رأي/ كرونيكفي الواجهة

لا التجيفي ولا ملايير رونو ولا الميناء المتوسطي يساوون دمعة في ليل أم الغريق…اكتفينا


حينما.. يختار عشرات الشباب المغربي القيام بأقصر هجرة سرية مسافة لكن أشدها خطورة وغرابة عوما دفعة واحدة…من مدينتهم إلى مدينتهم المسلوبة وفي يوم عالي الموج، قوي الموج….ونسبة الموت في المخاطرة مرتفعة جدا… ولا شيء يهديهم في ظلمة لجة اليم غير رغبة ملحة في الهروب من ضفة إلى ضفة… ضفتين توأمين في كل شيء حتى في التاريخ ولون التراب إلا في هواء الحرية والكرامة…

حينما…يختار عشرات الشباب دفعة واحدة الهروب بحرا بضعة أمتار على الساحل المغربي نفسه، وهم يعلمون أن حظوظ وصولهم إلى شاطئ سبتة سالمين متدنية جدا في يوم عاصف…و نهار أغبر… وأنهم أقرب إلى الموت غرقا من النجاة…

حينما تصل عشرات الجثث هامدة وقد كانت قبل لحظات صاخبة الحياة صاجة الوجود… إلى ضفة بدل أن تكون أرض العبور نحو الحلم غدت مقبرة الأحلام…

حين يسجد لله الناجون على رمال هي أصلا رمال وطنه…وهم أصلا في وطنهم… لكن بهواء مغاير..

فاعلم… أننا لسنا في حاجة إلى مسلسل انتخابي جديد… ولا إلى نقاش سياسيوي عام… ولا إلى نخب همها الكبير كعكعة الانتخابات..

مسلسل جديد لن يصنع غير اليأس ولن يفرز حكومة صورية منهزمة منذ البداية لا هي قادرة على محاربة الفساد ولا هي قادرة على خلق مناصب شغل… ولا هي قادرة على ضمان الكرامة الشعب و الحرية… ولا هي قادرة على أن تكون قادرة…


بعد دستور 2011 تفاقم الوضع… واستفحل الفساد… وفشا القهر…ضاقت الدنيا بما رحبت بالناس… وفتحت الزنازين من جديد… وسلطة عمياء ما انفلتت من عقالها… وغدت تخبط خبط عشواء…
لم نكن نعتقد أن زمن تدبير الخلاف والصراع سيدبر من جديد بالعصا والقهر و الوهم…
كأن جهة ما يمتلكها الحنين إلى زمن البصري…
وزمن الرصاص لكن بأسلوب متحور… متطور …
ماذا يقع…؟
هل أخطأ الربيع المغربي أهدافه …؟
هل دستور 2011 كان مجرد خدعة أو هدنة لتدبير المرحلة..؟
هل إرادة الدمقرطةوالعدالة والكرامة مازالت مجرد نوايا لم تنضج بعد…؟
هل فاتورة الحراك الشعبي…. هذاالوضع الذي يشتد قهرا لترسيخ صورة ما ومعاقبة الملايين…؟

من يعاقب من…؟
من ما زال في نفسه شيء من سم حركة 20 فبراير..؟
أيكون أحدهم حول الصراع إلى شخصي…؟
إن كان الأمر كذلك… اكتفينا…
وصلت الرسالة…
دعوا لنا أبناءنا … ولا ترهنوا المستقبل بالأحقاد…

يموت شبابنا… موتا مؤلما بئيسا… موتا يعكس درجة القهر والفقر التي وصل إليهما الشعور الجمعي.. فأعمت البصر والبصيرة… ودفعتهم ليختاروا قرارا العوم بضع مترات بين الصخر وتحت وابل الموج القوي علهم يصل لضفة سبتة… سبتة التي غدت مدينة الآخرين… جرحنا الأبدي…. عارنا اليومي…

يا آسفي..!. ويا حرقة آهاليهم وأسرهم…!
يا آسفي وحرقة المغاربة أجمعين…!
كيف صار الهروب من الوطن يستحق سجودا لله حمدا وفرحا…؟
كيف غدا القفز في البحر الهائج خيارا لشباب اصطفوا على الساحل ينتظرون لحظة المغامرة القاتلة…؟

تستقبل سبتة الجثث…
تستقبل سبتة الظلال القاتمة التي تلاشت في الخوف…
والناجون يسجدون أمام العالم شكرا لله…
هل هناك ناجون…؟

لا أحد ينجو من لعنة أن تولد في عالم محسوب على العالم الثالث….
لا أحد ينجو من هويته المزمنة الأسقام…

في هذه اللحظة بالضبط التي تناقل فيها العالم صور شهداء القهر والفقر… وصور الساجدين حمدا لله… مقبلين أرضا هي أرضهم…غير أن الهواء هواء آخر…. والزمن زمن آخر… والشمس هناك تشرق باكرة على الجميع سواء…
حتى السجناء…
حتى الغرباء…
حتى المرضى والمحتضرين…
حتى المجانين والمجرمين
أقول في هذا الزمن الدقيق الحزين…
زمن طفو الجثث…
زمن سجود الناجين…
زمن ضياع الآخرين…
زمن وطن في وطن…

كانت صورة Tgv لا تساوي شيئا… غدا مجرد لعبة جميلة في غرفة كئيبة … يسكنها طفل جائع… ترتعش أطرافه…
كانت معامل رونو… تتقلص أمام أعيننا لتغدو مجرد وهم… مجرد معامل تصنع الثروة خارج الوطن ولا تصنع الفرح هنا…
وكان مشروع الطاقة المتجددة… لا يساوي فردة شاردة في زمن التيهلحذاء لشهيد لم يجدوه بعد… ابتلعه البحر…ولم تصل غيرها…
الحذاء يسأل عن صاحبه…

والبرلمان يسأل عن أحسن معادلة لتقاسم الملايير…
الأم تبكي وحيدة على الشاطئ… تنتظر عودة من لن يعود…
والأحزاب يتدربون على الاغتيال السياسي…. بمدفعيات تساوي 17 ملايير درهم… وفضائح مؤجلة… وملفات متربصة..
أتعلمون فعلا عمق حرقة أم تنتظر أن يعيد لها البحر ما تبقى من ابنها؟..
لا أحد يعلم… غير من فقد الولد والحياة…

أتعلمون حجم اليأس الذي يدفع شاب لاختيار الهروب عوما في عين النو و شدة العاصفة…؟
حجم هذا اليأس يلغي الرغبة في الحياة… ويساوي الموت والعيش…؟


هو بقيمة الجشع الذي يصنع أثرياء السياسة بالمغرب… وحيتان الأحزاب المزيفة… الخفافيش التي تعلمت الشعر زمن الحرب…
قِسُوا بما لكم من أكاديميين ومحللين بكل النظرات الممكنة … درجة الشجاعةوعمق الحافزوالدافع حين يكون الانتحار بهذه الطريقة أهون من الحياة..
أهناك موت أجمل من الحياة…؟

نعم.. حين يأكلنا العار من الداخل… ونتآكل بملح الفراغ… يصير الموت … أجمل من الحياة…

الحياة في زمننا المغربي… تتطلب الشجاعة… شجاعة فارس يتوسد حلم وطن… لا فارس مزيف يتوسد مؤخرة راقصة في منتصف العمر…

أو قدرة التحور …عابرة للنفوس… تجعلك كل شيء… جاهزا لتصير ما يريدون مقابل شقة وكلب مفترس وعاهرة وقنينة نبيذ نادرة ومسحوق يجعلك غير مرئي في المواخير العلب المشبوهة…
نعم… أقصدك… لكن قوسك أضعف من أن يرمي سهم أسيادك بعيدا…لأن أفقك ضيق…. كزمنك المحتضر..
ولأننا نفقد رأسمالنا البشري غرقا أو جنونا أو تخديرا… يوما عن يوم…
نقول من معنا ومن ضدنا…
من يكرهنا… كل هذا الزمن..؟
ألا تنس…! لنقلب الصفحة..؟
أبناؤنا يموتون… والنخبة تحاضر في القاسم الذي اقتسم باكرا…
الوطن في خطر… والمتنافسون الأغبياء تلهوا عنه بالوهم والبيانات ورسائل الود والرياء..
قد يرحلون جميعا يوما ما… ويتركوننا وحدنا…


الوطن لا يحتمل أكثر من جنسية …
تعدد الجنسيات شبهة… وجريمة لم تقع بعد لكن الترصد والتربص وقعا…
جريمة الهرب… كعبادة دينية… نيتها جنسية ثانية…
والملكيةونحن جربنا مرارا هؤلاء المزيفة وطنيتهم في الثمانينيات …
وكشف لنا التاريخ أنهم جبناء… فحين يشتد الوتر… يختفون… وتختفي أموالهم…. وتظهر جنسياتهم الحامية كقناصلة تجار مغرب بداية القرن العشرين…
المغرب تسوء أحواله بكوفيد من نوع آخر…
فيروس ينخر الدولة والمؤسسات و النظام…
الفساد… الريع… لصوص المال العام….واستغلال المؤسسات المعطلة…. والمؤسسات الدستورية المتخمة بالأدوار دون أدوار…
هذه الديمقراطية التي في شكلها الحالي غدت منتهية الصلاحية…
الديمقراطية تصنع الكرامة…
لم َديمقراطيتنا لا تصنع الأمل والكرامة….؟
لمَ ديمقراطية إسبانيا تصنع الثروة والتنمية والحقوق والكرامة…وحلم الهروب واللجوء..؟
لمً يحلم المغاربة بإسبانيا المؤسسات ولو فوق أرض مغربية مستلبة…؟

الأرض محايدة…
الوطن الكبير هو ديمقراطية الكرامة…
الكرامة هواء ينعش الأبدان التي أنهكها شظف العيش…
لأن الانتخابات ليس هي الديمقراطية….
لأن فصل السلط عمل تقني فحسب…
ما لم يحقق العدالة والحرية والمساواة والإنصاف..
المحاسبة…. والمحاسبة…. والمحاسبة…
مؤسسات فعالة….
وأحزاب ذات قرار مستقل…
ومسافة بين الأشباح والأحزاب كافية لقطع دابر الفساد….
حين يسود الأشباح يختفي الرجال ويصير القرار مجرد ظل لصندوق انتخابي باهت…
ها نحن… من جديد…. نتوسل البحر أن يعيد لنا الجثث…
لنواريها التراب ولتبكي الأمهات إلى حين…و تنصب خيام العزاء…
في هذا الحزن العارم…
والزمن الثقيل على القلوب
صار المغرب الأخضر أسود… و قنوات التقطير تقطر العجز والوهم واليأس….
في هذا الزمن الثقيل على قلوب المغاربة….

لم يعد ميناء طنجة المتوسطي يساوي… دمعة واحدة على وجوه الثكالى ولا الأرمال ولا اليتامى…ولم تعد كل الرساميل الأجنبية تساوي ثمن الكفن لجثة نهشها الفخر ثم البحر..

ككل أموال العالم غير قادرة أن تنير ظلام قرى ارتفع فيها العويل… وقد أنجبت شبابا بأحلام… وعادوا إليها جثثا بلا ملامح ولا سحنات..
في اللحظة التي كان المغرب فيها مصدوما من هول ما يقع…
كان وهبي الذي طلعت له قصة فيلم هندي اليوم في تالوين… يفتش عن مصدر أموال قفف جود…
وكان صاحب رحلة المائة يوم يقدم ارقام رحلته على الفايسبوك…
رقم واحد فقط… نقبله… كم نجا بخطابك من الموت غرقا…
هذآ هو العهد بيننا وبينكم…
النقاش حول ملايير المحروقات يعود للواجهة..
تلك الملايير الذي كشف عنها تقرير توافقتعليه لجنة الاستقصاء البرلمانية… وظلت نصف الحقيقة مغيبة…
سلوا بوانو….
ونحن … نفكر في تكبيل أبنائنا قبل الخروج…

هل إعدام معمل لاسامير للتكرير كان تكتيكا لخلق احتكار بلا مرجعية….
سلو بوانو… فعند بوانو الخبر و التعليق…

في هذا الزمن الذي كان فيه أخنوش منشغلا بالدفاع عن حقه في توزيع القفف بلغة السوق لا لغة السياسي…
كان الشباب يتأمل ضوء مدينة مغربية محسوبة على إسبانيا…
ويخطط للعبور عوما حين تشتد العاصفة… ويعلو الموج…

في هذا الزمن… الدقيق الذي يموت فيه الشباب انتحارا وقتلا وتخديرا وبالسجون والقهرة والقمع….
كانت الأحزاب تناقش غنيمة الانتخابات….
كانت منشغلة حد الأرق بالقاسم الانتخابي والعتبة…
القاسم الذي اقتسم منذ زمن…
والعتبة الذي لا يخطوها غير سيف ذي زين…
أخ الجنيات بالرضاعة…

في الوقت الذي كان فيه الشباب المغارية لا يجدون ما يتقاسمون غير السيوف وقتل بعضهن البعض والموت غيلة… أو وضع خطة للهروب من مغرب لم يعد يقدم لهم لا صحة ولا تعليما ولا أمنا ولا كرامة ولا عدلا ولا أملا على الأقل….
كان هناك نقاش آخر للساسة عن مغرب آخر…
في هذا الزمن المغربي الحزين….
علينا أن ننصت ليوميات سجناء الحق العام…
لشهادات سجناء سابقين عن عالم السجن… ومغرب آخر لا يعرفه الساسة ولا اللحاسة..
عالم دعارة الأطفال… وأغنياء المخدرات والقرقوبي…و القمل والحشرات والقهر….عالم.. الغاب…في دولة القانون والمؤسسات..
مؤرخو السجون سجناء سابقون….
يحكون عن موظفين فاسدين تجارا للمخدرات…
عن موظف حداد صانع للسيوف…
عن قاصرين يباعون لفراعنة السجن عبر وسطاء إداريين…
هذه الشهادة…
أرخها سجين إلى حدود سنة 2015…
إذا كان هذا هو السجن….
وهذه هي الصحة…
وهذا هو التعليم..
وهذا هو الفساد دون حساب…
وهذا هو الفقر يتسع يوما عن يوم…
وهذا هو الشارع المخيف…
وهذا الأمن المفتقد…
فهل مازال.. لتروماي… وتيجي.في. والمغرب الأخضر… ومشروع الطاقة المتجددة والانتخابات والبرلمان والنقابات والتعددية… والحوار الاجتماعي… معنى…؟
هل وقع هذا في مغرب اليوم..؟
للأسف… المغرب… خيمة عزاء كبرى…
وأمزازي عاد لبدلته الزرقاء تشبها برجال الداخلية ليرد الحساب تحت قبة البرلمان لنقابة الأموي…
بدلة زرقاء من جديد… شعور بالسلطة…
التبوريدة… في زمن التفاهة…

الدولة تضع سما بطيئا في جسدها حين تتخلى عن وظيفتها الأصلية…انسحاب الدولة من وظيفتها الاجتماعية…انسحاب من وطنيتها..

اللأسف… صخب البرلمان اليوم وأمس.. غير منتج ولا نافع… ولا يؤسس مشروعا تقاطبيا اجتماعيا… بل يعمق اليأس.. والخوف.. ويكشف أن البرلمان كأداة لممارسة الديمقراطية… وليس هدفا في حد ذاته…مازال مجرد رغبة متوسطة للحصول على جواز خاص… وملصق على زجاج السيارة…. ولقب يغري أكثر من لقب الحاج…
أنكم بديمقراطيتكم… تحكموننا بالرعاع والغوغاء والفاسدين…


البرلمان المغربي… لا ينتج النخب… بل يصنع الأثرياء.. المؤلفة قلوبهم سياسيا… ويصنع قراصنة الحلم المغربي..
البرلمان المغربي بالأمس كان صاخبا… والموضوع وزير التعليم الذي بدا أن الصيام أثر عليه… فحول النقاش في زمن الحزن إلى بيان وزاري..
صورته مع الكتاب العامين للنقابات كانت كمجلس عزاء…
هل مات أحد… ولا ندري..؟

الصورة سيميائيا عكست … أن القوم جاؤوا لتقديم عزاء في ميت ما….
التعليم يموت…
والحجرة صيقة… والكنبة لا تحتمل أكثر من مؤخرة..
حكماء التواصل… يعلمون أمزازي كيف يرسل الرسائل…
حجرة ضيقة… وكنبة صغيرة…
اطلبوا علة قدر مقاعدكم…
الآلة نفسها العمياء التي تقتل الأمل في أبنائها هي التي تغتال التعليم… وتغتال الأدب والفن والثقافة والرياضة..
إن التفاهة غدت وزارة ذات اختصاصات أفقية…
من هو وزير الدولة على قطاع التفاهة..؟

الدولة تضع سما بطيئا في جسدها حين تتخلى عن وظيفتها الأصلية…انسحاب الدولة من وظيفتها الاجتماعية…انسحاب من وطنيتها..

الدولة عليها أن تظل حاصنة لأبنائها…
تقدم لهم الصحة والتربية والشغل أو الدعم..
في انتظار القضاء على الفساد و تهييء أجواء المنافسة… للتنمية الحقيقية…
من ينظر للموت المغربي من زاوية ما….. كأنه ينتقم من المغاربة..
كأن البلد تديره آلة الأحقاد لا الأمجاد…
من في مصلحته أن يكره المغاربة وطنهم…. ويحقدوا على مؤسساتهم..؟
من الرابح من مغرب غير مستقر ترتفع فيه جرعة الخيار الأمني وشرعنة العنف والقمع…؟
من وراء حماية الفاسدين والقتلة والجلادين…؟
نحن في خيمة حزن كبير وعميق…

حين يهرب المغربي من وطنه ويسجد لله حمدا على السلامة …
علينا أن نسأل أنفسنا…
هرب ممَ و إلى ماذا..؟
ربما الكرامة أهم من الخبز…
ربما وطن يحترم شعبه قد يكفيهم ليكابدوا شظف العيش وضيق اليد…
لكن من الصعب تحمل القهر والفقر معا…
من الصعب تحمل الذل والعوز معا….
هل مازالت الانتخابات هي الرهان…. أم نحن في حاجة إلى زمن فاصل… لتصحيح إرادة الدولة في ربط المسؤولية بالحساب… والمرور بالسرعة القصوى إلى منظومة العقاب لصناعة الأمل….
قد نصبر للتفاوت في اقتسام الثروة…
لكن الكرامة لا تجزأ وغير قابلة للقسمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى