رأي/ كرونيك

هل ستفوز الجزائر بكأس العدالة والحرية؟

نزار بولحية: كاتب وصحافي من تونس

ربح الجزائريون وبلغوا المباراة النهائية لكأس افريقيا لكرة القدم وباتوا على بعد خطوة فقط من رفع اللقب الكروي الأعلى في القارة. وهذا وحده كان يكفي لحصولهم على تقدير الكثيرين، بمن فيهم أهل غزة المنكوبين، لكنه كان فرصة أيضا ليعاين الجميع الأثر القوي الذي باتت تتركه الرياضة على السياسة، بعد أن شاهدوا، على سبيل المثال، صور اقتحام بعض الشبان للحدود المغلقة بين المغرب والجزائر في أعقاب الاحتفالات بالفوز الجزائري، التي لم يكن ليخطر ببال أحد أن تحصل في ظروف غير تلك.

غير أن كأسا ثانية مازالت تنتظر الجزائر، وقد تكون أغلى وأهم من الأولى وهي، كأس العدالة والحرية. فالتحدي الأكبر إن كان «محاربو الصحراء» وهو لقب الفريق الجزائري لكرة القدم، سيكونون قادرين هذه المرة أيضا على الفوز بتلك الكأس ولو بهدف قاتل في الدقائق الأخيرة من المباراة الصعبة والطويلة التي بدأوها في فبراير الماضي؟ والأمر لن يكون سهلا على الإطلاق. فإن سلمنا بما قالته وزارة الدفاع الجزائرية الأحد الماضي من أنها حبطت مخططا إرهابيا لاستهداف المسيرات السلمية، فإن هناك عدوا آخر بات يتربص بها ويهدد بحرمانها من تحقيق ذلك النصر وهو شبح الارهاب.

فلم يتبخر الإرهابيون بعد في الجزائر، كما اعتقد البعض، وهم فضلا عن أنهم لن يرضوا لا بالمباراة ولا بمنطقها وقواعدها، فإنهم لن يرتاحوا أبدا إن كسبت تلك الكأس، إذ لم يعد هدفهم الدولة المرتدة أو النظام الكافر فقط، بل صارت أعينهم ورصاصهم وربما قنابلهم وألغامهم مفتوحة على الحراك الشعبي. وقد تكون حماسة الجزائريين وصدق نواياهم في التمسك بالحصول على ذلك اللقب الغالي وتخطيطهم، هي الحاجز الاول للوقوف بوجه كل ما يحيكه هؤلاء وغيرهم، ولكن هل ستكون هي المفتاح الأول والوحيد لنجاحهم في الرد على تلك التهديدات، ثم في كسب ما يسميه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي معركة الاستقلال الثاني؟.

في الجمعة الحادية والعشرين من حراكهم فاجأ الجزائريون العالم بابتكارين اثنين: زيت السيارات المستعمل كأسلوب نظامي بديل ربما لخراطيم المياه والقنابل الصوتية، التي تلقى عادة على المتظاهرين، ووسيلة لإفراغ الشوارع من المتظاهرين، وإطفاء جذوة الاحتجاجات ولافتات شعبية بالمقابل كتلك التي رفعها أحد المحتجين وتقول «الشعب يريد كأس العدالة والحرية» وهي العلامة العفوية التي حثت على البقاء فيها، لا لأجل الاحتفال فقط بالفوز في الكأس الافريقية لكرة القدم، مثلما رغب النظام وتمنى، بل لتجديد العهد بأن لابد من الفوز بالكأس الاغلى والأهم، وهي كأس الديمقراطية والعدالة والحرية.

وفي كلا الابتكارين أمكننا أن نرى بوضوح الفارق بين نظام يحاول التعلق ولو بحيلة حتى إن كانت مفضوحة وسخيفة مثل اللجوء لزيت السيارات المستعمل، وهذا على كل أهون بكثير من استخدام العنف، وشعب يبدو مصمما على مواصلة طريقه الصعب والطويل، لانتزاع حقوقه والتخلص من طغاته، بغض النظر عن كل العقبات والمغريات التي قد تعترض سبيله.

الجزائر الجديدة مازالت تستعصي على الظهور بوجهها الجديد، والقديمة لم تعد قادرة على الاستمرار طويلا في معاكسة التيار، والبقاء بالشكل المعروف

ولكن الصورة بقيت على حالها مشوشة في كلا الجهتين وكفة المباراة متعادلة تقريبا. فلا أحد يعرف اليوم وربما غدا ايضا من تكون تلك الجهة التي قصدها قائد صالح في خطابه الأخير، حين تحدث الاسبوع الماضي عن «الدوائر المعادية للجزائر ولمؤسساتها الدستورية، التي تكن حقدا دفينا للجيش الوطني الشعبي الجزائري»، ولماذا انزعج الحاكم الفعلي للجزائر الآن من شعار الدولة المدنية،

وهل أنه سيتراجع عن ذلك مثلما اعتاد أن يفعل سابقا في كثير من مواقفه وتصريحاته. ولعلنا نذكر جيدا كيف وصف المتظاهرين مع بدء الاحتجاجات بـ»المغرر بهم» قبل أن يتحول هؤلاء بنظره إلى «متظاهرين سلميين» أثبتوا «حسا وطنيا، بل حضاريا بالغ الرفعة، ينم عن وعي شعبي عميق أذهل الجميع في كافة أصقاع العالم» مثلما قال عنهم في أحد خطاباته،

وكيف تحولت أيضا تحذيراته وتهديداته من تكرر العشرية الحمراء، إلى دعم كامل للحراك الشعبي والسلمي، ثم كيف استطاع رغم بقائه في النظام وانتمائه له أن يصفه بالعصابة، ويلاحق بعض رموزه كشقيق الرئيس السابق، ويشن بعدها حملة ملاحقات على بعض من كانوا رفاقه وزملاءه في المجالس الرسمية تحت مسمى محاربة الفساد.

وكما يحوم الضباب حول نوايا القائد العسكري القوي، فلا أحد بمقدوره أيضا أن يحسم أو يحدد بشكل واضح ودقيق ما الذي يطالب به المحتجون بالضبط، أي حرية وأي عدالة يريدون؟ وما الذي يفكرون به في صورة حصولهم على كل أو بعض ما ينادون به، من رحيل تام وكامل لجميع رموز النظام؟ فالجزائر الجديدة مازالت تستعصي على الظهور بوجهها الجديد، وتلك القديمة بالمقابل لم تعد قادرة على الاستمرار طويلا في معاكسة التيار، والبقاء بالشكل المعروف. وربما استحسن الطرفان معا، أي السلطة والشعب، التكافؤ النسبي للنتيجة الحالية ومنطق «لا رابح ولا مهزوم» مع أن كل واحد منهما لا يزال يراهن على أن يمل الطرف الآخر في وقت ما ويرفع الراية البيضاء ويقر بالهزيمة. ولكن السؤال المعلق هو ما الذي سيفعله الطرف المنتصر في كأس الحرية والعدالة بالآخر؟ وكيف ستكون الدولة المدنية التي استهجنت القيادة العسكرية الدعوة لها واعتبرتها «شعارا كاذبا ومفضوح الأهداف والنوايا»؟.

الأمر لا يتعلق هنا فقط بموقع الجيش، وهل أنه سيظل في قلب العملية السياسية ومديرا لها من وراء الستار كما كان الحال؟ أم انه سيعود كما يحصل دائما في أي بلد ديمقراطي إلى ثكناته ويترك السياسة لأهلها ويهتم بوظيفته الوحيدة وهي الدفاع عن البلد ضد أي عدوان خارجي، بل بالشكل الذي يريده الجزائريون بالنهاية لدولتهم؟ وكيف يفهمون تلك الحرية التي يطالبون بها ويتصورون تطبيقها؟ وكما كان الأمر في الكأس الافريقية لكرة القدم، فإن عواطف اللاعبين وحماستهم لن تكفي وحدها لصنع النصر في كأس العدالة والكرامة، بل إنه سيكون مطلوبا منهم أن يركزوا جيدا على كامل ردهات المباراة ويقتنصوا كل الفرص التي تتاح لهم أثناءها ويحسنوا الخروج من حالات الضغط التي قد تسلط عليهم وتكون لهم قبل ذلك قراءة جيدة للمنافس، ومعرفة دقيقة بخططه وعناصر قوته وضعفه. وعليهم أن لا يعتبروا لجوء الخصم متى شعر بتغلبهم وتفوقهم عليه إلى استخدام وسائل غير شريفة لتغيير النتيجة، مبررا مقنعا لخرق قواعد اللعبة والخروج عن الميثاق الرياضي والسلمي، الذي عاهدوا أنفسهم عليه.

لقد قال سفير امريكي سابق إن لم تنجح الديمقراطية في تونس فلن تنجح في أي بلد عربي آخر، وربما جاز للكثيرين أن يقولوا بدروهم وبثقة زائدة بعض الشيء، إن لم تفز الجزائر ولو بعد حين بكأس العدالة والحرية فربما لن يفوز بها العرب على الإطلاق ولن يصل صداها المنسيين في غزة. ولكن الكرة تبقى مفتوحة على كل احتمال وفي اقدام اللاعبين قبل غيرهم كما يردد العارفون بها دائما وباستمرار.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى