في الواجهة

الموت يغيب أحد قادة اليسار المغربي المشتري بلعباس…نبذة عن حياته بقلم حسن صعيب

توفي اليوم أحد قادة اليسار المغربي، المشتري بلعباس بعد معاناة طويلة مع المرض، ويعتبر المشتري، من أحد المؤسسين البارزين لحركة اليسار السبعيني المعروف باليسار الجدي، وأيضا أحد مؤسسي اليسار الاشتراكي الموحد، الذي كان في بدايته انصها لأربع مكونات يسارية منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، حركة من اجل الديمقراطية، ثم الديمقراطيين المستقلين، فالفعاليات اليسارية، الذي كان المشتري أحد أبرز المنتسبين إليها يومها.

وفيما يلي بعض من سيرة المشتري بلعباس كتبها الكاتب والفاعل السياسي حسن صعيب، ننشرها كاملة بهذه المناسبة الأليمة:

بقلم حسن صعيب

في المسارالنضالي والسياسي للرفيق الراحل بلعباس المشتري

عاش ظروف الاضطراب السياسي الكبير الذي شهده المغرب إبان مرحلة السبعينيات، والتي تميزت بغليان سياسي وبهبات شعبية قوية ، قادتها بصمود وطول صبر ومعاناة وتضحيات جسام الحركة التقدمية ببلادنا بشقيها الإصلاحي والثوري، غذتها وصقلتها الأحداث السياسية الكبرى مثل ثورات التحرير في إفريقيا والعالم العربي والثورات الاشتراكية في الصين وفيتنام وأوروبا الشرقية، والانتفاضات الطلابية في فرنسا وأوروبا الغربية وحركة السود في أمريكا، في هذا المناخ السياسي والثقافي تفتق دهن بلعباس وركب سفينة مغامرة نضالية وسياسية، ستلطمها أمواج عاتية ، لكن ربانها قاوم هذه الأمواج العاتية بمقاومة شديدة.كانت المحطة الأولى التي رست فيها هذه السفينة هي ثانوية عبد الكريم الحلو التي لقنته أبجديات النضال الأولي ، من خلال احتكاكه بأساتذة تقدميين الذين تشرب منهم أصول الثقافة التقدمية، وبنسج علاقة الصحبة والنضال مع أقرانه من المناضلين الشباب، وبمجرد ما نال شهادة الباكالوريا التي تزامنت مع انتفاضة فرنسا سنة 1968، حتى رست سفينته في المحطة الثانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ومن حسن الصدف ستربطه علاقة إنسانية وسياسية مع رفيق دربه الشهيد عبد اللطيف زروال، لديهما نفس الاهتمامات الفلسفية والسياسية وجينات العمل الثوري،فشكلا ثنائيا يشتغلان مثل خلية النحل في القطاع الطلابي ،يواكبان الحركة السياسية بكل تناقضاتها، وينخرطان في الجدل حول البديل الثوري في حزب التحرر والاشتراكية، ثم يتعرفان على أطر جديدة سيشكلون فيما بعد الطلائع الثورية التي ستقود الانشقاق عن الحزب، فالإعلان عن ميلاد منظمة إلى الأمام في 30 غشت سنة 1970 .


جاءت المحطة الثالثة في إبحار سفينة بلعباس مع انعقاد الندوة الوطنية الأولى في أواخر سنة 1971 حيث انتخب عضوا في الكتابة الوطنية إلى جانب عبد اللطيف زروال، عبد اللطيف اللعبي، أمين عبد الحميد وأبراهام السرفاتي، هذه الكتابة الوطنية المنبثقة من اللجنة الوطنية التي كانت تضم ما بين 13 و15 عضوا،بعد عشرة أشهر من النضال السري ستعرف المنظمة أولى ضربات القمع ، إذ سيتم اعتقال نصف أعضاء الكتابة الوطنية، وقد تحمل بلعباس إلى جانب رفيقيه عبد اللطيف زروال وأبراهام السرفاتي الوزر الكبير في قيادة المنظمة، وستضاف إليه أعباء أخرى أكثر بأسا على نفسه بعد اعتقال رفيقه وصديقه في الحياة والنضال الشهيد عبد اللطيفزروال سنة 1974، فقاد إلى جانب رفيقه الراحل عبد الفتاح الفاكهاني المنظمة في أحلك الظروف، متنقلا في سرية تامة بين عدة منازل ومدن: تارة يدبج مقالات سياسية تحلل الوضع السياسي وتطرح المهام الملقاة على عاتق المناضلين وتارة أخرى يدخل في تعبئة أطر المنظمة والمشاركة في التحريض عبر المنشورات وفي أحايين أخرى ربط علاقات التحالف مع الرفاق في التنظيمات الماركسية-اللينينية الأخرى.كان بلعباس آخر من اعتقل من قيادة المنظمة في 2 مارس 1976.

ستكون الفترة الممتدة من نهاية 1977 حتى نونبر 1979،هي المحطة الرابعة حيث سترسو سفينة إبحار بلعباس بالسجن المركزي بالقنيطرة، إذ تعتبر حاسمة في تحديد مصير المجموعة سياسيا، فقد شكلت وقائع محاكمة الدارالبيضاء الأثر السياسي البالغ على التوجهات المستقبلية لمختلف تيارات الحركة الماركسية-اللينينية، حيث دبت الخلافات حول التوجه العام الذي ينبغي على المناضلين المعتقلين اختياره في المحاكمة أو فيما يخص الموقف من مسألة الصحراء أو كيفية التعامل معها إضافة للخلاف حول توقيت المحاكمة.في هذه الفترة تبلورت قناعة جديدة عند بلعباس وبعض رفاقه من إلى الأمام، ترتكز على تقييم لتجربة إلى الأمام ونقد لخطها السياسي والإيديولوجي المتضمن في أرضية 1979 على شكل بيان سياسي موقع من طرف عشرة مناضلين، أهم ماجاء فيها بعد نقد الطابع الحلقي الذي سجنت فيه من خلال تكثيف العمل بالقطاع الطلابي واعتبار الطلبة طليعة تكتيكية، وكذا الجري وراء التحريض وسباق الزمن:1-الموقف من القوى الوطنية، أي لا يمكن حصول أي تحول سياسي من دون القوى الوطنية، 2- وحول الموقف من قضية الصحراء ، فالحل الذي طرحه يقترح حلا وسط ، أي عدم القول بمغربية الصحراء وبعدم حق تقرير المصير، لان هذا لن يحل المشكل ، بل يتعلق بصراع يجب أن نعمل من أجل حله بشكل سلمي.

الراحل المشتري بلعباس الثالث على يسار الصورة واقفا باسجن المركزي القنيطرة

تعتبر المحطة الأخيرة في سفر بلعباس هو تجربته الفكرية والإعلامية والسياسية بعد خروجه من السجن في أواخر الثمانينيات، حيث انخرط بعزيمة لا تلين في التدريس كأستاذ للفلسفة في مركز المعلمين بدرب غلاف، وكفاعل جمعوي بالجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، ثم كصحفي بجريدة اليسار الموحد له عمود قار يلتقط من خلاله بأسلوب نقدي و عقلاني أهم الأحداث الوطنية والدولية، وكفاعل سياسي محنك له تجربة في الحوار الديمقراطي وخبرة في التواصل مع مختلف الفئات العمرية في الحزب الاشتراكي الموحد بعد انتخابه كعضو في الكتابة الوطنية في المؤتمر الوطني الأول، وظل طيلة هذه الفترة قبل أن يقعده المرض عنصرا نشطا في مختلف الأنشطة الفكرية والسياسية وكانت يده ممدودة لكل أطياف اليسار من أجل العمل المشترك والتقدم في إنجاز مهام اليسار.

سيكون من الإجحاف الإلمام بكافة جوانب حياته النضالية والسياسية التي لا يتسع المقام لذكرها، ولكن لنا الثقة الكاملة بأن هذا المشوار السياسي الغني لن يذهب سدى، وستحتفظ به الأجيال المناضلة القادمة كنبراس في شق طريقها نحو الحرية والتقدم إلى الأمام من أجل اجتتات الاستبداد والقمع من أرضنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى