رأي/ كرونيكسياسةكورونا

الإسلامويون و”الجهاد” ضد فيروس كورونا

لا بالنشيد الوطني ولا بالتكبير والابتهالات ستواجه فيروسا قاتلا، يتفشى بسرعة فائقة، صنفته منظمة الصحة العالمية بوصفه وباءً عالميا “جائحة”.

إن هذا المصطلح، الذي ترددت المنظمة في استخدامه كثيرا، لوصف انتشار الفيروس، واضطرت إلى استخدامه، أخيرا، لسببين رئيسيين، حسب رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، هما: سرعة تفشي العدوى واتساع نطاقها، والقلق الشديد إزاء “قصور النهج الذي تتبعه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية اللازمة للسيطرة على هذا التفشي” للفيروس، يفرض على البشرية جمعاء تحكيم العقل، أولا وأخيرا، للخروج من بؤرة قد تعصف بالأمم.

اتخاذ السلطات العمومية مجموعة من التدابير، وبشكل تدريجي، مع البوادر الأولى لظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في المغرب، أظهر أن المغرب سائر نحو تطويق الوباء، وفق ما تطمح إليه منظمة الصحة العالمية.

في البداية، كانت توعية الناس بخطورة الوباء، وأعراضه، وطرق الوقاية منه، على اعتبار أن الوقاية خير من العلاج، وبعد ظهور الحالة الأولى، والوافدة من خارج المغرب، وتوالي توافد الحالات، توالت الإجراءات الاحترازية، لتصل إلى حد تعليق الدراسة بالمدارس، وبعدها إغلاق المقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح والحمامات، ثم المساجد، وإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية في وجه المسافرين، قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية، ثم منع التنقل بين المدن، كل ذلك بشكل تدريجي، وعقلاني لتجاوز الخطر، وحماية أرواح المواطنين، الذين استهتر بعضهم بالأمر، وغامر بنفسه، وبالتالي بمحيطه وبوطن لنزوات ذاتية وأنانية.
لكن أن يغامر شخص بنفسه، وبمحيطه، دون وعي، شيء، وأن يقامر متعجرف، باسم الدين بشعب وأمة شيء آخر.

إن ما حدث في مدينة طنجة، وباقي مدن الشمال المغربي، وهناك حديث، أيضا، عن فاس، بخروج جحافل من الشباب، والأطفال القاصرين، في مسيرات بشوارع المدن، والذي لم يكن صدفة، ولا تنفيسا عن النفس، وإنما مخطط له، وبتدقيق، لأنه لم يقتصر على حي ولا مدينة، وإنما مدنا عدة.. مقامرة كبرى، ليس فقط بصحة هؤلاء الشباب والأطفال، ولكن بوطن برمته.

فالمزايدة بصحة وبأرواح الأبرياء جريمة مرفوضة، لأنه لا النشيد الوطني سيحمي الناس ولا الابتهالات والتكبير في الشوارع كذلك، بقدر ما سيستفحل الأمر، خاصة مع التجمعات، سواء في السطوح أو الشوارع.

إن تطبيق تعليمات وزارة الصحة، والالتزام بالإجراءات التي اتخذتها السلطات، بالتزام الناس بيوتهم، والتعامل مع الإرشادات بعقلانية كفيل بتجاوز الخطر، وتجنب بلدنا كارثة قد تعصف به.

أما استغلال بعض “المتأسلمين” لهذه الظرفية للترويج لبضاعتهم البائرة، وسط مجموعة من الشباب، الذين للأسف لفظتهم المدارس أو لم يتلقوا تعليما تنويريا، يقيهم من الجهل، الذي يستغله عدميون، من مختلف المشارب، والإيديولوجيات، للمزايدة بهم، في كل لحظة وحين، وحتى إن كانت تلك اللحظة غير مناسبة وتشكل تهديدا لشعب ووطن، يدل على أن هؤلاء مجرد تجار دين، ولا تهمهم لا مصلحة الأمة ولا مصلحة المؤمنين، بقدرة ما تهمهم مصلحتهم ومصلحة “أمرائهم” الجالسين آمنين على عروشهم العاجية.

إن اللحظة ليست لحظة استعراض القوة، لأنه ليس صراعا على بنود مدونة أسرة، ولا خلافا حول الحق في الإجهاض ولا حول تعديل قوانين من قبيل قوانين الإرث، ولكن صراع ضد وباء وجائحة وفيروس قاتل، أدى المستهترون به الثمن غاليا، مثل الإيطاليين والإسبان، فيما استطاع من تعامل معه بالعقل أن يخرج من عنق الزجاجة، مثل الصينيين.

إن محاربة هذا الوباء لن يكون بـ”الجهاد” والتكبير والابتهال ولا بالنشيد الوطني، وإنما بالجهاد الحقيقي الذي هو التعبئة الشاملة، وبتطبيق الإجراءات المتخذة، حرفيا، دون اجتهاد، وتأجيل كل الخلافات السياسية والإيديولوجية من أجل الشعب والوطن، وعدا ذلك فتلك انتهازية ومقامرة بشعب ووطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى