الرئسيةسياسة

نساء تلحيانت يكسرن صمت العزلة ويتعرضن للقمع…مسيرة الكرامة في قلب الجبال

بين وعورة الجغرافيا وجمود السياسات، تكتب نساء تلحيانت فصلًا جديدًا من النضال الصامت في جبال خنيفرة. مسيرتهن لم تكن فقط نحو العمالة، بل نحو الاعتراف بإنسانيتهن وحقهن في الكرامة والمواطنة الكاملة.

في مشهدٍ استثنائي يهزّ صمت الأطلس المتوسط، خرجت عشرات النساء من قرية تلحيانت التابعة لإقليم خنيفرة في مسيرة احتجاجية غير مسبوقة، قطعن خلالها أكثر من عشرين كيلومترًا سيرًا على الأقدام نحو مقر عمالة الإقليم، للمطالبة بحقوق بسيطة في ظاهرها، لكنها تمسّ جوهر الحياة اليومية: طريق معبدة، وسيارة إسعاف، ونقل مدرسي لأطفالهن.

معاناة متجذرة في التضاريس والعزلة

تعيش نساء تلحيانت في منطقة جبلية وعرة، تحاصرها الانقطاعات الطرقية، وتغيب عنها الخدمات الصحية والاجتماعية الأساسية.

فمع كل حالة طارئة، يضطر الأهالي إلى حمل المرضى على ظهور الدواب أو في عربات بدائية لمسافات طويلة قبل الوصول إلى أقرب مركز صحي.

تقول إحدى المشاركات في المسيرة: «ما بغيناش نحتجو، بغينا غير الطريق والسيارة ديال السعاف، ولادنا كيمشيو للمدرسة على رجليهم فالبرد والوحل».

مسيرة سلمية تواجه القمع

انطلقت المسيرة في الصباح الباكر، في مشهد نسوي مهيب جمع بين الصبر والعزم. حملت النساء أعلام الوطن، ورددن شعارات تطالب بـ“الكرامة والعدالة المجالية”، قبل أن تتعرض بعضهن لمحاولات المنع والتفريق من طرف القوات العمومية، في تدخل وُصف من قبل نشطاء محليين بـ“العنيف وغير المتناسب مع سلمية المسيرة”.

ورغم التوتر، استمرت النساء في التقدم نحو خنيفرة، وسط تضامن واسع من الساكنة المجاورة، التي خرجت بدورها لمساندتهن.

بين الوعود والإهمال

بحسب مصادر محلية، جرى استقبال ممثلات عن المحتجات في مقر العمالة، حيث تم الاستماع إلى مطالبهن من طرف عامل الإقليم، الذي وعد بدراسة الملف واتخاذ إجراءات لتسريع فتح الطريق الرئيسية، وتوفير سيارة إسعاف دائمة بالجماعة.

لكن كثيرين اعتبروا أن “الوعود المتكررة” لم تعد تكفي، وأن غياب تنفيذ المشاريع هو ما يغذي هذا الاحتقان المتنامي في القرى الجبلية.

رمزية الاحتجاج النسوي

لم تكن هذه المسيرة مجرد احتجاج اجتماعي، بل رسالة رمزية قوية تعبّر عن تحولٍ في وعي المرأة القروية. فقد خرجت نساء تلحيانت لا للدفاع عن مطالب فردية، بل عن كرامة جماعية تشترك فيها أجيال من المنسيين.

تقول ناشطة من المنطقة: «المرأة هنا ما بقاتش ساكتة. اليوم كتخرج، كتطالب بحقها، وكتعطي الدرس فالكرامة».

سؤال التنمية الجبلية

واقعة تلحيانت تعري هشاشة السياسات العمومية تجاه المناطق الجبلية، حيث ما تزال شعارات “العدالة المجالية” و“فك العزلة” حبرًا على ورق. فالطرقات غير المعبدة والمراكز الصحية المغلقة تشكل يوميًا حاجزًا أمام حياة كريمة.

ويحذر فاعلون مدنيون من أن استمرار هذا الإهمال قد يدفع سكان القرى الجبلية إلى المزيد من التحركات الاحتجاجية، مؤكدين أن “المطالب هنا لا تتجاوز الحق في الوصول إلى المدرسة والمستشفى والطريق”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى