رأي/ كرونيك

الدحماني يكتب: المقاطعة من أجل عودة للسياسة والايديولوجيا 2/2

انهيار مركزية القرار أمام التنظيم الشبكي العنقودي

شكلت المقاطعة الشعبية لثلاث ماركات حدثا غير مسبوق على المستوى العالمي والجهوي والوطني حيث انطلقت من الفضاءات الافتراضية لمنصات التواصل الاجتماعي لتصبح واقعا ماديا في مؤشرات الشركات المعنية، بشكل أثر سريعا في مداخيل هذه الشركات (غياب معطيات دقيقة حول حجم الخسائر، والزمن الصفر لانطلاق الخسائر، ومؤشرات التغطية الترابية للمقاطعة) ودون العودة لنظريات المؤامرة التي حاولت شيطنتها بربطها بالكتائب الالكترونية للبيجيدي ( قد يكون للمدونين المنتمون للعدالة و التنمية حضور في الأيام الأولى للمقاطعة )  والتي انهارت سريعا جراء الالتفاف الشعبي السريع حولها، قدرة المدونين على تحويلها لمادة سخرية بشكل يومي عبر بودكاستات وتحوير مقاطع الأفلام والموسيقى والصور وتقاسمها سواء في الصفحات أو عبر الارساليات الخاصة بالميسانجر والواتساب جعل تأثير المقاطعة يتجاوز منظومة الاشهار والاعلانات التقليدية للشركات، بل تم العمل على تحويلها لمرتدات لصالح فعل المقاطعة بشكل متزامن مع تصريحات المسؤولين الحكوميين .

هذا الفعل السياسي الذي حرك الستاتيكو المفروض قسرا لمدة سنة على المناخ السياسي جراء ضعف الفاعلين السياسيين واحتكار الدولة للمبادرة وتقليص هامش الحريات العامة، اظهر بقاء البنية التقليدية لمنظومة الحكم بالمغرب – المخزن – وفية لحيويتها وقدراتها على احتواء المبادرات المنفلتة لصالحها، بشكل تم التعبير عنه سيميولوجيا في استبعاد الوزيرين بوسعيد واخنوش بشكل متفاوت من الشاشة الكبرى للمقاطعة.

فرغم ان تصريح الوزير بوسعيد كان واحدا من العوامل المؤججة للمقاطعة عبر استهدافه للمقاطعين بنعت قدحي – المداويخ – وهو النعت الذي يطلق عادة على الشباب الالكتروني للبيجيدي، فان درجة استهدافه كانت اقل مقارنة بقيادات البيجيدي التي وصلت حد تقديم الوزير الداودي بطلب اعفائه.

هذا التأثير القوي للمقاطعة لم يستطع نقلها سياسيا من حالة الافتراضي لحالة الواقعي في التفاوض أو توسيع هامش التفاوض لصالح التنظيمات المعارضة بالنظر في تقديرنا لعوامل ثلاث:

• احتراس الفاعل الحزبي من ردة الفعل الفجائية لعصابة الفيس بوك (العصابة ليس بالمفهوم القدحي وانما كتشكل جماعي غير منسجم توحده المصلحة)،

• ضعف تأثير التنظيمات المعارضة خصوصا اليسارية في المنصات الاجتماعية وفي تنظيمات القرب

• غياب مؤشرات دالة حول منبع المقاطعة وهدفها خلال الأيام الأولى جعل هاته التنظيمات متخلفة وبعيدة زمنيا عن جمهور المقاطعة.

توجه جماعة – Communauté — المقاطعين بنيرانها لحزب العدالة والتنمية ورموزها باعتبارها نموذجا للخيانة والخذلان وإبقاء باقي الرموز العمومية في السطاندباي جعل البنى التقليدية للدولة في وضع مريح خصوصا وأنها بعيدة عن نيران المقاطعة، وإذا اضفنا هذا المعامل لباقي المعاملات نكون امام وضعية مربكة للمجموعات سواء الذاتية او المعنوية التي كانت تلعب أدوار الوساطة بين التعبيرات الاجتماعية والدولة ، و كان وضع الأشخاص فيها فوق التنظيم  و يقاس بحجم قرابتهم من المؤسسات الفاعلة في القرار العمومي او حسب درجة ثقة الدوائر النافذة في القرار فيهم.

رهانات النخب: وساطة دون أطراف 

الان نحن في وضع مختلف لسنا بصدد الوساطة مع الدولة لأن البنى التقليدية للدولة غير معنية مادامت مصالحها السياسية والاقتصادية غير معنية  بفعل المقاطعة بشكل مباشر، وما مادامت مصالحها آمنة وحتى حدة خطاب وتعبيرات الحكومة حول المقاطعة انخفضت بشكل كبير خصوصا بعد موقعة طلب الاعفاء الخاصة بالوزير الداودي، بل نحن أمام إشكالية خاصة بين المستهلكين والقطاع الخاص يكشف محدودية دور الدولة في الدفاع عن مواطنيها ومواطناتها، وتقويتها لأليات ومؤسسات حماية المنافسة وترسيخ الشفافية والنزاهة ودعم القدرة الشرائية وهي معادلة ثلاثية الأطراف:

• الدولة بصفتها الساهرة على العدالة الاجتماعية وتضمن حرية وشرف المنافسة مدعومة باليات الشفافية والنزاهة.

• المواطنين والمواطنات بصفتهم مستهلكين لخدمات ومنتوجات يعرضها خواص والمعرضين لانتهاكات ناجمة عن الفساد والرشوة والتمييز المجالي والضريبي.

• القطاع الخاص بصفته مروج خدمات وسلع ومستفيد من وضع المرونة Flexibilité   التشريعية الخاصة بمنظومة الجبايات وعقود الشغل والاحتكار والصفقات.

عادة عمليات الوساطة كانت تتم وفق معادلات تتأسس على محورية دور الدولة في المشكل أو الحل أو منسوب الاستعجال والاحتقان، هذه الوضعية هي الحلقة المفقود في نداء الوقف المؤقت للمقاطعة لأنها تتوسط بين جماعة مقاطعة عنوانها الاجتماعي الفيسبوك ولم تنصب قيادة أو مخاطبين وليسوا كذلك في وضعية هشاشة أو وضعية استعجال وبين شركة لم تطلب الوساطة ولم تقدم أي اجراء عملي كمؤشر للتجاوب، مما يعني في القانون بناء الوساطة على شرط فاسخ وهو من بين معيبات الوساطة وبلغة حاملة المقامرة بالمقاطعة دون ضمانات.

الشركة المعنية بالوساطة دون الشركات الأخرى هي شركة عابرة للأوطان وليست من الشركات الوطنية وهي العملاق العالمي رقم واحد في انتاج الحليب ومشتقاته، يؤسس المبادرون بالتوقيع بفرضية مضمرة وغير مكتوبة مفادها ان شركة دانون من بين الشركات الثلاث هي التي عبرت عن رغبتها في حل المشكل، وينطلق الموقعون من اعلان النوايا الخاص بالمدير العام للشركة، لكن خطابه لم يحمل طلبا للوساطة وبعد أيام من ندوته الصحفية لم يباشر إجراءات جدية في التعامل؟ السؤال اذن لم التهافت على دور لم يطالب به أحد؟ هل هي لوازع انساني مرتبط بالفلاحين ومربي المواشي الصغار منهم والكبار؟ هل هي لدوافع مرتبطة بعمال الشركة؟ لا اعتقد مادامت هاتين الفئتين لم تحظيا ولو بسطر في النداء.  وهو الذي يتأسس على:

1. مراجعة ثمن الحليب واستعداد الشركة لبيعه بثمن تكلفته وبدون تحقيق أي ربح فيه.

2الالتزام بالشفافية المطلقة أمام المستهلكين فيما يتعلق بتركيبة أثمان منتجات الشركة.

3 -الالتزام بالتعاون مع المستهلكين المغاربة في إبداع نموذج جديد لتحديد أثمان منتجات الشركة يكونون فيه شركاء في القرار.

 المستند الأول خيالي ونعتقد ان المصرح به والموافق عليه غير مقتنع به ويمس الذكاء الجماعي لجماعة المقاطعين والمستندين الأخيرين ينتميان لمصفوفة المسؤولية الاجتماعية للشركات العادية جدا في الدول التي تحترم مواطنيها والتي لو كانت ضمن فلسفة شركة دانون لطبقتها بشكل تلقائي ودون تمييز في المغرب كما هو الحال في فرنسا او باقي دول المجموعة الاوربية ذات القواعد الصارمة في المسؤولية الاجتماعية.

وبيقينية مطلقة يتحدث النداء عن المقاطعة، بانها لا تهدف إلى تدمير أي مجهود استثماري، بينما جزء كبير من المقاطعين خصوصا المنتمون لليسار وحركات مناهضة العولمة لا يخفون محاربتهم للاحتكار وللاستثمارات العابرة للأوطان وللاستثمارات والسياسات الليبرالية؛ وبنفس المنطق التمثيلي الذي يرسم صفة الناطق الرسمي يؤكدون التمسك بالمقاطعة كسلاح لكن وفق توظيف متحكم فيه ويستبطن ترسيم قيادة تستعمله كلما دعت الضرورة إلى ذلك، مع نفس استعلائي يفهم مصلحة المواطنات والمواطنين والتوقيت الأفضل للمقاطعة ومدى توهجها، وهم بشكل لاإرادي يضعون نفسهم على الطرف النقيض مع المقاطعة ليس من ناحية المضمون و انما من ناحية الشكل فالمقاطعة كشكل احتجاجي اقوى إضافة قدمتها هي طريقة تنظيمها و تدبيرها المستندة على الافتراضي والسلاسة المعلوماتية و غياب القيادة والزعامة الرمزية.

المقاطعة هي شكل جديد وازدادت حدتها في شكلها العنقودي في التنظيم، طبعا سنسجل فيها العديد من الهفوات والتجاوزات وسنرتكب اتجاهه العديد من الأخطاء، وهي مقبولة وحده في نظري.  الخطأ الوحيد الذي لا يغتفر هو عندما يتنازل المثقف بالمفهوم الغرامشي عن دوره العضوي داخل المجتمع ويعطي قيمة أكبر لنشاطه الذهني، على حساب وضيفته الاجتماعية، يقول غرامشي في دفاتر السجن عندما نميز بين المثقفين وغير المثقفين فإننا في الحقيقة نشير فقط إلى الوظيفة الاجتماعية المباشرة التي يؤديها المثقف في المجتمع.

للاطلاع على الجزء الأول من المقال

https://dabapress.com/الدحماني-يكتب-المقاطعة-من-أجل-عودة-الس/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى