اقتصادرأي/ كرونيك

محاور للنقاش في مغرب ما بعد 2020… المحور الاقتصادي… (الحلقة الثانية)

اخترت العنوان أعلاه، لما له من دلالة أكثر، مقارنة مع عنوان يحيل الى فيروس كوفيد 19. إن وضع تاريخ 2020 سيكون مفيدا جدا، في الوقوف على وضع جديد، مقارنة مع ما سبقه تاريخيا.
لقد أصبحنا نقارن ونحيل الى بعض الأحداث، مقارنة مع سابقتها تاريخيا، إن كانت نفسها أو أقرب في مجالات عدة. لدى يلجأ أغلب الكتاب والمفكرين إلى استحضار أزمة 2008 وأزمة 1929 للإحالة إلى أزمات اقتصادية عرفتها الرأسمالية خلال أزماتها الدورية أو الاستثنائية.
إذن، لهذه الأسباب اختارت أن أضع العنوان أعلاه لهذا المشروع النظري، استجابة لدعوة وزارة التربية الوطنية وكذلك لجنة النموذج التنموي الجديد. سأحاول، من خلالها، أن أتطرق إلى مجموعة من المحاور، التي تستجيب للمعايير المطلوبة من طرف الجهات المعنية، للوقوف على وضع المغرب بعد 2020، وحفاظا على وجهة نظري كما أراها.
محمد جيك

 

تعمل حكومة الوحدة الوطنية على وضع برنامج اقتصادي متكامل يراعي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفئات الهشة التي مستها الظرفية الدولية الحالية. برنامج اقتصادي متكامل يكون خبراء لجنة النموذج التنموي الجديد شريكا وفاعلا حقيقيا في وضعه، معتمدا على ما راكمته اللجنة من اتصالات ودراسات ميدانية وما توصلت به من خلال بوابتها الإلكترونية المعتمدة على مقترحات وأفكار المواطنين، الذين استجابوا لدعوة اللجنة، والظرفية الاقتصادية العالمية الحالية. بدوري سأساهم ببعض المقترحات، في الفقرة الثانية المتعلقة بالمحور الاقتصادي، والإشكالات التي اعتبر حلها ضروري، للمساهمة في قفزة اقتصادية نوعية، وتحقيق نمو يرفع من وثيرة الإقلاع الاقتصادي ببلادنا.

ثانيا: المحور الاقتصادي.

إن حدث جائحة فيروس كورونا/ كوفيد-19، سيكون له دور أساسي وفاصل بين مرحلتين اقتصاديتين مختلفتين، سيشهدهما العالم. وهذا ما يجعلنا نطرح سؤالان أساسيان، هل هناك خطوة الى الوراء من أجل خطوتين الى الأمام؟ أم هناك تدهور الى الخلف يعمق أزمة البشرية الحالية؟

للإجابة أو الإحاطة على هاذين الاشكالين، سنكون أمام رحمة الذين سيحددون مصير البشرية، الذين سيضعون خريطة بناء عالم جديد وبالتالي مغرب جديد. إن كل الأشخاص الذين يفكرون، بكل جدية، في مصير البشرية، ملزمون بالمشاركة في النقاش الحالي محليا ودوليا. مناسبة رئيسية لانبعاث برامج اقتصادية واجتماعية وبيئية، أكثر إنسانية، يحملها السياسيين محل الجد على عاتقهم، والترويج لأفكار تساعد على الخروج من هذه المرحلة المفصلية في تاريخ البشرية.

الأحزاب دخلت في سبات سياسي عميق، منذ بداية الحجر الصحي، لم تتحرك ولم نظريا في وضع سيناريوهات ما بعد مغرب 2020، إن المغاربة بأمس الحاجة لمن يحلل ويدرس ويقترح ويعمل على تنوير، على الأقل منخرطيه، بما استجد من أخبار ودراسات وإجابات دولية لنتائج الجائحة، رغم استمرار الجرائد في الإصدار الالكتروني وتوصل الأغلبية بها الى أنها تفتقر الى دراسات عميقة وغنية.

إن التمعن في الوضعية الاقتصادية الحالية بالمغرب والإجراءات الاحترازية والتدبيرية التي اتخذت لحدود الآن، تحيل الى أنه هناك إرادة حقيقية وجدية تامة، لا مفر منها، لأنها مسألة موت او حياة، في التعامل مع الوضع. ساهم صندوق كورونا، في الحد من التداعيات الكارثية للحركة الاقتصادية على شرائح واسعة من سكان المغرب وساعد على توفير حد أدنى من المساعدات للفئات الهشة والعمال الذين فقدوا مناصبهم، إن هذه الإجراءات الحالية ليست الا رد فعل، ولم تكن إجراءات دائمة للحد من البطالة وتخصيص تعويض دائم للعاطلين.

من وجهة نظري، أعتبر أن وثيرة الخروج من الأزمة، تستدعي وثيرتين مختلفين من الإقلاع الاقتصادي، وثيرة سريعة وعاجلة عقب رفع الحجر الصحي، بعد انتهاء أسبابه كليا، والوثيرة الثانية مرتبطة بتفعيل نموذج تنموي جديد يعزز قدرة المغرب على تحقيق نمو اقتصادي كبير وتقوية الناتج الداخلي الخام.

تتمحور الوثيرة السريعة، حول إعادة تشغيل المحرك الاقتصادي وربطه بالمسألة الاجتماعية، الذي توقف كليا بسبب الجائحة، ولا يمكن استئناف عملية دورانه إلا بتوفر شروط صحية صارمة، من شأن اهمالها إعادة تفشي الجائحة. وتعتبر المطارات وقطاع السياحة، قطاعان مهمان جدا، نظرا لما يشكلانه من ربط المغرب بمحيطه الخارجي والداخلي وارتباطهما بقطاعات واسعة أخرى، منتجة وتجارية، ومقاولات صغيرة ومتوسطة، كما يساهم في تشغيل الآلاف من العمال.

يجب العمل على تشجيع السياحة الداخلية، واعتماد أثمنة تفضيلية استثنائية تسمح للغالبية العظمى من المغاربة بالولوج والاستفادة من خدمات الفنادق والمنتجعات السياحية. هذه الخطوة من شأنها تشغيل الآلاف من العمال وتحريك العملية التجارية المرتبطة بالفنادق، وتشجيع التنقلات الجوية، بأثمنة استثنائية، بين المطارات لإعادة ضخ مداخيل لإنعاش ميزانية المكتب الوطني للمطارات. اخترت هذان القطاعين باعتبارهما أكثر تعثرا وشللا مع باقي القطاعات الاقتصادية الكبرى، من جهة، ومن جهة أخرى هناك تداخل بينها بخصوص دورتها الاقتصادية.

إن تعزيز حركية المطارات والسياحة الداخلية سيساهمان في التخفيف من الأعباء التي يتحملها صندوق كورونا، وكذا سيحقق مداخيل إضافية من الضريبة على الدخل لفائدة الخزينة العامة والضريبة على القيمة المضافة ومداخيل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتعلقة بمساهمات المشغلين. هذان الاجراءان، كذلك، سيجعلان المغرب مستعدا لاستقبال السياح الأجانب، بشكل أفضل من استئناف مفاجئ، كذلك نفس الامر بخصوص المطارات.

إن الدورة السياحية الداخلية، بعد انتفاء أسباب الحجر الصحي، ستكون شكل من أشكال الانفاق الكبير الذين يحتاجه الاقتصاد المغربي، فكلما تعززت القدرة الشرائية وتنامى الانفاق الداخلي للسكان، سينتعش الاقتصاد وستساهم في تعزيز الرواج بين باقي القطاعات الأخرى، خاصة الفلاحة والصيد البحري، وبالتالي فإن تحريك السوق الداخلية سيكون بادرة أمل للنهوض بالاقتصاد المغربي. كما أن هناك أسباب نفسية لدى أغلب المغاربة، بعد حجر صحي قاسي من الترويح عن النفس والاستجمام وزيارات لباقي الأقارب.

يتجلى الاجراء الثاني، المرتبط بنجاح السياحة الداخلية، بتأجيل تسديد القروض لسنة كاملة، بناء على طلب، لفائدة الموظفين الذين لم تطالهم عملية الاستفادة خلال الحجر الصحي. من شأن حصول الموظفين على كافة الأجرة، دفعة واحدة، دون استخلاص القروض من تشجيع الغالبية العظمى منهم على الانفاق، خاصة السياحة الداخلية وتعزيز رواج السوق الداخلية والاقتناءات أو ما شابه من عمليات الاستهلاك الداخلي.

بعد استئناف العملية الاقتصادية، السابق ذكرها، ستعمل الدولة على ضمان انسياب الاقتصاد، دون صدمات عنيفة تهدد شرايينه، وبهذا الخصوص فإن البنوك تعتبر بر أمان للمقاولات الكبرى والصغرى والمتوسطة وعليه فإنها ملزمة بمنح قروض بفائدة لا تتجاوز 1 في الفئة، ورفع الوعاء الذي خصص له قبل الجائحة من 6 ملايير درهم الى 18 ملايير درهما، بمساهمة من صندوق كورونا. كما أن الدولة ملزمة بدفع التزاماتها لفائدة المقاولات المستفيدة من صفقات الدولة والجماعات المحلية دون تماطل لتعزيز ماليتها للحد من تكاليف الأجور وتحملات الحماية الاجتماعية والضرائب وغيرها.

إن ارتباط اقتصاد المغرب بالعالم الخارجي، سيعقد الأمور أكثر وبالتالي فإن جميع أشكال التنقلات للخارج، بعد انتهاء الجائحة سيكون مغامرة حقيقية، خاصة في غياب مؤشرات أو حقائق مؤكدة بخصوص كل دولة. تعمل الولايات المتحدة الامريكية بإعادة تحريك اقتصادها بأي ثمن، عكس بعض الدول الأوربية، وهذا ما يجعل المغرب يتعامل مع الحالة الأولى بنوع من التحفظ والحذر، أما علاقتنا بدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا فالأمر يختلف نوعا ما، وعليه فإن اختيار التعامل مع أوروبا بعد الجائحة سيعتبر أهون الشرور مقارنة مع أمريكا.

إن فتح المجال الجوي للمغرب سيكون بدأ بأروبا، كمرحلة أولى، الى حين ظهور مؤشرات بخصوص باقي القارات. إن هذا الاجراء له علاقة مباشرة مع اقتصاد المغرب الذي يرتبط نوعا ما بالاقتصاد الأوروبي أكثر من غيره، خاصة السياحة والمجال الفلاحي والصيد البحري وبعض الصناعات.

إن صادرات المغرب من الفوسفاط تعتبر حيوية لجلب العملة الصعبة، التي نفذ الكثير منها، وبالتالي ينبغي على المكتب الشريف للفوسفاط، أن يسرع وثيرة عمليات التصدير، بعد انتعاش الاقتصاد العالمي، نظرا للبنية التحتية الهائلة التي يتوفر عليها، وكدا ارتباطاته الواسعة بجل الزبناء على المستوى العالمي. ولو بأثمان منخفضة، في انتظار ارتفاع الأثمان مستقبلا.

كما يمكن استغلال توقف الإنتاج الفلاحي الأوروبي الحالي وتدهوره نسبيا، مقارنة مع المغرب، على تشجيع التصدير، والبحث عن أسواق أخرى بأوروبا، خارج الاتحاد الأوروبي، خاصة بريطانيا، التي تعتبر سوقا واعدة بعد خروجها من الاتحاد.

إن اعتماد مقاربة جديدة لإنتاج وتصدير القنب الهندي، أصبح ضروريا، نظرا للطلب العالمي وجودته محليا، ويهم مستقبل الآلاف من المزارعين المرتبطين بهذه النبتة الحيوية لدى يجب إيجاد حل نهائي، قابل للتطبيق ومنصف للجميع، الدولة والمستهلك والمزارع. انطلاق عملية التصدير بمعدلات كبيرة، سيساهم في تشغيل الألاف من العمال الزراعيين المتوقفين عن العمل، وستعزز مداخيل الضريبة على الأجور وباقي التحملات الاجتماعية لفائدة ص. و.ض إ. كما يجب أن يستمر المغرب في سياسته المائية، وتنفيذ برنامج البنية التحتية المائية، التي خصص لها 115 مليار درهم في أفق 2030، لتعزيز قدراته وموارده المائية لضمان التعبئة الدائمة والمتواصلة لتحقيق أهداف المخطط الأخضر.

إن سياسة المغرب الاقتصادية المرتبطة أساسا بالتصدير، لا يمكن أن تستقيم بشكل جيد دون مراجعة اتفاقيات التبادل الحر بشكل جدري، والقطع مع اختلال الميزان التجاري للمغرب، والحد من الطلب المتزايد على السوق الخارجية الذي يعمق أزمة السيولة النقدية من العملة الصعبة. إن عجز الميزان التجاري المتفاقم، عام بعد آخر، لم يكن نتيجة ضعف القطاعات التصديرية للمغرب ولكن بسبب القوة الاقتصادية والتجارية للبلدان 56 التي وقع معها اتفاقيات التبادل الحر.

لقد سبق لوزير الصناعة والتجارة …المغربي أن صرح، في مواجهة وزيرة الصناعة والاقتصاد التركية، أن المغرب مستعد لتمزيق اتفاقية التبادل لحر مع تركيا، إذا لم يتم مراجعتها، هذا الموقف الجريء يظهر مدى تضرر المنتجات المحلية بسبب المنافسة، غير العادلة، للسلع التركية، داخل السوق المغربية، وضعف الإقبال على السلع المغربية بتركيا، نفس الشيء بالنسبة لباقي الدول. إن الاقتصاديين المغاربة تضرروا كثيرا من الوضع الحالي للسوق العالمية، ولم تستطيع منتوجاتهم تحقيق مكاسب مالية وتجارية وبالتالي فإن مراجعة الاتفاقيات أصبح من الأمور العاجلة، في هذه الظرفية الدولية ومستقبلا، قرار من الضروري اتخاذه بفرض سياسة حمائية لتقوية الاقتصاد والتجارة والاستفادة من السوق الداخلية.

إن تعزيز القدرة الشرائية للمغاربة وتطبيق السياسة الحمائية، من شأنه أن يقوي مردودية السوق الداخلية وأن تحقق الشركات المحلية نتائج اقتصادية هامة، مقارنة مع الوضع الحالي، سياسة سبق أن تعهد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حفاظا على اقتصاد أمريكا. لم يستفيد اقتصاد المغرب، في ضل العولمة لرأسمالية، كما يتم التسويق له إعلاميا من طرف الحكومات التي تعاقبت منذ الانفتاح الاقتصادي للمغرب، بل على العكس من ذلك، تعرض الميزان التجاري لاختلالات عميقة وأثر على الناتج الداخلي الخام وتراجع النمو الاقتصادي بشكل مطرد، كما أدى الى تراجع في ميزانيات الدولة بسبب ضعف المداخيل الجمركية. رغم تحسن مداخيل الضريبة على القيمة المضافة بسبب ارتفاع الواردات، إلا أن ذلك لم يكن في مستوى الأهداف المرجوة.

بمقابل هذه الإجراءات الجدرية، هناك خطوة تفضيلية، فيما يخص الاندماج مع اقتصاد افريقيا. تعتبر المنطقة الاقتصادية لغرب افريقيا، سيدوا، من المناطق الواجب استهدافها والتعامل معها بخلاف السياسة الخارجية مع باقي الدول، نظرا لارتباط المغرب بعمقه الافريقي والأهداف الاقتصادية الاستراتيجية، التي يمكن أن يحقق معها المغرب نموا اقتصاديا كبيرا، استراتيجية اقتصادية ممكن أن تكون لها تداعيات اجتماعية وسياسية هائلة مستقبلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى