سياسة

خطاب العرش تذكير ببدايات”العهد الجديد”ومساءلة لموقع المشروع الديمقراطي في ظل هشاشة اليسار وفشل PAM وعدم جدارة RNI في التحدث باسم “الانتقال”

خالد فضيل فاعل سياسي ونقابي

تابع المغاربة مساء الإثنين 29 يوليوز 2019 , خطاب العرش الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه الحكم.و لعل أية قراءة متأنية ، موضوعية و متحررة من منطق الأحكام الجاهزة و عقلية التفتيش في النوايا و نهج التنقيب عن فرص اليأس بدل مؤشرات الأمل ، لعل أية قراءة بهذه المواصفات ستفضي إلى الوقوف على حقيقة أن هذا الخطاب جاء ليذكرنا بتلك الخطابات التي أطرت المبادرات الأولى للعهد الجديد و ليمنح هذا العهد نفسا جديدا كان في أمس الحاجة إليه بعد كل ما حصل من اختلالات و تراجعات و مثبطات ابتداء من خريف 2007 ، جعلت انتقالنا نحو الديمقراطية يعيش مرحلة من التردد و الانتظارية و الخفوت كادت تعصف بكل ما تحقق منذ 1995 و تعزز بعد 1999

.لقد كانت المنجزات ناطقة ، أي نعم ، لكن التعثرات تكون أفصح عندما يتعلق الأمر بمراحل الانتقال المفتوحة على الانتقال ، طبعا ، لكنها مفتوحة على النكوص أيضا خاصة عندما تتقاعس قوى التغيير عن تحمل مسؤولياتها و تعجز عن تفكيك بنيات الريع و الفساد و مواطن مناهضة الإصلاح و تفتقد الاقتدار في تأطير المعنيين و إدارة المرحلة و تعديل موازين القوى لصالح مشروع الإصلاح و تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية الناظمة للتكتيكات و التحالفات و التمييز بين التناقضات و لخرائط الطريق و هو واقع حال نخبنا ، لا ريب في ذلك و دون تحامل.

خطاب العرش ، هذه السنة، كان واضحا في تقييم عشرين سنة من حكم محمد السادس ، حاملا للعديد من الأجوبة و حاسما في رؤيته لسبل تخطي المعيقات و التعامل مع التحديات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الإدارة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو قضية الصحراء و العلاقة مع الجزائر.

لم يقتصر الخطاب على تثمين ما أنجز ، بل أثار ما لم يحقق للمغاربة خاصة إزاء انتظارات الفئات الهشة و الطبقة الوسطى ، أثار ذلك في شبه قراءة نقدية لعقدين من الحكم و هذا أمر يذكرنا بالمنهجية التي تعاطت بها المؤسسة الملكية مع سنوات الجمر و الرصاص من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة و مع الوضع العام في البلاد عبر الدعوة إلى إنجاز التقرير الخمسيني.بمعنى أن فلسفة بدايات العهد الجديد قد عادت لتستأنف مسارها في مقاربة المعضلات و المبادرات و الأشياء أو بمعنى آخر أن التقييم الذي حصل لتطورات الأمور قد خلص إلى أن هناك تقصير في معالجة العديد من الاختلالات و أن فلسفة بدايات العهد الجديد هي الكفيلة بتجاوز حالة انسداد الأفق السياسي و الاختناق الاقتصادي و الاحتقان الاجتماعي و التردد في مجال الانتقال نحو الديمقراطية.

لسنا في حاجة إلى ذكاء كبير أو إلى قواعد تشفير الرسائل لنستشف أن الملك قد أفصح عن إرادة جديدة هي هي إرادة بدايات العهد الجديد.يكفي أن خطاب العرش يتحدث عن إخفاق النموذج الذي اعتمد حتى الآن في إنتاج الثروة و توزيعها و يكفي أن الملك يقر بتقصير الدولة في تناول معضلة العدالة الاجتماعية و يكفي أنه لم يركن إلى توصيف الواقع فقط بل انتقل إلى طرح الحلول ، من زاوية نظر الدولة، من خلال الإعلان عن جيل جديد من الأوراش و الإصلاحات و إحداث هيئة وطنية لصياغة نموذج اقتصادي يجمع بين الإنتاجية و الإنصاف الاجتماعي و دعوة رئيس الحكومة إلى التنقيب عن الكفاءات لتحتل المسؤوليات في إدارة الشأن العام و المرافق ، وهي دعوة تحمل رسالة إلى كافة الفاعلين ، مفادها أن الدولة ليست في حاجة إلى من يتوددون إليها في بحثهم عن ريع هنا و امتياز هناك ، بقدر ما هي في حاجة إلى نخب سياسية و إدارية و اقتصادية جديدة و كفاءات و جسارات تدرك تحديات المرحلة و تقدم الإضافات النوعية و تصالح المغاربة مع مؤسساتهم و مع الأمل.

أكيد أن تعديلا حكوميا بات وشيكا جدا و أكيد أن أشياء كثيرة ستتبدل قبيل 2021 ، إلا أن الأساسي في الأمر هو سؤال موقع المشروع الديمقراطي الحداثي من كل هذا و في كل هذا خاصة بعد أفول اليسار و فشل الأصالة والمعاصرة و صعوبة أن يتحدث التجمع الوطني للأحرار باسم انتقالنا نحو الديمقراطية.

و يمكننا القول ، بكل موضوعية ، أن خطاب العرش لسنة 2019 ، جاء قويا و رسم معالم نفس جديد في مسار البلاد و بث الثقة في المستقبل و منح المغاربة جرعة قوية من الرجاء في الأفضل ، لكن تبقى قوى مناهضة الإصلاح و القوى المحافظة أرقام صعبة في معادلة انتقالنا نحو الديمقراطية وهذا أمر على كل الديمقراطيين التصدي إليه هنا و الآن حتى لا نخطأ موعدا عظيما مع التنمية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و حقوق الناس .التجارب المماثلة و الماثلة أمامنا عبر أرجاء المعمورة تمنع عنا حق اقتراف نفس الأخطاء ، لذلك وجب على الديمقراطيين إلتقاط الإشارات و التعامل إيجابا لإعادة صياغة التقارب بين المؤسسة الملكية و القوى التواقة للتغيير و الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى