ثقافة وفنون

المشروع النقدي لحميد لحمداني في ندوة لمختبر السرديات

نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية، التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء،بموازاة مع المعرض الافتراضي للكتاب الجامعي، لقاء احتفائيا بالمشروع النقدي للناقد والكاتب المغربي حميد لحمِداني، يوم الجمعة 23 أبريل 2021، في العاشرة ليلا، على منصة التواصل “غوغل ميت”.

وشارك في هذا اللقاء الاحتفائي أساتذة وباحثون من المختبر بحضور الناقد حميد لحمداني وجمهور من المُتابعين عبر منصّة “كوكل ميت” وكذا عبْر بثّها المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

أكد رئيس الجلْسة، الأستاذ إدريس قصوري -الذي عبّر عن عرْفانه الكبير لحمداني مشددا على ما لحمداني من فضْل كبير عليه في مساره الجامعي والأكاديمي- أنّها لحظة تاريخية أن يتمّ الاحتفاء بواحد من أعلام النقد المغربي والعربي الذي رسّخ شخصيته كاتباً متميزاً وقطباً معرفياً خلّاقاً، واصفاً إيّاه بكونِه “يمثّل ذاكرة غنيّة لاحتضان النصوص”.

مشيرا إلى أن هذا الاحتفاء يأتي من خلال كتاب علمي رصين، تحت عنوان “ثقافة النقد الأدبي”، الذي يعد تتويجا لمجهود السنة، وهو إصدار سنوي للمختبر، يهدف من خلاله إلى الاحتفاء باستمرار الكتابة النقدية والثقافية بالمغرب، وللاحتفاء بأطر ورواد وشخصيات الكتابة والنقد ببلادنا. إذ ينبني الكتاب على ثلاثة محاور أساسية، المحور المركزي منها مكرس لمنجز الأستاذ “لحميد لحمِيدني”، ويحتوي على مداخلات متعددة، لأساتذة وطلبة باحثين، تروم تسليط الضوء على مختلف طبقاته ومراحله، وإبراز أهم خلاصاتها، التي شكلت وما تزال تشكل رافعة للنقد المغربي والعربي على حد سواء.

وقد ابتدأ مداخلته بتأطير موجز لشخصية حميد لحمداني، التي رسخت لنفسها مكانا مهما في دنيا النقد والمعرفة والبحث الأكاديمي الرصين، وذلك على مدى أربعين سنة، مما أكسبه ميزة ثقافية وفكرية جادة. واعتبر الأستاذ قصوري في ورقة تقديمية أن هذه الميزة تتجلّى في ثلاثة محددات وهي:

أولها: العلم، ذلك أنه أحكم تمثله للمواضيع وتشخيصه للمعلومات وامتلاكه للتقنيات والمنهجيات، وهذا ما يظهر بجلاء في جودة تطبيقاته، ونتائجها القيمة.

وثانيها: المعرفة، وتتجلى أساسا في تشبعه بالأدبيات، والحرص الشديد على تحليل السياقات، وضبط المقامات والبديهيات في علاقاتها ودينامياتها وامتداداتها، بحسب نوعية الخطاب المختار والمنهج المتناسب معه. وثالثها: العرفان، حيث استطاع بسمو وعيه وعمق خبراته، وسعيه الدائم نحو التجديد، أن يصل إلى التحقيق الضمني للمعرفة، وتمكُّن شخصي تلقائي لا وسيط فيه بين العلم والمعرفة، بالإضافة إلى تحديده للمفاهيم والإبداع الجدي فيها، مما جعله يثبت وجوده باعتباره رأسمال فكري وثقافي وأكاديمي بالمغرب والعالم العربي.

ليخلص في الأخير إلى أن كل ذلك جعل منه مستودعا للمعرفة النقدية ومتعهّدا لها في تخصصه.

قدمت الأستاذة سعيدة تاقي مداخلة حول كتاب لحمداني “القراءة وتوليد الدلالة”؛ معتبرة أن الكتاب يراهن على إمكانات لتطوير فعل القراءة، من التلقي التقليدي المستهلك للأدب إلى القراءة كفعل منتج. وأشارت إلى أن حميد لحمداني لا يكتفي في تأسيسه لمنظوره النّقدي بمقتربات نظرية التلقي في أبعادها النقدية؛ بل يزاوج بين الانشغال بأبعادها المعرفية والنسقية والتاريخية، والبحث في خصوصية النص العربي في سياقاته الإبداعية والتداولية والمرجعية، فاتحاً مستويات القراءة على أشكال تتراوح بين القراءة الحدسية والقراءة الإيديولوجية والقراءة المعرفية ثم القراءة المنهجية. وشدّدت على أن الناقد يشيّد قراءته النقدية الخاصة لكل تلك النصوص والمرجعيات التي استند إليها لتشكيل منظوره النقدي الخاص، وذلك بعد الإحاطة بكل الموجات التي تتحدث عن التلقي، التي قد يتقاطع داخلها الأسطوري بالعلمي عند معالجة للنصوص.

أما الباحث يونس الإدريسي فقدم ورقة حول كتاب “الواقعي والخيالي في الشعر العربي القديم” للحمداني، منوّها بدوره في ربط الدرس النقدي العربي عامة بالمعرفة العالمية المعاصرة وما تعرفه حركة النقد من تطورات. واعتبر أن لحمداني عمل في هذا الكتاب على تهذيب نظرة القارئ للنص الشعري بإخراجه من التصورات التقليدية التي تتوقف عند المعنى النهائي؛ إلى إقامة القراءة التفاعلية والحوارية مع النصوص، ما جعل من الكتاب محاولة لتغيير نظرتنا للنص الشعري. وقال إن ما يميز الكاتب هو جمعه بين النظرية والدراسة التطبيقية على الأعمال الأدبية، حيث عمل على الانفتاح على القراءات السابقة للشعر القديم مع إضافة منظور جديد لتقديم زاوية مختلفة للقراءة. هكذا استعرض المتدخل مقاربة لحميداني النقدية الممتدة والمتعددة التي تستثمر تصورات ومباحث أهمها السرديات ونظرية التلقي ونظريات التواصل والحجاج.

المداخلة الثالثة كانت للأستاذناصر ليديم حيث ركز على قضية البنيوية التكوينية انطلاقا من كتاب حميد لحمداني “الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي”.

واعتبر المتدخل أن مشروع الناقد حميد لحمداني بمثابة مرجع للبنيوية التكوينية وذلك عبر وضعه الحجر الأساس عبر دراسته السوسيوبنائية لرواية “المعلم علي”. وقال إن لحمداني في الكتاب سعى إلى مساءلة نصوص متنوعة مقتفيا أثر العلاقة الجدلية والتفاعلية بين الإبداع والواقع أو التاريخ والتي تتمثل أساسا في علاقة الصراع بين المبدع والواقع الاجتماعي. وذكر أن لحمداني في كتابه وانطلاقا من معايير حددها سابقا؛ خلص إلى تسطير موقفين اجتماعيين رئيسين للرواية المغربية وذلك على مستوى كل فصل من فصول الدراسة، وهما موقف المصالحة مع الواقع أو موقف انتقاد الواقع.

وتفاعل المحتفى به الأستاذ حميد لحمداني مع المداخلات المقدمة خلال الجلسة، معربا عن شكره الكبير لمختبر السرديات والأساتذة القائمين عليه والباحثين، ما جعله مختبرا يحظى باهتمام كبير نظرا لجهوده الثقافية والعلمية. وفي تعقيبه على بعض المداخلات شدد لحمداني على أن معاني النصوص الأدبية لا يمكن أن تكون إلا احتمالية وفي إطار حقيقة نسبية بعيدا عن البحث عن الحقائق النهائية؛ لأن حياة النصوص غير متوقفة في لحظة زمنية محددة وتظل عرضة للقراءة والتأويل. وحرص الناقد على التذكير بضرورة التمييز -حين التعامل مع النصوص- بين الإبداع الأدبي القائم على التخييل والتمثيل والاستعارة والمجاز ما يجعله عرضة للقراءات المختلفة والتأويلات، وبين الكتابات النقدية القائمة على الاستدلال المنطقي والحجاج والمعاينة النصية والاستقراء والاستنتاج.

وختم اللقاء مدير مختبر السرديات الأستاذ شعيب حليفي الذي أشار إلى أن الندوة -التي تعذر عقدها حضوريا بالكلية- هي بمثابة عرفان بأحد أعلام النقد المغربي الجامعي المثقف الموسوعي، الذي صنعته أجيال عديدة وصنع هو أيضا صنع أجيالا عديدة. وقال إن لحمداني لا يعتبر أستاذا في فاس وإنما في المغرب كله وعند كثير من طلبة الجامعات العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى