الاسم الذي اختاره الملاخ نسبة إلى جمعية شبيبة الحمراء، فانطلقت التداريب على الأغاني التي كانوا يؤدونها في الأعمال المسرحية وهي أغاني: «ابكي يا عيني» «ولاتيق ف الدنيا» «بغيت قريقشاتي، بغيت مويعناتي»؛

وقد كتبها كما تمت الإشارة إلى ذلك عبد الرحمان جموع، واستُلْهِمَتْ ألحانها من التراث الشعبي، ومع القوة التي ظهرت بها الغيوان وجيلالة والصدى الذي تركه أفراد المجموعتين، كان الرهان بالنسبة للملاخ هو الكيفية التي ستظهر بها «نواس الحمراء»، التي اعتبرت ثالث مجموعة تتأسس بعد الغيوان وجيلالة، على الأقل، في مراكش والمدن المجاورة لها، لاننسى أن لمشاهب هي الأخرى كانت قيد التشكل في سنة 1973، أي الفترة التي ستتهيأ فيها نواس الحمراء للخروج إلى العلن، أضف إلى ذلك مجموعات أخرى منها تكدة وغيرها.

فرقة نواس الحمراء

قرر الملاخ ألا يضيف على آلة السنتير أي آلة عزف أخرى، على عكس ناس الغيوان وجيلالة، حيث استعملت الأولى، إلى جانب السنتير، آلة البانجو، فيما استعانت الثانية بالبوزق، لكن الملاخ ارتأى أن يظل السنتير هو آلة العزف الرئيسية، وبما أنه متشبع بالمسرح، وعلى دراية بالأكسسوارات والملابس، فقد اختار ملابس مغايرة لتلك التي ظهرت بها الغيوان وجيلالة، وكانت تحيل على التراث المغربي، وفي الآن نفسه تواكب روح العصر، وفق ما طبع تلك المرحلة من متغيرات، والتي تم توصيفها بكونها مرحلة »الهيبيزم»، ذات التمظهرات الفريدة، كما يذكر من جايلوا نشأة المجموعات الغنائية بالمغرب.
هكذا تم تصميم لباس يتكون من قميص أبيض، مع جيلي مفتوح بلون بنفسجي، وسروال بذات اللون «قنضريسي»، أو ما يعرف بسروال الغولف، يصل إلى الركبة، مع حذاء طويل »بوتيو» بلون أبيض، يذكر عبد الكريم بأن هذا اللباس كان له وقعه وتأثيره، وساهم في انتشار صيت المجموعة، لأنه كان مميزا وجعلها تطل على الجمهور بشكل مخالف للغيوان وجيلالة، اللتين اعتمدتا جيليات مطرزة، انتشرت في أوساط الشباب، وجعلت المغاربة المغرمين ب «الهيبي» يتميزون عن باقي الشباب في العالم الذي يؤمن بهذا المذهب.

بعد إتمام العمل واختيار الملابس وطريقة الظهور على الخشبة، كان لزاما على المجموعة أن تعرف بنفسها، وبفنها، فما كان أمامها سوى خيار السفر إلى الدار البيضاء، وكان ذلك سنة (1974).

سافر أعضاء فرقة «نواس الحمراء» إلى العاصمة الاقتصادية، حيث تنتشر دور تسجيل الأسطوانات، وكان برفقتهم زميلهم في التمثيل أحمد الزيوري، الذي يعمل في المحافظة العامة للمجموعة، هناك سيلتقون بالحاج حسن، صاحب شركة «كتبية فون للتسجيل»، الذي سيرحب بهم، وسيسجل عملهم الأول في أسطوانة 45 لفة، قام بتوزيعها على ثلاث أسطوانات.

بعد الانتهاء من التسجيل، قصدوا مقهى لاكوميدي*، التي كانت مقصدا للفنانين المغاربة في تلك الحقبة، على أمل اللقاء بعناصر جيل جيلالة، الذين كانوا على معرفة بأعضاء المجموعة الوليدة، ومنهم من شارك مولاي الطاهر الأصبهاني ومحمد الدرهم ومولاي عبد العزيز الطاهري ومحمد شهرمان في عدة أعمال مسرحية، كما كانت تجمعهم علاقات حميمية جدا.

لأول مرة سيلتقي عبد الكريم القسبجي بالفنان حميد الزوغي مؤسس مجموعة جيل جيلالة، كان اللقاء بمقهى لاكوميدي، رحب بهم الزوغي ودعاهم إلى النادي الذي كانت تشتغل فيه مجموعة جيل جيلالة، الكائن على مقربة من مسجد السنة، داخل النادي الذي كان يقطنه محمد الدرهم، سيلتقون بهذا رفقة والفنان محمود السعدي وسكينة، وسيحضر أيضا الأستاذ الموسيقار سعيد الشرايبي، أحس عبد الكريم بغبطة كبيرة، فهو جالس الآن وسط نجوم لهم جمهور واسع في المغرب، وشاءت الظروف أن يتعرف عليهم عن قرب في مدينة بعيدة عن مدينته، وسمع عنهم الكثير داخل الجمعية، ولم يكن يراهم إلا عبر الشاشة الصغيرة، أو يسمع أغانيهم من خلال الأسطوانات أو المذياع.

الفنان الدرهم
العربي باطما
مولاي عبدالعزيز الطاهري

داخل النادي، سيتم استرجاع الذكريات بين أعضاء الفرقة ومحمد الدرهم، وسيطلب منهم الزوغي أداء الأغاني التي قاموا بتسجيلها، فرددوها أمامه بحضور الشرايبي والدرهم وسكينة السعدي، واطلعهم الزوغي أن جيل جيلالة بصدد إعداد أغنية بعنوان «لحكاية»، مرت الأجواء سلسة ومرحة تخللها تشجيع الرواد لهذه الفرقة الفتية.

في اليوم الموالي، حضر مولاي الطاهري الذي كان لا يزال ضمن مجموعة ناس الغيوان، وازدادت الأجواء حميمية، أعادت فرقة نواس الحمراء ترديد أغانيها أمام مولاي الطاهر والطاهري، وامتزج الحديث والحوار الفني بالغناء، وسط هذه الأجواء كان عبد الكريم دائم الصمت، لأنه الأصغر، ولم يعش ما عاشه أفراد جيل جيلالة مع بقية أفراد فرقته، إلا أنه كان منتشيا، أخيرا أحس أن مسيرته الفنية بدأت أولى خطواتها، خصوصا مع الإعجاب الذي أبداه الزوغي وباقي أفراد جيل جيلالة تجاه مجموعته، والثناء على صوته المميز، ورغم أن باقي أفراد نواس الحمراء هم من أبناء «الزاوية»*، أي المنطقة التي كان يقطنها معظم أفراد جيل جيلالة، إلا أن علاقة عبد الكريم بأعضاء هذه الأخيرة ستعرف، خلال تلك الجلسات تطورا، وستتجه نحو الحيميمة أكثر، لأنهم أعجبوا بصوته.

خلال اللقاءين تم الاتفاق بين جيل جيلالة ونواس الحمراءعلى تنظيم سهرات وحفلات مشتركة، ووعد الزوغي رفاق عبد الكريم بأنه سيقف إلى جانبهم وسيشجعهم على الاستمرار في أفق تهييء عمل آخر، وسيدلهم على دور تسجيل أخرى لها مكانتها في الساحة الفنية.

عاد عبد الكريم إلى مراكش، وكله سرور، خاصة أنه تقاضى أول أجر بعد تسجيل أول عمل فني، كما أنه التقى بمن كان معجبا بهم بالأمس، وعبروا له عن إعجابهم بصوته.

https://www.youtube.com/watch?v=n7pg_A5EEs0

حماس جديد وطموح كبير غَمر المجموعة الفنية، خاصة وأنه بعد تسجيلها الأول، سَتُنَظَّمُ بعض الحفلات في المعهد الفرنسي، وفي معهد باستور، كما ستتم دعوتها من طرف التلفزة المغربية لتقديم سهرة قدمها الصحفي المقتدر سعيد الزياني، ووصفت المجموعة بكونها المجموعة الثالثة بعد ناس الغيوان وجيل جيلالة، هنا سيبدأ التفكير في ضرورة إصدار عمل جديد، لكن بنفس المستوى الذي طبع العمل الأول، إن لم يكن أقوى وأحسن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى