رأي/ كرونيك

الرئيس المكسيكي الجديد يدخل التاريخ

بقلم: المصطفى روض

الرئيس المكسيكي اليساري الجديد “مانويل لوبيز أوبرادور”، الملقب ب “أملو”، دخل التاريخ بعد اليوم الثامن من انطلاق ولايته كرئيس يحظى بشعبية كبيرة, و دخوله التاريخ من بابه الواسع كانت أمنيته عبر عنها في العديد من المناسبات السابقة، و ها هو اليوم، و منذ تسلمه مقاليد الحكم يوم السبت ما قبل الماضي، يوجه ضربة قوية للنظام النيوليبيرالي المتوحش، حيث قام بإجراءات ثورية بدأت تعطي للحياة السياسية في المكسيك معناها الحقيقي، و ثبت الثقة الكاملة بأن التغيير الاجتماعي و الاقتصادي و محاربة الفوارق الطبقية و الفساد بكل اشكاله و اللاعقاب و العنف و الجريمة المنظمة و بناء البديل في كل المجالات هي مسألة ممكنة بوجود رئيس ثوري بمعنى الكلمة، يساري من طينة مختلفة عن معطم يساري أمريكا اللاتينية.

فأول ما قام به الرئيس تنفيذا لوعوده الانتخابية و استلهاما لروح و إرادة الشعب المكسيكي، هو العمل بأسلوب مغاير لتدمير قيم و أساليب التوحش لنظام النيوليبيرالي، الذي ساد خلال 63 سنة في كل الفترات التي حكم فيها اليمين، انطلق ببيع الطائرة الرئاسية و عرض باقي الطائرات و المروحيات المخصصة للوزراء في تنقلاتحم للبيع لكي يستخدم عائداتها المالية في مشاريع لمحاربة الفقر و لتنمية المناطق التي تعاني من الهشاشة، و من جهة أخرى، رفض أن يكون له فريق امني لحراسته اليومية، مؤكدا على ثقة الشعب في حمايته، و قام بإدماج عناصر الحراسة الأمنية للرئيس ف جهاز الشرطة، و رفض، في نفس الوقت، السكن في القصر الرئاسي “لوس بينوس”، و بدأ المكسيكيون يلجونه بقرار من الرئيس، الذي أصر على تحويله الى متحف وطني للثقافة و الفنون، فيما يستقبل  المواطنين الذين يريدون تقديم شكاياتهم و مطالبهم، حيث يستقبلهم فريق مخصص لهذه المهمة، و بغاية حل كافة مشاكل المواطنين المتضررين من السياسات اليمينية.

على مستوى الأجور، قرر الرئيس اعتماد منظور للتقشف خاص، حيث أكد على أنه لا يمكن لحكومة غنية ان تحكم شعبا فقيرا، و لذلك أعطى المثل بنفسه بعد ان قرر أن يكون اجره 40 في المائة من الأجر الذي كان يتلقاه الرؤساء اليمينيون، و بتخفيض الأجور الكبيرة للموظفين الكبار في الدولة و إلغاء معاشات الرؤساء السابقين، مع إصراره على أن خفض أجور الكبار يستتبعه الزيادة في الأجور الهزيلة لكافة الموظفين و العاملين في مختلف القطاعات، أما أصحاب المعاشات من المتقاعدين فسيتم رفعها 100 بالمائة و من ليس له تقاعد و خصوصها المهمشين في المجتمع سيستفيدون من المعاشات و من دعم الدولة لهم.

و الشيء الجميل في شخصية هذا المناضل اليساري هو أنه مسلح ببرنامج مليء بالإنجازات التي يريد تحقيقها، و يتوفر على قوة اقتراحية ثورية هائلة، و يجمع في سلوكه بين الثقافة الديمقراطية و الواقعية في ارتكاز مطلق على إرادة الشعب و على إيمانه القوي بخدمة أكثر القطاعات الشعبية حرمانا و ضمنهم الشعوب الاصلية و مختلف الإثنيات، التي همشت كأنها كانت تعيش خارج التاريخ، و لذلك فالرئيس دائم السفر عبر الطائرات التجارية لمناطقهم، حيث يستمع لمشاكلهم و يعرض عليهم المنجزات التي ينوي تحقيقها لفائدتهم، و هي المناطق التي رأت في الرئيس “أملو”، الأمل الوحيد لإنقاذهم من الهشاشة و الضياع و المآسي الاجتماعية الناجمة عن الحرمان الاقتصادي و الاجتماعي.

اما المعطلون فكان حظهم مع الرئيس الجديد كبير جدا، حيث كل ولاية دخلها كان يعرف مسبقا رقم المعطلين فيها و كان يقترح عليهم ان تشغلهم حكومته وفق عقود للعمل، كما لديه تصور لتشغيل العاطلين في القرى بإدماجهم في مشاريع للتنمية الفلاحية، حيث ستقوم الحكومة بدعمهم ماديا و تقنيا، اما بخصوص المتضررين من إعصار تسونامي بمناطق الجنوب، فالرئيس زارهم شخصيا، و تعاطف معهم ليس فقط بالكلام، و إنما عرض عليهم برنامج لبناء الطرقات و المنازل و المرافق التي هدمها الإعصار، بالإضافة إلى إداء مبلغ هام شهريا لكل أسرة لكي يتجاوزوا الحرمان، لأن الرئيس يهمه ان يعيش شعبه الفقير في هناء و سلام و رفاه.

ما يلفت النظر أان الرئيس الذي يسكن مع زوجته و ابنه في منزل ورثه عن والديه و هو بمساحة 59 مترا، لا يريد أان يعيش حياة البذخ كما كان يفعل رموز النظام النيوليبيرالي خلال 36 سنة من حكم اليمين، و هو يفتخر بأنه جاء إلى الحكم ليخدم شعبه، لا لكي يغتني، لأن من يريد الاغتناء و هو في الحكم سيتسبب في الفساد الذي جاء لمحاربته بقوة.

الرئيس الوحيد الدي يستيقظ في الساعة الخامسة ليباشر عمله في السادسة باجتماع لجنة من مسؤولي القطاعات الأمنية لتدارس سبل محاربة الجريمة المنظمة و العنف السائد و الاتجار في المخدرات، و مباشرة في الساعة السابعة يقف يوميا في الندوة الصحفية ليرد على أسئلة الصحفيين و انشغالاتهم بثقة عالية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى